عين السيد عز الدين باش شاوش على رأس وزارة الثقافة لتصريف أعمالها بعد الثورة وتسهيل سير العلاقة التي تربط هذا الهيكل بالهياكل الراجعة له بالنظر وللحرص على ان لا يخسر الآلاف من المشتغلين في الحقل الثقافي أو في المجالات ذات العلاقة مواطن شغلهم واتقاء لما قد يترتب عن ذلك من مشاكل قد تسد الآفاق وتعيدنا إلى الوراء عقودا. وقد حاول السيد الوزير ان يتجاوز تصريف الأعمال إلى ما يشبه التأسيس وتمنينا له النجاح في مساعيه ولكن ما كل ما يشتهيه المرء يدركه حيث تعثر أداء وزارة الثقافة مثلما تعثر سير العمل في وزارات أخرى وهو ما سبب عددا من الاستقالات سواء مباشرة بعد الثورة او في المدة الأخيرة. وعثرات وزارة الثقافة كانت نوعية ومتعددة ولعلها كانت الأبرز باعتبار العلاقة التي أرادها السيد عز الدين باش شاوش مع الإعلام واختياره لان يتواصل مع الجميع ويعمل في إطار شفافية هي سلاح ذو حدين. من أهم هذه العثرات نجد عمليات تكليف وتعيين غير مقنعة لم تصمد أمام الانتقادات ومن بينها تكليفه للأستاذ محمد محجوب على رأس بيت الحكمة ثم قرار الوزير تولي إدارة المعهد الوطني للتراث بنفسه ثم التراجع في القرار والتعامل ببعض الحذر مع ملفات بعض الهياكل والمؤسسات الثقافية واتخاذ قرارات ارتجالية وكأني ببعضها يدخل في باب ترضية الخواطر أو اتقاء شرما. وإذا كنا مقتنعين بان إرضاء الناس غاية لا تدرك فان اتخاذ إجراءات في حجم افتتاح مهرجان قرطاج ثم التراجع فيها يعني ان اللجان التي استعان بها السيد الوزير لم تأخذ بعين الاعتبار- عندما نصحته بالالتجاء للطفي بوشناق- الفشل الذريع الذي اتسم به الحفلان اللذان أقامهما بعد الثورة وهذا يدخل في باب المتابعة والإنصات إلى الإدارة والى الكواليس في الوزارة أيضا. لقد حظي السيد الوزير بصبر المثقفين وتشجيعهم وبثقتهم في لجان اختارها او صادق عليها وهم اليوم ينتظرون قرارات معقولة وقابلة للتنفيذ بلا ارتجال او تسرع. هذه اللجان التي يستشيرها الوزير عليها ان تختار إما القطع مع الماضي بكل ما يعنيه والانطلاق في عملية تأسيس جديدة او البناء على أسس تعود للنظام السابق -وفيها الجيد كما فيها المتداعي للسقوط وغير القابل للبناء عليه والاستماتة في الدفاع عن الاختيارات وتفسيرها كلما لزم الأمر وفرضها على الجميع ان كانت معقولة طبعا. لقد غطى السيد عز الدين باش شاوش على هذا الأداء الضعيف بالاقتراب من الإعلام وبالزيارات المنظمة مع عدد من الوزراء إلى داخل الجمهورية ليقف على الصعوبات التي تعترض الثقافة بعد الثورة ويبحث عن الطريقة المثلى لتخليصها من ترسبات الماضي وأباطرته. فوقف بنفسه على مدى انشغال المواطن بمشاكله الغذائية والمعيشية في اغلب الولايات عن الغذاء الفكري وعلى ثقته في من تولوا الأمر بعد 14 جانفي لذا كان المفروض ان يؤخذ هذا المعطى بعين الاعتبار على الأقل في هذه المرحلة الانتقالية بالذات وكان المفروض ان يتم التعامل مع ملف المهرجانات بكثير من الحذر حتى لا نتعرض لقرارات أخرى يسهل محوها او التراجع عنها. ان الوضع اليوم في تونس لم يعد يتحمل المزيد من القرارات الارتجالية لأننا وصلنا إلى مرحلة حساسة والمواطن أصبح يطالب بالمحاسبة ولا اقصد محاسبة من اخلوا بالواجب في النظام السابق وإنما أيضا من يخلون به اليوم. لذا لا بد من ان يقتنع الجميع بان الأداء الضعيف في هذه المرحلة الحساسة غير مقبول والارتجال أيضا ومن يجد نفسه اضعف من رموز الردة او غير قادر على التصدي لتيار يقف ضد مصلحة المواطن فلا بد له من أن ينسحب من منطلق حبه لتونس وفسح المجال لمن هو اعتى من كل الأمواج وهذا حق تونس وحق الشهداء وحق المواطن الذي يشتغل ليلا نهارا ولا ينقطع إنتاجه لتعيش المجموعة. علياء بن نحيلة