"من المهم جدا لأي بلد عاش ثورة مشابهة للثورة التونسية طي صفحة الماضي.. لكن لا بدّ قبل ذلك من قراءة هذه الصفحة لمعرفة حقيقة ما وقع، ولمحاسبة الجلادين والقتلة حتى لا يفلت أي منهم من العقاب".. هذا ما خلصت إليه الخبيرة الدولية ترودي هاسكامب بيتيرسون خلال افتتاحها أشغال ورشة عمل حول "بناء الذاكرة ودور الأرشيف في ذلك" انتظمت أمس بالعاصمة ببادرة من المعهد العربي لحقوق الإنسان ومنظمة "فريدم هاوس" ولجنة تقصي الحقائق.. وفي المقابل تحدّث مشاركون في الورشة عن صعوبات النفاذ إلى ذلك الأرشيف خاصة منه وثائق وزارة الداخلية والبوليس السياسي. وتبين من النقاش الذي دار بين ممثلين عن الأرشيف الوطني وعن لجان تقصي الحقائق أن التصرف في الوثائق الأرشيفية ورغم القوانين المنظمة لهذه العملية لم يكن في العهد السابق في المستوى المطلوب.. وأحاطت به العديد من التجاوزات. وفي هذا السياق أوضحت السيدة حسناء التريعي كاهية مدير الإتاحة بالأرشيف الوطني أن ترحيل الوثائق عملية منظمة بالقانون.. ويمكن للأرشيف أن يعرف مقدار الوثائق التي تنتجها أي وزارة وأي إدارة بما في ذلك وزارة الداخلية.. وذلك من خلال الجداول التي يمسك بها ومن خلال نوعية الملفات وطبيعة الوثائق المكونة لتلك الملفات ومن خلال تحديد آجالها وتاريخ إتلافها بالطرق القانونية.. ولاحظت التريعي أن المسألة على المستوى النظري تتم بهذه الطريقة لكن عند التطبيق تبرز العديد من الاخلالات.. وهي ترى أن ترحيل الوثائق من المكاتب المنشئة لها إلى أرشيف المؤسسات وبعدها إلى الأرشيف الوطني يحتاج إلى آليات تتوخى أكثر صرامة لتأمين الحفظ اللازم لتلك الوثائق. وعن سؤال يتعلق بالوثائق التي تعرضت للإتلاف بطرق منافية للقوانين المنظمة للأرشيف أجابت أن المرحلة التي يمكن أن تتعرض فيها الوثائق الإدارية للإتلاف أو الإخفاء هي المرحلة الأولى من عمرها أي حينما تكون تحت تصرف منشئها.. وفي نفس السياق أكدت الخبيرة ترودي هاسكامب أن المرحلة الانتقالية في تونس تقتضي المحافظة على الأرشيفات وحمايتها من الطمس حتى لا يفلت أي مذنب من العقاب والتتبع والمحاسبة. وأوصت بضرورة أن ينص القانون على عقوبات زجرية لكل من يعمل على إتلاف الأرشيف.. أما الحكومة فيجب أن تكون على استعداد وجاهزية ولديها ما يكفي من الإرادة لمعاقبة متلفي الأرشيف وتتبعهم ومقاضاتهم.. كما يتطلب الأمر التنسيق المحكم بين العاملين في الأرشيف لكي يكونوا على بينة بما يحصل في مختلف الإدارات.. ولاحظ الأستاذ الصادق بن مهني عضو الشبكة الوطنية لمقاومة الرشوة والفساد أن المؤسسات في تونس لا تحترم القانون المنظم للتصرف في وثائق الأرشيف ولا متطلبات إرسال الوثائق إلى الأرشيف الوطني.. وقال إن هناك مراسيم وأوامر صدرت في عهد المخلوع لكنها لم تنشر في الرائد الرسمي لذلك يجد الباحث عنها صعوبة كبيرة في الوصول إليها.. ومن بينها أمر يبيح تعدد الزوجات في بعض الحالات أي الترخيص بالزواج بثانية في بعض الحالات. وتعقيبا على هذا القول أبدى أحد رجال القانون استغرابه من المسألة مبينا أن الإقرار بالزواج من ثانية لا يمكن أن يتم على المستوى القانوني بأمر.