تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القنديل الثاني: الدكتور محمد عبازة ل «الشروق»: بلغ عمر المسرح التونسي مائة سنة... لكن مسرحنا ما زال يبحث عن شرعيته في الثقافة التونسية
نشر في الشروق يوم 17 - 11 - 2009

ولد الدكتور محمد عبازة في مدينة غمراسن أكبر القرى الجبلية جنوب تونس، ويعني اسمها «سيد القوم». درس في مدنين ثم ارتحل الى جامعة دمشق محملاً بنفس عروبي لدراسة الأدب العربي، تعمق في دراسة النص المسرحي المكتوب بالعربية في جامعة السوربون. بدأ حبه للمسرح مع أستاذه محمد الوريمي أيام المسرح المدرسي، عاد من دمشق الى تونس ليتولى مهام عدة في وزارة الثقافة، محملاً بالمعرفة والتجربة حيث تعرف في دمشق على أسعد فضة، نهاد قلعي، دريد لحام فواز الساجر وغيرهم من المسرحيين، ومعه ايضاً زوجته الدالية الشامية التي ظللته وقت الهجير وسقته من رحيقها راحاً، وبعثت فيه نشوة التحدي والانتصار، وما زالت الى اليوم تظلله وتمشي جانبه رفقة ابنائهما وائل وكرمل ومهاب.
صدرت لك أخيراً دراسة مهمة وشاملة في كتابين مهمين عن تاريخ المسرح «تطور الفعل المسرحي في تونس من النشأة الى التأسيس» وتطور الفعل المسرحي في تونس من اللامركزية الى التجريب ضمن منشورات دار سحر للنشر وهي حسب ما قدمت اعتراف بالمجهود لرواد الفن المسرحي وتكريماً لهم.
بطلب من صديقي محمد صالح الرصاع مدير دار سحر للنشر، خصصت الجزء الأول لدراسة تطور الفعل المسرحي في تونس من النشأة الى التأسيس، والجزء الثاني لدراسة المرحلة الثانية من اللامركزية الى التجريب.
حسب رأيك هل أحطت في الدراسة بكل جوانب المسرح التونسي؟
لن أدعي ذلك. لكني أردت الانتقاء ببعض من الذاتية فيها من المنطق والموضوعية أشياء، وهذا الانتقاء لا يطمح أن يكون بحراً، فقط رافداً من جملة العديد من الروافد.
هل يمكن اعتبار مسرح علي بن عياد الانطلاقة الأساسية لمسرح تونسي؟
استطاع علي بن عياد أن يرقى بالفعل المسرحي الى مرتبة التأسيس، فحقق مع مسرحية «مراد الثالث» مع الفرقة البلدية نصراً ساحقاً، باعتبار انه نجح في تقديم عرض مسرحي تونسي متكامل من حيث التمثيل والاخراج، النص للأستاذ الحبيب بولعراس، والديكور والملابس لزبير التركي.، ظل علي بن عياد يراوح بين توجه نخبوي وبعض المسرحيات ذات النفس الشعبي المتوجهة الى كل الطبقات الاجتماعية مثل «الكلو من عيشوشة»، «الماريشال»، «الحزارة»، «عرس بليبش»، لكن بما أن ارضاء التونسيين غاية لا تدرك، لأنهم لا يعترفون لفاضل بفضيلة على رأي أبي الحسن الشاذلي، انهال النقد على علي وتجربته، خاصة من الذين اطلعوا على تجارب مسرحية مغايرة من جيل الشباب، أرادوا تغيير المسرح السائد الذي ما زال يخطو خطواته الأولى، وأصدروا بيان الأحد عشر (المانيفست) الذي جاء بعنوان «والآن... لو تحدثنا عن المسرح».
كيف انطلقت اللا مركزية الثقافية؟
بعد خطاب الرئيس بورقيبة سنة 62، بدأ الشروع في بناء دور الشعب والثقافة، وتكونت الفرق الجهوية في كل الولايات.
كان لفرقة الكاف دور فعال في القطيعة مع السائد المسرحي ؟
فرقة الكاف الفرقة المسرحية الجهوية المحترفة الرابعة بعد صفاقس وسوسة وبنزرت، استطاع منصف سويسي بحماس فياض أن يوجد الهيكل بالبحث عن العنصر البشري، فجمع ثلة من الشباب وأقام لهم دورة تدريبية وجد من خلالها أنه يمكن أن يعتمد عليها في مغامرته الابداعية , ثم اختار نصوصاً عالمية منتقلاً من المسرح الغربي والتونسي الى المسرح الآسيوي حيث أخرج مسرحية «راشمون» للكاتب الياباني أكورو أكوتغاوا.
من أبرز من شاهد هذه المسرحية الرئيس بورقيبة؟
نعم وقد اعترف الرئيس السابق بورقيبة بجودة العمل وقدرته على المنافسة في أكبر التظاهرات المسرحية العالمية.
من أهم أعمال المنصف السويسي مسرحية «الزنج».
كتب عز الدين المدني «ديوان الزنج» الذي اعتبره منصف السويسي نصاً أدبياً، فاقترح معالجة دراماتورجية أشرك فيها محمد رجاء فرحات، وزبير التركي، واستقطب العمل في مستوى الفنانين الأربعة اهتمام المثقفين بشكل خاص.
ومصطلح المسرح التراثي أدخل مصطلحاً نقدياً جديداً يقيم الكتابة المسرحية التي تستمد مواضيعها من التراث العربي الاسلامي. وأسال حبراً كثيراً بين مؤيد ومعارض.
ساهم منصف السويسي بعد فرقة الكاف في تكوين فرقة قفصة ؟
ساهم منصف مساهمة فعالة في تكوين فرقة قفصة، وتعتبر الفرقة الثانية التي لاقت نجاحاً منقطع النظير.
تذكر في بحثك أن منصف السويسي أعطى نفساً جديداً وفتح الأبواب للطاقات الشابة ؟
استضاف منصف السويسي كل الطاقات الشابة المتكونة حديثاً في المسرح، مثل محمد ادريس مع مسرحية «عندما تحرق الشمس» والفاضل الجعايبي قدم عملاً عبارة عن تمارين ختم تربص بعنوان «حركات صامتة». رجاء فرحات الذي أنهى دراسته في ايطاليا مثل مع منصف في ديوان الزنج، وكان مسؤولاً في نفس الوقت عن ادارة الممثلين، لذلك عندما طلب السيد الطاهر بوسمة والي قفصة من منصف امكانية تأسيس فرقة مسرحية بقفصة، اقترح مباشرة رجاء فرحات لاعادة التجربة، وقاما بتطبيق نفس سيناريو الكاف، اختيار أعضاء الفرقة واقامة دورة تكوينية، فجاء الفاضل الجعايبي ورؤوف بن عمر وجليلة بكار ومحمد ادريس وفاضل الجزيري وعبد القادر مقداد، وكان هؤلاء النواة الأولى التي كونت الفرقة. ثم عززت الفرقة بعض عناصر فرقة الكاف مثل عيسى حراث وناجية الورغي وعبد اللطيف خير الدين. ثم التحق بالفرقة فرحات يمون.
أول انتاج لفرقة قفصة «جحا والشرق الحائر»؟
منعت السلطات الجهوية بقفصة عرض مسرحية «جحا والشرق الحائر» فاستدعاهم منصف السويسي وقدموا العمل في الكاف، ثم أغلق والي قفصة كل أموال التمويل على الفرقة، فاستضافهم منصف السويسي في الكاف بحجة تحضير عمل مشترك، وطوال ثمانية أشهر كان أعضاء الفرقة يتقاضون مراتبهم من فرقة الكاف وأنتجوا مسرحية «العترة والبرني» من اخراج الفاضل الجعايبي.
لماذا نجحت الفرق التي تكونت في غرب البلاد ولم تنجح فرق شرق البلاد ؟
ربما لأن سكان غرب البلاد طبعوا بعقلية الزراعات الموسمية التي أتاحت لهم أوقات فراغ يمكن أن تكون سبب انتاج واستهلاك الفنون، رغم أن فرقة قفصة قدمت أعمالاً هامة مثل «جحا والشرق الحائر» ومحمد علي الحامي و«الجازية الهلالية» لكن جمهور قفصة لم يتفاعل معها، كان خطابها غريباً عن جمهور أغلبه أمي لم يسمع نهائياً بالمسرح، ولديه همومه الخاصة، كانت قفصة في تلك المرحلة تعيش نوعاً من الغليان والاحباط والاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تواصل بعد الاستقلال، ولا ننسى أنه في تلك الفترة قامت المحاولة الانقلابية مع الأزهر الشرايطي ابن المنطقة.
لمن كانت الفرقة تقدم عروضها اذن ؟
من الطريف أن الفرقة كانت تنتج أعمالها في قفصة لتقدمها في تونس حيث كانت معروفة أكثر.
تخلت المجموعة عن الفرقة ؟
اضطرت النواة الصلبة مغادرة الفرقة لتجمع الظروف الصعبة، وتولى عبد القادر مقداد ادارة الفرقة، وانتدب ممثلين جددا، وقدم مسرحية «حمة الجريدي» وتبنت الفرقة اللهجة والخصوصية المحلية، وكان لها القدرة على الالتصاق بالواقع القفصي، مما جعل الجمهور يفتخر بها باعتبارها مكسباً ثقافياً فنياً للجهة.
أين ذهبت نواة فرقة قفصة الأصلية ؟
البعض منهم دخل في مشروع حديث وهو تأسيس أول فرقة مسرحية مستقلة هي «المسرح الجديد» يضم أربعة أعضاء: الفاضل الجعايبي، الفاضل الجزيري، محمد ادريس والحبيب المسروقي ومثل المسرح الجديد لوناً جماعياً ألغيت فيه التراتيبية، والاختصاص الضيق، الكل يساهم في كتابة النص وتصميم الملابس و يهتم بالاخراج.
في رأيك هل نجحت مجموعة المسرح الجديد في تقديم الجديد ؟
المسألة لم تكن بالسهولة التي تصورتها المجموعة، لم يستطيعوا التخلص من رواسب ثقافتهم الغربية ووقعها في زادهم المسرحي، سواء على مستوى التكوين أوعلى مستوى الممارسة، ولم يستطيعوا حسب برنامجهم اعطاء صورة مغايرة لصورة الاستشراق عن الانسان التونسي والعربي.
ما هي الأسباب؟
كان الطرح «الآن وهنا» متمحوراً أساساً حول الخرافة التي يجب أن تكون تونسية دماً ولحماً، لكن المجموعة اختارت لهجة عامية مغرقة في محليتها، ورغم نوايا الفرقة التمرد على المسرح السائد تونسياً وفرنسياً، الا أنهم بقوا أسرى ثقافتهم وتكوينهم، لكن يبقوا مؤسسين لنوعية جديدة من المسرح في ما يتعلق بأداء الممثل والدراماتورجيا.
بعد مسرحية العرس والورثة للمسرح الجديد، ما زالت مسرحية غسالة النوادر المسرحية الحدث الى اليوم؟
مثل عرض المسرحية حدثاً ثقافياً متميزاً، وثبت أقدام المجموعة على الساحة المسرحية، فاكتسبوا شرعية الريادة بدون منازع أواخر السبعينات. حملت المسرحية العديد من الاشارات والتلميحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان الحديث فيها جريمة في حق البلاد وخيانة في حق الوطن.
أراد المسرح الجديد مسرحاً تونسياً جديداً عبر هذا العمل ؟
جاء العمل نصاً مستوحى من الميتولوجيا اليومية التي اعتبرها المسرح الجديد مصدر ابداعهم الأساسي، فكان نصاً حياً نبع من «الآن وهنا» نص أبدع وأمتع وغاص في الواقع التونسي بقضاياه الاجتماعية، اسس لعملية كتابة دراماتورجية جديدة اقتبست من الملحمية كثيراً ومن الواقع تراكماً يومياً.كان عملاً متقناً مدروساً دراسة علمية، لامجال فيه للاعتباطية والمجانية سواء على مستوى النص أو أداء الممثلين أو الاختبارات الجمالية، نصاً أدرك فيه الممثل أنه كلما ازداد وضوحاً ازداد ابداعاً.
نصل الآن الى المسرح المثلث
مثلت تجربة المسرح المثلث بإدارة الحبيب شبيل تجربة متميزة لأنه كان بالأساس فناناً تشكيلياً، اعتمد على الناحية البصرية للعرض، عرف جيداً تأثير الصورة على عقلية المتفرج ونفسيته. وقد ناضل وآمن بمسرح يعبر بحرية مسؤولة عن أفكار ورؤى جمالية وفكرية، لأنه يعتقد راسخاً أن الانسان يحيا بالغذاء المادي والغذاء الروحي، وقد كون الحبيب شبيل مجموعة من الممثلين أصبحوا فاعلين في الساحة المسرحية مثل كمال التواتي، زهيرة بن عمار، سليم الصنهاجي، وجلال الدين السعدي، فتحي الهداوي وخالد القصوري...
لماذا انسحب الحبيب من الساحة رغم أنه كان ما زال لديه الكثير من القول ؟
ربما شعر أنه لم يعد قادراً على الاضافة فتوقف وصمت حتى وفاته.
الفصل الرابع من الجزء الثاني من دراستك خصصته للمسرح التونسي خلال العشرية الأخيرة من القرن العشرين!
الحديث عن المسرح التونسي خلال التسعينات صعب لأن الفرق لا توثق لانتاجها. بالنسبة للقطاع العام، الانجاز الأهم هو تأسيس المسرح الوطني، ثم بعث المراكز الجهوية للفنون الدرامية. لتعويض الفرق الجهوية التي أصبحت وضعيتها تلوك ماضيها وأمجادها الغابرة، خاصة أنها تفتقر الى قانون ينظمها. فكان مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف. ثم مركزا في قفصة، وآخر بصفاقس.
وبالنسبة للقطاع الخاص ؟
تفرد الفاضل الجعايبي وجليلة بكار بتكوين فرقة خاصة أنتجت «فاميليا» و«عشاق المقهى المهجور» و«سهرة خاصة» وغيرها... وأثبت الفاضل و مازال أنه مخرج أتقن حرفته، قادراً على التلاعب بتقنيات الحرفة المسرحية كما شاء، ما زال يعمل ويؤكد في كل عمل جديد أنه قادر على الاضافة. كما قدمت جليلة ذكرياتها مع القضية الفلسطينية. ذكريات حارقة لزمن الهزيمة والتذبذب والضياع والخيانة والانكسارات المتتالية.
فضاء التياترو وتوفيق الجبالي!
منذ استقرار توفيق الجبالي في فضاء التياترو، خط طريقاًُ خاصة ورؤية جمالية متميزة، قدم عمله الطويل «كلام الليل»وتعامل مع بريشت في «مذكرات ديناصور» ثم انحرف بزاوية مذهلة، طلق الملفوظ والكلمة ودخل عالم الصورة والتشكيل البصري من خلال الكوريغرافيا في مسرحية «عطيل»، التي لا تمت الا بصلة واهية لمسرحية عطيل لشكسبير. ثم كانت مسرحيات أخرى مختلفة، استطاع توفيق الجبالي أن يقدم عروضه حسب تصوره الجمالي ورؤيته الفكرية وساعده على ذلك امتلاك فضاء خاص به.
المسرح العضوي ؟
استقطبت أعمال نورالدين قنون خلال سنوات التسعين أنظار الجمهور ونقاد المسرح، خاصة مسرحيات «المصعد»، «حب في الخريف» و«طيور الليل» وقد كان وما زال التساؤل هاجس عزالدين قنون الأول في أعماله عن وضعية المرأة والرجل، وعلاقتهما الموسومة بالتوتر والتصادم، وبدا منحازاً الى المرأة معتبراً الرجل منتهكاً للجسد الأنثوي، يبيح قداسته بكل الوسائل.
مسرح حمادي المزي ؟
تميزت شركة سندباد مع مديرها حمادي المزي بأنها لا تؤمن بالارتجال بل تشتغل على النصوص المكتوبة، ولا تقدم الا نصوصاً باللغة العربية الفصحى وهذه عملة نادرة في المسرح التونسي. قدم كتاب النساء وحفلة البكالوريا من تأليف عز الدين المدني الذي يعتبر أهم كاتب مسرحي تونسي على الاطلاق، ومن الأعمال المهمة لحمادي المزي مسرحية «شهرزاد» نص محمد العوني ومن أبرز ممثليها الممثل العراقي جواد الشاكرجي. وامتاز العمل باللغة الراقية والأداء الممتاز.
مسرح فو ؟
مع رجاء بن عمار ومنصف الصايم، ما يعطي لهذه الفرقة رونقها الخاص هو تصورها الفكري والجمالي الذي مازال يتعمق مع كل تجربة جديدة، الجسد حاضر حضوراً أساسياً في جل العروض خاصة من خلال الرقص، وتعتقد رجاء بن عمار أن الرقص قادر على انقاذ المسرح من الهوة التي تردى فيها، والخروج به من دائرة التخلف الذي وضعته فيه الصورة والانتاج السمعي البصري
مسرح الأرض ؟
تعتبر فرقة مسرح الأرض لنور الدين الورغي وناجية الورغي المجموعة المسرحية التي جسدت تيار الممثلة الواحدة، خطت الفرقة لنفسها نهجاً تميزت فيه عن جميع الفرق، خاصة وأن نور الدين يعد كاتباً موهوباً وشاعراً من الطراز الرفيع، وقد وجد في ناجية خير من يستطيع تجسيد أفكاره ورؤاه الجمالية واحساساته بالريف والعلاقات الانسانية فيه.
ما رأيك في ظاهرة عرض الممثل الفردي ؟
هذه الظاهرة أصبحت تهدد المسرح باعتباره فناً جماعياً وجامعاً، وتشكل خطراً حقيقياً على الفن الجماعي. عرض الممثل الواحد هو تدمير للقواعد المؤسسة للعرض المسرحي وآفة حقيقية تهدد كيانه، فهذا الضرب من العروض هدم الثلاثية التي تقوم عليها الخرافة المسرحية : عرض وعقدة وحل. وتعويضها بالنادرة التي تحكم العرض المسرحي وليس الفعل.
هل يمكن الحديث عن قطاع خاص، وكل الفرق الخاصة تقريباً تستمر بمساعدات وزارة الثقافة؟
رأس المال الخاص لم يدخل الاستثمار في الانتاج المسرحي، ما زالت الدولة هي الممول الرئيسي لكل مسرحنا، سواء من حيث الدعم على الانتاج أو من حيث اقتناء العروض المدعومة، مع الملاحظة أن وزارة الثقافة تتحمل مبالغ طائلة (حوالي خمس ملايين دينار) لانجاز جل العروض المسرحية، لذلك تبدو مسألة الخصوصية مسألة اعتباطية.
هل يمكن أن نقول أن مسرحنا بخير ؟
مسرحنا ما زال يبحث عن شرعيته في الثقافة التونسية، ما زال لم يخترق العقليات الفقهية، لم يؤسس بعد العادة المسرحية في تقاليدنا، ما زالت مسارحنا رغم قلتها مغلقة معظم أشهر السنة، فهل يمكن أن نقول أن مسرحنا بخير؟
أنت مدير المعهد العالي للموسيقى والمسرح بالكاف، ما هو تقييمك للمنتسبين للمعهد في هذه المنطقة ؟
أغلب الطلاب من غرب البلاد، والحس الفني متأصل في الجهة، ربما ذلك ناتج عن نوعية العيش المعتمد أساسا على الزراعات الكبرى، ستة أشهر فراغ تولد الكسل وتشجع على متابعة الفنون حتى ولو كان الحس الفني بدائيا انتاجاً واستهلاكاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.