أشرف - أمس الأوّل - السيّد عزالدّين باش شاوش وزير الثّقافة والمحافظة على التّراث بمقرّ قصر المسرح بالحلفاوين على حفل تنصيب الدّكتور وحيد السّعفي مديرا عامّا جديدا لمؤسّسة «المسرح الوطني» خلفا للأستاذ محمّد ادريس ... وهو التّنصيب الّذي جاء ليضع حدّا لحالة «الفراغ الاداري» الّتي ظلّت قائمة في صلب هذه المؤسّسة الابداعيّة على امتداد الأشهر الخمسة الماضية ... وما من شكّ أنّهم وحدهم المتابعون للشّأن المسرحي يدركون حجم القيمة الاجرائيّة والدّلاليّة لهذا «الحدث» الثّقافي باعتباره يمثّل ربّما - في أحد جوانبه - حالة «شفاء» من «عقدة» فنيّة وابداعيّة واداريّة اسمها «محمّد ادريس» ظلّت تتحكّم - لا فقط - في جانب من طبيعة نشاط هذه المؤسّسة الفنية على امتداد العقدين الأخيرين بل وأيضا في جانب من «الحراك» المسرحي التّونسي برمّته على امتداد السّنوات العشرين الأخيرة... نقول «عقدة» محمّد ادريس - لا فقط - لأنّ هذا الفنّان المسرحي الكبير الّذي استمرّ على رأس الادارة الابداعيّة والفنيّة للمسرح الوطني لما يزيد عن عشرين سنة متتالية عرف خلالها كيف يضيف ايجابيّا للمؤسّسة - اداريّا (تنظيميّا) وابداعيّا - سوف لن يكون من السّهل «القفز» على «ذكراه» أو محو «آثاره» الابداعيّة الّتي أمضاها باسم «المسرح الوطني» وانّما - أيضا - لأنّ اسم محمّد ادريس سيظلّ -أحبّ من أحبّ وكره من كره - محفورا في الذّاكرة الثّقافيّة الوطنيّة باعتباره أحد المبدعين المسرحيّين الكبار الّذين «ملأوا الدّنيا وشغلوا النّاس» و»هيمنوا» شكلا ومضمونا (جسدا وروحا ) على مدى أكثر من عقدين - على الأقلّ - على حيّز واسع من مساحة المشهد المسرحي - لا فقط - التّونسي بل وربّما العربي المعاصر ... الأمر الّذي جعله - ربّما - يحتلّ طليعة قائمة الفنّانين المختلف حولهم وفيهم ... ولأنّنا لا نروم من وراء هذه الورقة القيام بعمليّة جرد أو «كشف حساب» ابداعي وفنّي لفترة «حكم» الفنّان المسرحي محمّد ادريس لمؤسّسة المسرح الوطني ولا أن نبكي على «أطلال» ابداعاته وانجازاته في صلبها ... - فالتّاريخ ، والتّاريخ وحده مخوّل لأن يضطلع بهذه المهمّة الدّقيقة بالحدّ الأقصى من الحياديّة - فانّنا سنمرّ مباشرة الى طرح هذا السّؤال: الآن وقد «أراح محمّد ادريس واستراح» وغادر «المسرح الوطني» وتركها «واسعة وعريضة» لمن سيخلفه هل سيتخلّص المسرحيّون - وبخاصّة منهم الشبّان والمخضرمين - من «عقدة» هذا الرّجل الفنيّة و»ظلّه» الاداري الصّارم والمخيف الّذي طالما «اشتكوا» منهما سرّا وجهرا لأنّهما بزعمهم «حرّمتا» على الكثيرين منهم دخول المسرح الوطني... وهل سيجدون في «خليفته» على رأس الادارة الفنيّة لمؤسّسة المسرح الوطني الدّكتور وحيد السّعفي ذلك «البديل» المناسب و «الظّهير» الثّقافي الّذي سيفتح في وجوههم الأبواب الّتي يقولون أنّ محمّد ادريس أغلقها في وجوههم بل وأحكم غلقها ؟ نحن - وللاجابة عن هذا السّؤال - تحدّثنا في الموضوع لعدد من هؤلاء ... وقد وجدنا لديهم شبه اجماع على «شيئين» أساسيّين : - الأوّل : تأكيدهم على أنّهم يحفظون للفنّان محمّد ادريس كلّ الودّ وأنّهم يقدّرون جيّدا قيمته الفنيّة وموهبته كفنّان مسرحي كبير بل ويعتبرونه أحد الأسماء التّاريخيّة في سجلّ المسرح التّونسي ... وأنّ اعتراضهم انّما هو على أسلوبه «الاداري» وجانب من اختياراته الفنيّة من حيث أنّه «انحرف» - في رأيهم - بالصّبغة الوطنيّة للمؤسّسة وتحوّل بها - أو يكاد - الى «ناد» خاصّ بالنّخبة وبالّذين يدورون حول فلك اختياراته الفنيّة والثّقافيّة ... - الثّاني : احترازهم - نسبيّا - لا على اسم خليفته الدّكتور وحيد السّعفي في ذاته فالرّجل ... - والكلام لهم - هو»اسم أكاديمي بارز في سماء الفنّ الرّابع في تونس ولكنّهم كانوا يودّون لو أنّه وقع الاختيار على «رجل ابداع» أي فنّان مسرحي من «أهل المهنة» ليكون مديرا عامّا للمسرح الوطني على اعتبار أنّ المسرح الوطني هو مؤسّسة ابداعيّة بالأساس - ويجب أن تبقى كذلك في جوهرها ... البعض من هؤلاء قالها صراحة : لماذا وحيد السّعفي وليس - مثلا - الفاضل الجعايبي من الجيل القديم أو منير العرقي من جيل المخضرمين ... يبدو أنّ «العقدة» لم تحلّ بالكامل ... للحديث بقيّة