»لا صوت يعلو فوق صوت المسرح« هذا هو الشّعار المركزي لمدينة قربة السّاحرة طيلة الفترة الممتدّة بين 28 جويلية 2010 و4 أوت 2010، وأنت تفتح المدينة الخلاّبة من كلّ بواباتها تعترضك لافتات الترحيب والاعلام، ترحّب بك مرفرفة لتعلمك أن شيئا ما يحدث في المدينة، الجدران حتى الجدران مزهوة تحمل ملصقاتها المزركشة الألوان تريد أن تقول للأهالي، للزائرين، للمواكبين: تعالوا لنتجمّع حول ركح لنرسم مع بعضنا البعض شكل نص القمر. لنرى الأعمال المسرحيّة على ركح مسرح مدينة قربة، هذا الركع، مكانته لن تمّحي من ذاكرة المبدعين المسرحيين الكبار الذين نرى بعض أعمالهم ترتقي إلى مرتبة الكمال الابداعي، لن أذكر اسم أحد منهم حتى لا أظلم من تخونني ذاكرتي في ذكرهم. ركح مسرح قربة مثل لهم بداية الخطوة الأولى على درب مسيرة طويلة من العطاء من أجل مسرح تونسي مبدع وخلاّق وقادر على النّهوض بالمجتمع في كل المجالات، طبقا لمقولة اعطني مسرحا... .. كانت البداية مع فقرة تنشيط المدينة، دمى ضخمة، موسيقى نحاسيّة، بالونات هوائية مزركشة الألوان، تجوب شوارع قرية صحبة الأطفال الذين بدونهم لا يمكن الحديث عن الفرح، فالأطفال هم الرموز الظّاهرة للأحداث الكبرى بسرورها وأحزانها. أمّا أطفال قربة فهم في غمرة الاحتفال بمهرجانهم الذي يعرفون خباياه وهو الذي يبلغ هذه السّنة دورته السّادسة والثلاثين. هيئة المهرجان أظنّ أنّها تحرّكت بحسب ما توفّر لها من امكانيّات. إلاّ أنّ النّجاعة الذي اتسم به هذا التحرّك ذلّل كلّ الصّعوبات باستثناء ماهو خارج على إرادتها كالجوانب التقنيّة واللوجستيّة المفقودة على ركح المسرح. فقد كان الاستقبال والإيواءُ وخدمات المطعم في مستوى التطلّعات. ناهيك وأنّ الاعلام الدّاخلي كان مضمونا بالكامل مع نشريّة »الجسير« التي كانت منبرا مفتوحا لكل أقلام المواكبين اضافة إلى حزمة الأخبار التي كانت تمدّ بها قراءها وتبقى القراءات النقديّة للأعمال المسرحيّة أهم أركان هذا الفضاء الاعلامي. هيئة المهرجان التي ترأسها كمال الدعاس كانت على أتمّ الاستعداد لهذا الحدث السعيد ولم تترك أي جزئيّة للصدفة بل كان اشرافها على المهرجان مدروسًا ومخطّطا له مسبقا فقد كانت الاتصالات بالجهات المتدخلة من بلديّة ومعتمديّة ومندوبيّة الثقافة والولاية حثيثة مادام الهدف العمل على إنجاح هذا الحدث الوطني: »مهرجان قربة لمسرح الهواة«. الجامعة التّونسيّة للمسرح: الكلّ هنا في قربة شاهد على التواجد المكثّف لهيئة الجامعة التونسية للمسرح وعلى رأسها المنصف السويسي من خلال برمجة عديد الفعاليات والندوات تحت اشرافها لمزيد النهوض بالمشهد المسرحي في بلادنا. البعض فسّر هذا التواجد بالتّوجه الجديد الذي تبنّته جامعة المسرح بغية تطوير مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة شكلا ومضمونا. عروض محترفة: هي ثلاثة عروض احتضنها بصفة مباشرة ركح مسرح قربة كانت بمثابة نموذج للعمل المسرحي الهادف كان الهدف من عرضها حثّ مسرح الهواة على الإقتداء بها والإستئناس بما تحمله من أفكار في الجماليّة والإبداع لتنمية التجارب المسرحيّة، هذه العروض الثلاث هي: ❊ »خيوط العشقة« للمركز الوطني للفنون الدرامية والركحيّة بالكاف (إخراج معز حمزة). ❊ »ابن رشد اليوم« مؤسّسه السويسي »فو نون«. تأليف عزالدين المدني إدارة الممثلين والدراماتورجيا: المنصف السويسي (محمّد كوكة). ❊ »بنت الجنرال ڤابلار« المسرح الوطني ترجمة للتونسي محمد ادريس. يوم المسرح المدرسي: كلّ من واكب عروض المسرح المدرسي وقف على جانب كبير من الإبداع وحيّى أساتذة المسرح الذين كانوا وراء هذه الأعمال التي عوضت الفراغ المفزع الذي انتاب عروض المسابقة الرسميّة، عروض المسرح المدرسي نظمها المهرجان بالشراكة مع وزارة التربية وقد حضر عنها رئيس ديوان وزير التربية والمديرة الجهوية للتربية بنابل وخصّص لها يوم كامل انطلق بعرض صباحي من إعداديّة 7 نوفمبر قربة اضافة إلى مسرحية »جزيرة زنڤرة« معهد علي البلهوان بنابل وفي المساء عرضت 3 أعمال: »بستان الكرز« للمعهد النموذجي بالكاف و»غبار الوقت« لإعداديّة زاوية العرب بدڤاش و»فنّان الغلبة« لمعهد مڤرين. ندوة وتربصان: بالنسبة للنّدوة يمكن اعتبارها هامّة وهامّة جدّا من زاوية المواضيع التي طرحتها والتي أشرفت عليها الجامعة التونسيّة للمسرح، نشطها السيد المنصف السّويسي، وقرّر لها السيد لطفي الغربي السنوسي، تناولت على مدى يومين 5 محاور وهي »مسرح الهواية ومسرح الإحتراف، فصل قانوني أم فصل إبداعي« »شباب المسرح ومسرح الشّباب« »مسرح الهواية: الينابيع، الواقع والطموحات« »هواية المسرح ومسرح الهواية« وأخيرا »هواية الاحتراف واحتراف الهواية«. وقد لاقت هذه النّدوة تفاعلا منقطع النظير من قبل المواكبين والمهتمّين بالشأن المسرحي من اعلاميين ومثقفين من خلال النقاش الحرّ لمداخلات كمال العلاوي ورضا بوقديدة والمنصف السويسي وغيرهم. أمّا التربص الأوّل فقد تناول محور »الجسد المسرحي: جسد الانعتاق« وأطره الأستاذ فتحي العكاري والذي توّج بعرض مسرحي للمتربّصين ليلة الاختتام، والتربص الثاني فقد تناول محور »الإلقاء ولغة الضّاد« أطّره السيد المنصف السويسي والسيد مراد كرّوت. الإختتام: كما يقال وختامها مسك فإنّ الإختتام تمّ يوم الاربعاء 4 أوت، أشرف عليه السيد وزير الثقافة وحماية التراث بحضور والي نابل والمندوب الجهوي للثقافة وحماية التراث بنابل والإطارات المحلية بقربة ووقع تكريم جموعة من الشخصيات ساهمت في إعلاء شأن المسرح بأعمالها الجليلة على غرار الكاتب والمؤلف المسرحي عزالدين المدني ومدير المركز الوطني للفنون الدّراميّة والركحيّة المخرج معز حمزة وواحد من مؤسسي جمعيّة نجوم المسرح بقربة ومدير مهرجانها سابقا حسين نوّارة. تقرير لجنة التحكيم: أصرّت لجنة التحكيم على تلاوة تقريرها المفصّل في ما يخصّ إسناد الجوائز لمستحقيها من الجمعيات المسرحيّة التي شاركت في المسابقة الرسميّة والتي كان ان عددها ستة وهي جمعيّة مسرح الرّيحان بحمام الشط وقد شاركت بمسرحيّة »العرض الأوّل« وجمعيّة النسيم للمسرح بنابل بمسرحيّة »السلطان الحائر« وجمعيّة ابن رشيق للمسرح بالقيروان بمسرحيّة »الدّهليز« وجمعيّة الشباب المسرحي بحمّام سوسة بمسرحيّة »جوانح المحبّة« وجمعيّة محمّد الحيدري للمسرح بباجة بمسرحيّة »كلّ شيء« وجمعيّة مسرح تقيوس بالدڤاش بمسرحيّة »زمان«. ولجنة التحكيم المتركّبة من المسرحي المنصف السويسي رئيس ولطفي العربي السنوسي مقرّر وكمال العلاوي ورشيد يدعس أعضاء فإنّها دعت رؤساء الجمعيات إلى العمل على تأطير الهواة بما يؤهلهم لممارسة إبداعيّة واعية وخلاقة على المستويين النظري والتطبيقي من أجل تطوير الفهم وبالتالي تكريس وعي يمكّنهم من إنجاز أعمال تتوفّر على الحدّ الأدنى من الإبداع المسرحي. كما لاحظت اللّجنة مدى تواضع الأعمال المسرحيّة المقترحة على هذه الدورة ومدى ضيق المقاربات الفنّية والجماليّة والضعف الفادح للأعمال النصّية »الكتابة المسرحيّة«. وبعد المداولات قرّر أعضاء اللجنة بالإجماع ما يلي: 1 حجب جائزة العمل المتكامل لعدم توفّر أعمال ترقى إلى هذا التفرّد إلى هذا الكمال. 2 حجب جائزة النّص لغياب نص مقنع في مقاربته لموضوعه وعدم توفّر عناصر الطّرافة والجد في النصوص المقترحة. (هذان القراران قُوبلا بتصفيق حار ربّما لإقتناع جمهور المسرح الحاضر بجدّية اللّجنة وضعف مستوى الأعمال المقترحة). 3 جائزة الأداء النسائيّة الثانية تمنع بالتساوي إلى كلّ من: ❊ هاجر الشابي من جمعيّة مسرح تقيوس بدڤاش عن أدائها مسرحيّة »زمان«. ❊ سعديّة العرفاوي عن دورها في مسرحيّة »جوانح المحبّة« حمّام سوسة. 4 جائزة الأداء الأولى نسائي ل: ❊ يسرى القارصي عن دورها في مسرحيّة »السلطان الحائر« نابل. ❊ سمر بوليلة »مسرحيّة الدهليز« القيروان. الجائزة الأولى للأداء رجالي: ❊ عبد العزيز الرّايسي عن تفرّده في مسرحيّة »العرض الأوّل« حمّام الشط. ❊ عبد المجيد جمعة عن أدائه المتميّز في مسرحيّة »جوانح المحبّة« حمّام سوسة. ❊ رياض نصري عن دوره في مسرحيّة »كلّ شيء« باجة. ❊ العربي الهادفي وعصام الرويسي عن دورهما في مسرحيّة »زمان« دڤاش. جائزة الاخراج: منحت هذه الجائزة إلى المخرج »حافظ خليفة« عن مسرحيّة »جوانح المحبّة«. جائزة لجنة التحكيم: منحت هذه الجائزة لمسرحية »جوانح المحبّة« لذكاء وطرافة المقاربة الجماليّة. إنّ حجب جائزة العمل المتكامل والنص المسرحي لهو قرار مسؤول وجريء بشهادة كلّ من استجوبناهم من المواكبين للمهرجان وهو يعبّر عن إشكال ان لم نقل أزمة إبداع حقيقيّة يمرّ بها المسرح التونسي عموما ومسرح الهواية خصوصا ممّا يحتّم توفير المنابر لملاءمة لمناقشة هذه المعضلة والخروج بنتائج من شأنها أن تعالج المرض الكامن في المسرح والدّرء به عن الرّداءة التي تتسّم بها هذه الأيّام.