كان – فرنسا – الصباح من مبعوثتنا الخاصة حياة السايب عاش التونسيّون من سينمائيين وإعلامييّن ومواطنين مقيمين بفرنسا، وهناك من جاء خصيصا من أجل الحدث، لحظات جد مؤثرة ومثيرة بالمعنى الإيجابي للكلمة عندما عرض مساء يوم الجمعة الفيلم الوثائقي التونسي "لا خوف بعد اليوم" الذي مثل تونس في البرنامج الرسمي للدورة الرابعة والستين لمهرجان "كان" الدولي. جماهير كبيرة العدد انتقلت إلى قاعة «السواسنتيام» بقصر المهرجان التي عرض بها الفيلم وكان عدد هام من الشخصيات السياسيّة والثقافية الفرنسية ومن بينها بالخصوص رئيس بلدية باريس ورئيس المهرجان في الموعد لتحية هذه المشاركة التونسية ذات النكهة المختلفة. كما أن المنتج التونسي طارق بن عمار الموجود بالمكان كامل فترة المهرجان حضر العرض وهنأ بحرارة فريق العمل. لقد كان الفيلم مثيرا للإهتمام والفضول ليس لكونه عملا سينمائيا جديدا فحسب وإنما للرمز الذي يحمله ذلك أن هذا العمل الفني كان منتظرا منه أن يكون ترجمة فنية وجمالية من خلال السينما للثورة التونسية وأن يرتقي إلى مستوى هذه الثورة التي باركها الجميع تقريبا في العالم . كان الحضور التونسي لمواكبة الحدث مكثفا حتى لنخال أن التونسيين قد انتقلوا جميعهم إلى «كان» وكانت ردة فعل الجمهور حتى من الأجانب الذين سمعوا عن الثورة التونسية من بعيد مثيرة للإهتمام حتى أن البعض لم ينكر أن الدموع غلبته عند وقوفه أمام بعض مشاهد الفيلم. العرض والرمز كان طاقم الفيلم بدوره على دراية كبيرة بأنهم يمثلون في المهرجان تونسالجديدة, تونس المتحررة من الديكتاتورية وتونس الحاملة لصورة جديدة ايجابية في أعين الناس. فكان أن التحفوا بالعلم التونسي وارتدوا القمصان الحاملة لعلم بلادنا. وقابل الحضور إطلالة تونس بالمهرجان بالتصفيق الحار والمطول. صحيح وددنا لو كان الفيلم الذي تولى إخراجه المخرج الشاب مراد بن الشيخ وأنتجه كذلك منتج شاب وهو حبيب عطية -وفي تونس يحلو للناس تسمية الثورة التونسية بثورة الشباب- وهو مدعوم من وزارة الثقافة بتونس أن يكون أكثر تمثيلية للثورة وأن يكون هناك حضور أوسع للناشطين على الساحة بتونس على الشاشة الكبرى لكن يبقى لأصحاب الفيلم الحق في اختيار المقاربة التي يرونها تعبر من وجهة نظرهم أكثر من غيرها عن هذا الحدث البارز في تاريخ بلادنا المعاصر. تدور الأحداث إذن (تتواصل حوالي ساعة وربع) حول الثورة التونسية وتركز أغلب المشاهد على المظاهرة الحاسمة التي شهدها الشارع الرئيسي بالعاصمة الحبيب بورقيبة يوم 14 جانفي والتي سقط فيها شهداء وأصيب متظاهرون بجروح متنوعة وسقط على إثرها النظام الحاكم وسقطت بطبيعة الحال الديكتاتورية. الصور تهم أيضا تحركات المواطنين بالعاصمة خلال الأيام الأولى التي تلت انتصار الثورة الشعبية لا سيما العمل المشهود الذي قام بها المواطنون الذين تشكلوا في لجان للدفاع عن أحيائهم بعد موجة الإعتداءات على المواطن وعلى أملاكه وحالات الإنفلات الأمني التي تلت انتصار الثورة الشعبية. هناك مواكبة كذلك للإحتجاجات على حكومتي الوزير الأول السابق محمد الغنّوشي وخاصة اعتصام القصبة ولقوافل الشكر والإمتنان التي كانت تنتقل من العاصمة إلى وسط البلاد التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة التونسية. لم نحظ بمشاهد كثيرة عن الوضع ما قبل الثورة باستثناء صور من إمضاء هواة التقطت بالمناطق الداخلية خاصة بالقصرين وسيدي بوزيد التي مهّد فيها كما هو معروف ومتداول انتحار الشاب محمد البوعزيزي أصيل سيدي بوزيد بالوسط الغربي للبلاد الذي حرق نفسه يوم 17 دسيمبر من العام المنقضي إلى قيام الثورة في تونس وسرعان ما انتشرت خارج الحدود ومازال تأثيرها إلى أيامنا متواصل في كامل أرجاء العالم العربي وبدون استثناء تقريبا. تحدث الفيلم الوثائقي «لا خوف بعد اليوم» عن الثورة التونسية من خلال نماذج أوعينة من الشخصيات التونسية اعتبرها فريق العمل معبرة عن الشعب التونسي في هذه المرحلة التاريخية. هل العينة ممثلة للشعب التونسي؟ هناك من جهة حمّة الهمامي المناضل السياسي الغني عن التعريف وزوجته المحامية التي ليست أقل شهرة منه راضية النصراوي ومن جهة أخرى الصحفي كارم الشريف وعائلته وعلى الطرف المقابل الشابة لينا وهي من بين المدوّنين الشباب الذين كان لهم دورهم المهمّ في قيام الثورة وانتصارها. وكان ظهورها غالبا صحبة والدها الذي سبق وتعرض للتعذيب من النظام السابق. وبالتوازي مع ذلك يمكن أن نعتبر المشاهد التي تظهر فيها طبيبة نفسية تستمع إلى مريض نفسي تونسي نراه يتخذ من صور الثورة بعد أن يعمل فيها المقص وتقنية «الكولاج» لوحة فنية معبرة عن الحدث لكن دون أن يكشف عن وجهه بشكل مباشر, يمكن أن نعتبر ذلك الخيط الرابط بين الأحداث. منح الفيلم الكلمة مطولا للشخصيات المذكورة وحاول أن يراوح بين الصورة والكلمة ولكن ينتهي المشاهد بملاحظة أنه ربما كانت هناك مساحة كبيرة للكلام على حساب الصورة. حتى وإن كانت بعض مشاهد الفيلم لاسيما بالنسبة لمن عاش الحدث من الداخل مؤثرة وتثير في النفس الشجن إلى درجة البكاء لأن تلك الصور كانت تعبر عن شيء عشناه واخترقنا من الداخل فإن ذلك لا يمنع من الشعور بأن العينة التي تم اختيارها لم تكن واسعة ولم تكن ممثلة ربما تمثيلا واسعا لمن صنعوا هذه الثورة. وقد يزداد الأمر وضوحا إذا ما وضعنا الفيلم في سياق الواقع الجديد اليوم في تونس حيث ظهرت حقائق جديدة وانكشفت أشياء لم يكن من الممكن منطقيا اكتشافها في الأيام الأولى للثورة. ماذا إذا نزّلنا الفيلم في سياق اليوم ؟ ربما لم يكن عامل الوقت في خدمة العمل لكن يبقى الفيلم حركة ربما كان لا بد منها وهو قراءة للحدث سينمائيا اجتهد أصحابها لتكون موضوعية ووفية للحدث لكن يبقى العمل حتى وإن كان وثائقيا يحمل كمّا من الذاتية ويبقى اقتراحا فنيا خاضعا للذوق ومطروحا للنقاش. المهم أن ردود الفعل في القاعة ب»كان» كانت أغلبها إيجابية حول الفيلم الذي أتاح للتونسيين الحضور في هذه التظاهرة السينمائية الدولية الكبرى. لم يبحث الأجانب كثيرا في تمثيلية المشاهد, المهم بالنسبة لهم أن يشاهدوا صور الثورة التونسية وأن يطلعوا على سيناريو يقربهم أكثر ما يمكن من الحدث الذي أثار فضولهم وفق ما صرح لنا به البعض ممن حضروا العرض. انتظمت كذلك وبمناسبة تقديم الفيلم التونسي وتكريم تونس بالدورة الجديدة لمهرجان كان السينمائي الدولي سهرة تونسية فيها الموسيقى والأكل وكثيرا من المشروبات وحضرتها أغلب الوجوه السينمائية المألوفة في تونس وذلك إلى جانب المخرج والمنتج ودعي لها سينمائيون وإعلاميون من فرنسا ومن ضيوف فرنسا.