أكد مصدر رسمي من الحكومة الانتقالية ل"الصباح" أن تونس تمكنت من الاتفاق على الحصول على 25مليارا من احتياجاتها التي تقدر ب125 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة في اجتماعات مجموعة الثمانية. واعتبرت الحكومة في بيان صادر عنها تلقت "الصباح" نسخة منه، أنها "عرضت مقترحا كاملا لمجموعة الثمانية تضمن الخطوط العريضة لحاجيات البلاد للاستجابة لتطلعات الشعب التي عبر عنها في ثورته". واعتبر الباجي قائد السبسي خلال ندوة صحفية عقدها في فرنسا أول أمس على هامش مشاركته في قمة مجموعة الثمانية أن تونس تلقى دعما اقتصاديا كفيلا بتعزيز تمشيها نحو الديمقراطية، وصرح بان تونس تعول في المقام الأول على إمكانياتها الذاتية ثم على مساندة مختلف شركائها الدوليين من اجل إرساء مخططها التنموي. وعلى هامش نفس القمة التي اعتبرها المنظمون لدعم "الربيع العربي"، أكد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن المجموعة وعدت بتقديم 40 مليار دولار لكل من مصر وتونس منها، 20 مليارا مقدمة من بنوك التنمية وأكثر من عشرة مليارات دولار من البلدان الغربية وعشرة مليارات من دول الخليج. وأفاد انه من بين العشر مليارات دولار من التعهدات الثنائية الغربية ستبلغ حصة فرنسا المقدمة إلى مصر وتونس مليار أورو. في المقابل علت العديد من الأصوات محتجة على المشاركة التونسية في هذه القمة، وأخرى حذرت من أن يكون للتداين وارتفاع مقداره "انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الوطني وأيضا على استقلالية القرار".
الشرعية؟
أكد مصدر حكومي مسؤول ل"الصباح" أن للحكومة الانتقالية الحق في أن تبرم اتفاقات وأن تقوم بالعمل على إيجاد حلول للارتقاء بالواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. واعتبر نفس المصدر أن مشاركة تونس في قمة مجموعة الثمانية تأتي ضمن برنامج الحكومة الانتقالية الاجتماعي والاقتصادي في شكل خارطة طريق لتحقيقه. من ناحية أخرى وفي تقديم الحكومة الانتقالية لبرنامجها، فإنها تعتبره "برنامجا اقتصاديا واجتماعيا سيتم تنفيذه على المدى القصير وسيكون له "انعكاس فوري" على المجالين الاقتصادي والاجتماعي". وأفاد عبد الرزاق الهمامي رئيس الهيئة التأسيسية لحزب العمل الوطني الديمقراطي أن أي عاقل يدرك أن البلاد في حاجة إلى التمويل ولكن بشروط عدم الارتهان إلى أي كان وأن لا تكون المديونية مشروطة وتمس من استقلالية القرار الوطني. من ناحيته اعتبر مهدي الطباخ المسؤول الإعلامي بحركة الوحدة الشعبية أنه ليس للحكومة أية شرعية شعبية تخولها التصرف في شؤون البلاد بطريقة تأثر على مستقبلها المتوسط أو البعيد.
عجز اقتصادي
تعيش البلاد وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا وهو ما يجمع عليه الخبراء كما مختلف مكونات المجتمع المدني وأيضا الجهات الرسمية، فقد قدرت أرقام رسمية صادرة عن الحكومة الانتقالية نسبة الفقر في تونس ب 24.7 بالمائة وهو ما يعني أن أكثر من 2 مليون ونصف المليون من التونسيين يعيشون الفقر المدقع، كما قدرت وزارة الشؤون الاجتماعية عدد العاطلين عن العمل حاليا ب 700 ألف شخص 69 بالمائة منهم سنهم اقل من 30 سنة فيما يقدر عدد العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات ب 170 ألف شاب وشابة. من ناحية أخرى تمر البلاد بما يمكن اعتباره "أزمة اقتصادية" إذ أن نسبة النمو الإجمالية التي يمكن إدراكها خلال كامل هذه السنة ستتراوح بين صفر(0) و1,5%. وتعرض القطاع السياحي نتيجة الأحداث التي شهدتها البلاد إبان الثورة لانتكاسة كبيرة. ويبدو أن هذه الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الجد صعبة تتطلب إجراءات فورية عاجلة، ولكن ممنهجة ومعقلنة، ولا تتطلب أنصاف الحلول ولا التملص من المسؤولية ولا يمكن أن تحتمل مزايدات ولا أيضا كلاما سياسيا عموميا لا يمكن أن يضمن لقمة عيش الناس اليوم وغدا.
من يتحمل تبعات الدين الفاسد؟
حذر العديد من المتابعين من أن البلاد دفعت ضريبة سوء التصرف في الدين الخارجي أثناء حكم المخلوع، وطالب عدد من مكونات المجتمع المدني من جمعيات وأحزاب بأن يتم تعليق تسديد الديون والتثبت منها وفوائضها وأن تتم محاسبة المتسببين في تهريب أجزاء منه "فمن الظلم تسديد الشعب التونسي لسرقات جلاديه" حسب تعبير عبد الرزاق الهمامي. ويعتبر محمود بن رمضان أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، أن هذه الأموال تعد "دينا فاسدا" أي الذي يوجه ويذهب نفعه إلى الأشخاص لا إلى المجموعة الوطنية، ويتم أيضا بالتواطؤ مع الأطراف المقدمة التي تقوم بالإقراض. وشدد الهمامي من ناحية أخرى على ضرورة إيجاد آلية ذات مصداقية تخول مراقبة توزيع تلك الديون، في حين يذهب مهدي الطباخ إلى أنه من الضرورة البحث عن مصادر أخرى للتمويل غير الدوائر النقدية الدولية التقليدية، وأكد على أنه يمكن البحث في المستقبل عن مصادر تأخذ بعين الاعتبار الندية في التعامل ومنها الهند والسويد والبرازيل.. ويحذر الاقتصاديون من أن تراكم التداين المقترن بتواصل الانهيار الاقتصادي قد يؤدي إلى وضع لا يمكن التكهن بنتائجه، ويذكر هؤلاء بما حصل للبلاد في 1986 حين تقلص احتياطي العملة الصعبة بشكل حاد نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عاشتها، فالتجأت إلى ما يمكن اعتباره "الحقن الخارجي"، ففرض صندوق النقد الدولي برنامج الإصلاح الهيكلي، الذي دفع ضريبته الشعب التونسي وكان سببا آخر من أسباب اندلاع ثورته، فقد فاقم هذا البرنامج في عدم توازن وعدالة التنمية، وفي مزيد تفقير الشعب وتهميش فئاته المنتجة.