بطولة برلين المفتوحة (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور ربع النهائي    قبلي: مجهودات مشتركة للتوقي من افة "عنكبوت الغبار" بمختلف مناطق انتاج التمور    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المكتبة الخضراء تفتح أبوابها من جديد يوم الأحد 22 جوان بحديقة البلفدير    الجزائر تؤكد دعمها لإيران وتدين "العدوان الإسرائيلي"    ملتقى تونس الدولي للبارا ألعاب القوى: العناصر التونسية تحرز 9 ميداليات من بينها 5 ذهبيات    الكاف: تطوير القطاع الصحي بتدعيم طب الاختصاص وتوفير تجهيزات متطورة (المدير الجهوي للصحة)    تونس ترشّح صبري باش طبجي لقيادة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية    عاجل/ الصين تدعو مواطنيها إلى مغادرة إيران في أسرع وقت..    عاجل/ بعد انذار بوجود قنبلة..طائرة تابعة لهذه الخطوط تغير مسارها..    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    عاجل : ''طيران الإمارات'' تمدد تعليق رحلاتها إلى 4 دول    بعد التهام 120 هكتارًا من الحبوب: السيطرة على حرائق باجة وتحذيرات للفلاحين    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    منوبة: الانطلاق في تزويد المناطق السقوية العمومية بمياه الري بعد تخصيص حصّة للموسم الصيفي ب7,3 مليون متر مكعب    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    افتتاح مركز موسمي للحماية المدنية بفرنانة تزامنا مع انطلاق موسم الحصاد    عبدالله العبيدي: إسرائيل تواجه خطر الانهيار وترامب يسارع لإنقاذها وسط تصاعد الصراع مع إيران    قائد عسكري إيراني: شرعنا باستخدام أسلحة جديدة ومتطورة    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود لفك الحصار على غزة..    عاجل/ رئيس الدولة يفجرها: "لا أحد فوق المساءلة والقانون..ولا مجال للتردّد في إبعاد هؤلاء.."    هيونداي 9 STARIA مقاعد .. تجربة فريدة من نوعها    بعد السقوط أمام فلامنجو... الترجي في مواجهة هذا الفريق بهذا الموعد    كأس العالم للأندية : برنامج مباريات اليوم الثلاثاء    لاتسيو الإيطالي يجدد عقد مهاجمه الإسباني بيدرو رودريغيز حتى 2026    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    الطقس اليوم: حرارة مرتفعة..وأمطار مرتقبة بهذه الجهات..    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    6 سنوات سجنا لنائب سابق من أجل الإثراء غير المشروع    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    الحماية المدنية : إطفاء 192 حريقا خلال ال 24 ساعة الماضية    سر جديد في القهوة والأرز... مادة قد تحميك أكثر من الأدوية!    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    ‌الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب الجديد في إيران علي شادماني    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي ينهزم أمام نادي فلامينغو البرازيلي    عاجل: أمر مفاجئ من ترامب: على الجميع إخلاء طهران فورا    كأس العالم للأندية: تعادل مثير بين البوكا وبنفيكا    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    في اصدار جديد للكاتب والصحفي محمود حرشاني .. مجموعة من القصص الجديدة الموجهة للاطفال واليافعين    تونس تحتضن من 16 الى 18 جوان المنتدى الإقليمي لتنظيم الشراء في المجال الصحي بمشاركة خبراء وشركاء من شمال إفريقيا والمنطقة العربية    تجديد انتخاب ممثل تونس بالمجلس الاستشاري لاتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه لليونسكو    تونس تدعو إلى شراكة صحّية إفريقية قائمة على التمويل الذاتي والتصنيع المحلي    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنصف الفخفاخ ل «الشروق»(2): عثرت على نصّ المعاهدة الأصلية للاستقلال الداخلي وكانت معدّة للإتلاف!
نشر في الشروق يوم 22 - 03 - 2011

في الجزء الأول من حديثه ل«الشروق» تحدث السيد المنصف الفخفاخ الذي شغل خطة مدير عام للأرشيف حتى سنة 2006 طيلة عشرين سنة.
وبعد تشخيص مشاكل الأرشيف وعلاقته بكل حاكم (بورقيبة وبن علي) يتحدث في هذا الجزء الثاني والأخير عن الاهمال الذي عاناه قطاع الأرشيف.
٭ إنّ الحديث عن الإدارة الالكترونيّة، ونتيجة لغياب المفاهيم لدى كبار مسؤولي الدولة حول المعنى الجوهري للأرشيف أدّى إلى تهميش التصرف في الأرشيف وتم اقتصار مفهومه على أساس التصرف في الأرشيف الورقي وهو ما أدّى إلى ظهور وحدة الإدارة الالكترونيّة لدى الوزارة الأولى والحديث عن استراتيجيّة الإدارة الالكترونية دون الأخذ بعين الاعتبار لمنجزات البرنامج الوطني. ألا يحتاج ذلك إلى مراجعة جذريّة؟
كان للأرشيف الوطني دور «ريادي» في هذا المجال حيث تم تشكيل لجنة وطنية للوثائق الإلكترونية سنة 2004 برئاسة المدير العام للأرشيف الوطني عهد إليها إعداد خطة إستراتيجية لتطوير مجال الوثائق الإلكترونية. قامت اللجنة بمسح لواقع الوثائق الإلكترونية في القطاع العام وعقدت مؤتمرا دوليا دعت إليه شخصيات عالمية من ثلاث قارات انبثقت عنه عدة توصيات وتوجهات عمل. وطرحت عدة تصورات منها إعداد منظومة معلوماتية للتصرف في الوثائق الإلكترونية تطور على نفقة الدولة وتوزع على الجهات الحكومية في إطار شبكة عمومية.
وبادر الأرشيف الوطني بتطوير منظومة معلوماتية خاصة بالتصرف في الوثائق الجارية والوسيطة تكون ملكا للدولة وتوزع على سائر الجهات العامة. تم إنجاز هذا العمل من قبل شركة تونسية وسلمت المنظومة للأرشيف الوطني منذ سنة تقريبا، إلا أن هذه المؤسسة أصبحت غير قادرة على التصرف فيها وعلى توزيعها على الجهات الحكومية لأن المختصين غادروا المؤسسة أمام التسيير والتصرف غير المهني، فاضطرت الوزارة الأولى إلى تكليف المركز الوطني للإعلامية بهذه المهمة.
ومن ناحية أخرى، نشأت تجارب غير مجدية في التخزين الإلكتروني للوثائق الورقية لدى بعض الجهات العامة بحجة التخلص من الورق وظهور الإدارة في مظهر عصري. وقد عدت لذلك عدة أوساط منها الشركات التجارية النفعية وبعض المسؤولين الذين لم يتمكنوا من إدراك حقيقة الأمر فتم تخزين أرصدة من الوثائق وأتلفت في أغلب الأحيان أصولها وذلك دون وضع نظام تصنيف حيث أصبح من الصعب الرجوع إليها في الشكل الذي نشأت عليه أي ضمن ملفات تخص قضايا محددة. وسارعت عدة جهات حكومية إلى اقتناء أنظمة للتصرف الإلكتروني في الوثائق أو أنظمة للأرشفة الإلكترونية أو أنظمة مزدوجة دون الإعداد مسبقا لنظام وثائقها وفقا لمقتضيات التشريع التونسي والمواصفات العالمية. وفي أغلب الحالات حل أخصائيو المعلوماتية محل أخصائي الأرشيف ووضعت أنظمة غير متلائمة أحيانا مع متطلبات المواصفات العالمية للأرشيف ركزت أساسا على رقمنة الوثائق وتخزينها الإلكتروني. وفي غياب نظام لتحديد مدد استبقاء الوثائق، يفقد التخزين مبرراته في الحالة التي تكون فيها الوثائق المعنية عديمة القيمة البحثية والمرجعية ومن المفروض أن تعد للإتلاف وربما كان قد حان الأجل لذلك عند رقمنتها.
من المفروض أن تأخذ الدولة على عاتقها سن سياسة مناسبة في هذا الغرض تتجه نحو تحقيق المجتمع الرقمي والحكومة الإلكترونية وما يترتب عن ذلك من احتياجات ومستلزمات مع توفير أفضل الظروف لإنجاح هذه السياسة وتنفيذ برامج العمل المتعلقة بها.
أما الإدارة الإلكترونية بالوزارة الأولى فلم تتقدم كثيرا في تنفيذ الخطط الإستراتيجية المتعددة والتي تم إعدادها من قبل خبراء تونسيين وأجانب، وبالعكس سجلت تونس حاليا تأخرا عما يحصل في الكثير من دول العالم علما وأنها تزخر بالطاقات والكفاءات. فلا تزال التطبيقات الخدمية للمواطنين محدودة ولم يتم الربط الإلكتروني كما ينبغي في شبكة حكومية بين الوزارات والمؤسسات العمومية والتراسل الإلكتروني بينها وخاصة في مجال إدارة الموارد البشرية والمالية التي تأخذ حيزا كبيرا في العمل الإداري وتؤدي إلى إنشاء نسبة ضخمة من الوثائق العامة.
من الضروري أن تراجع الدولة هذا البرنامج لتطوير مجال إنشاء الوثائق في البيئة الإلكترونية وتعجّل بتفعيل الشبكة الحكومية وأرشفة الوثائق الإلكترونية العامة وفقا للمواصفات العالمية.
٭ رغم أنّ العون العمومي هو أرشيفي بالضرورة خصوصا في مرحلة إنشاء الوثيقة وخلال المرحلة الجارية إلا أنّ الوعي بذلك ظلّ مفقودا ما هي الآليات لتطوير الثقافة الأرشيفية لدى المواطن التونسي الجديد؟
لا ننسى أن العناية بالوثائق العامة وحفظها انطلق منذ بضع سنوات فقط وقد مارس النظام القديم منذ الاستقلال سياسة التهميش من منطلق عدة اعتبارات أخطرها هو عدم المبالاة بالوثائق بعد انتهاء الحاجة إليها في الجهة المنشئة لها وعدم الاعتبار بالماضي لأنه بالنسبة إلى كل رئيس يبدأ التاريخ مع حكمه وينتهي معه. وشملت هذه اللامبالاة الوثائق دون أي تمييز بينها من ذلك أني عثرت على المعاهدة الأصلية للاستقلال الداخلي لتونس سنة 1955 ملقاة على الأرض في كدس من الوثائق بأروقة الوزارة الأولى كان معدا للإتلاف !!! كما اكتشفت في بداية سنة 1987 أن عدة وثائق أصلية منها وثيقة عهد الأمان الصادرة عن الباي سنة 1857 (مقدمة للدستور التونسي الذي صدر سنة 1861) والدستور التونسي لسنة 1959 وعدة قوانين أخرى منقحة له كلها خرجت من أرشيف الدولة بالوزارة الأولى وسلمت لمجلس النواب بغرض إعداد معرض وثائقي بمناسبة الذكرى العشرون للدستور التونسي لسنة 1959 ولم يتم استرجاعها بعد. وبعد بحث طويل عثر عليها في أحد رفوف مكتبة مجلس النواب وتمكنت من إرجاعها إلى موضعها.
بقيت الوثائق العامة بدون أي تنظيم من سنة 1956 إلى 1988 فتكدست في الوزارات والمؤسسات العمومية في وضع يرثى له. وعلقت في ذهنية المجتمع التونسي تصورات دونية للأرشيف والعاملين به حيث أصبحت مصالح الأرشيف سجونا يعاقب فيها الموظفون غير المرغوب فيهم أو الفاشلين في حياتهم المهنية.
في الأصل تبدأ الثقافة الوثائقية وخاصة في البيئة الإلكترونية منذ بداية الدراسة، فمن المفروض أن يلم التلميذ ثم الطالب بأساسيات التصرف في الوثائق والمعلومات بوصفها أداة عمل يحتاج إليها في التعلم والدراسة ثم في مجال عمله وفي حياته الخاصة. وبخصوص الإدارة العمومية، يتعين تدريس هذه المادة في المعاهد والمدارس التي تكوّن للإدارة حتى يلم الموظف والعون العمومي عامة بمبادئ التصرف في الوثائق. وإذا اعتمدت الحكومة المقترحات المذكورة أعلاه بشأن إحكام التصرف في الوثائق جارية الاستعمال من المتأكد أن يرتفع الوعي الوثائقي لدى الموظفين.
٭ هل يمكن الوصول إلى إدارة حديثة بصفر من الورق. وهل يمكن للأوعية الالكترونيّة أن تمثل قيمة شاهدية وتاريخية؟
راجت فكرة إمكانية الوصول بسرعة إلى مكاتب بصفر من الورق أي أن كل الوثائق تصبح إلكترونية ولا يستعمل الورق لإنشاء الوثائق. وقد أوضح الواقع أن زمن المكاتب بصفر من الوثائق الورقية لم يحلّ بعد وسوف لن نصل إلى هذه المرحلة الراقية من إدارة الوثائق بطريقة ثورية أو سحرية تمسح القديم وتنطلق من صفر وذلك لعدة أسباب. وتتعلق هذه الأسباب أساسا بخاصيات الوثائق الإلكترونية من عدم ضمان حفظها حاليا للمدى الطويل وهشاشة أوعيتها وصعوبة ضمان قيمتها القانونية إلى جانب المسائل التقنية التي تثيرها إمكانية قراءتها بعد مرور الزمن. فيبقى مصير الوثائق التقليدية وبقاؤها في طور الاستخدام مرتبطا بمدى حل هذه الإشكاليات. لذلك، يجب أن نسلم بضرورة تواجد المحيطين معا الورقي والإلكتروني لفترة تاريخية يصعب حاليا ضبطها.
إن الوثائق الإلكترونية على مختلف أشكالها ليست صالحة للحفظ لمدة طويلة. تُقدّر مدة الحفظ في المعدل بخمس عشرة سنة. وإذا أستوجب الأمر مواصلة حفظ البيانات والمعلومات يتعين تفريغ الوسائط في أوعية جديدة لتعيش فترة أخرى مماثلة، ويجب عندئذ التأكد من إمكانية مواصلة قراءة الوثائق عن طريق أي نوع من الحواسيب والبرمجيات. كما يجب أن تنشأ المعلومات في محيط مفتوح يسمح بالوصول إليها بقطع النظر عن البرمجية المستعملة ونظام التشغيل. وقد ركّزت شركات صنع المعدات الإلكترونية على معدل سنوات الحفظ التي توجبها أغلب أنواع الاستعمالات من قبل المستفيدين (أجهزة حكومية وخاصة) باعتبار أن أغلب فترات التقادم بالنسبة إلى الوثائق في قوانين البلدان المصنعة تتراوح فعلا بين عشر وخمس عشرة سنة. لذلك لا ترى هذه الشركات فائدة في استثمار يؤدّي إلى تطويل عمر الوسائط الإلكترونية ما دامت حاجة السوق إليها ليست بحجم كبير. كما إن منشئ الوثائق والمعلومات لا يهتم كثيرا بالمصير الذي تؤول إليه هذه الوثائق والمعلومات بعدما تنتفي حاجته إليها وفق المدد التقادم في الأحكام القانونية.
إن قِصَر عمر الوثائق الإلكترونية قد لا يحدث أي حرج لمنشئيها، إنما القانون ثم المجتمع يوجب حفظ بعض الوثائق لمدة طويلة مثل وثائق الملكية العقارية والأحوال المدنية ومستحقات الضمان الاجتماعي للموظفين والعملة وكذلك بعض التجهيزات ذات الطابع الاستراتيجي وغيرها من المسائل التي تستوجب الحفظ الأمد الطويل. وفعلا تتطلب الوثائق من هذا النوع إبقاء المستندات الورقية رغم تخزينها إلكترونيا وإدارتها عن طريق قواعد بيانات لأن ليس هناك حاليا أي ضمان لبقائها سليمة على الوسائط الإلكترونية مدة طويلة من الزمن. لذا، بدأت تظهر الحاجة في بعض قطاعات العمل إلى توفير حلول مناسبة لحفظ الوسائط الإلكترونية للأمد الطويل وهو ما يحدد الوازع الكفيل بتقدم البحوث في هذا المجال.
في العديد من الدول المصنعة وفي تونس أيضا صدرت تشريعات تمنح الوثائق الإلكترونية حجية قانونية بحيث تقبل لدى المحاكم لكن وفق شروط فنية محددة تضمن أصليتها وخلوها من كل تحريف وتزييف ولذلك يجب أن تخضع إلى تصديق إلكتروني من قبل جهة رسمية(الوكالة التونسية للتصديق الإلكتروني) تضمن هذه الاشتراطات. إلا أن هذا التصديق يبقى صالحا سنة واحدة ويجب تحديثه كل سنة إذا ما أردنا الحفاظ على حجية الوثيقة الإلكترونية لمدة طويلة من الزمن. علاوة عن الكلفة المالية لهذه العملية مع طول مدة الحفظ، تجابه هذه العملية مسألة تقنية وهي أنه عندما تتغير أنظمة تشغيل الحواسيب يجب تهجير الوثائق الإلكترونية القديمة من المحيط الإلكتروني الذي نشأت فيه إلى المحيط الجديد الذي تم اعتماده ولا تخلو هذه العملية من إمكانية لحدوث بعض التغييرات على الصبغة الأصلية للوثيقة.
٭ هل يمكن أن يكون للأرشيف دور في إرساء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وقيم الحداثة؟
يجب أن نميز من ناحية بين الأرشيف الجاري والوسيط أي الفترة التي تكون فيها الوثائق تحت تصرف منشئيها وبين الأرشيف النهائي الذي يحفظ لدى الأرشيف الوطني. بالنسبة إلى الأرشيف الجاري والوسيط فأن تنظيمه والحفاظ عليه لا يخدم تيسير العمل الإداري فحسب بل يمثل مصدرا لحقوق الأفراد والمجموعات بحيث يتمكن كل مواطن من الحصول على الوثائق التي تخصه أو تثبت حقوقه الشخصية وكذلك حقه في التعبير عن رأيه فيما يخص الشأن العام كما يسهل على مكونات المجتمع المدني خدمة قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة. إنما القوانين الحالية في تونس لا تسمح باطلاع المواطنين إلا على عدد زهيد من الوثائق العامة مثل سجل محاضر جلسات المجلس البلدي شريطة أن ينتمي المواطن إلى البلدية المعنية ويكون قد سدد الضرائب البلدية كاملة.
لذا، يستوجب الأمر سن قوانين جديدة تمكن المواطنين من الوصول إلى عدد أكبر من الوثائق التي تخص الشأن العام والكف عن اعتبار أن الشأن العام مجال محبس على المسؤولين.إن موظفي الدولة مكلفون من المجتمع عن طريق الانتخابات بإدارة المسائل التي تخص المجموعة الوطنية ولا يحق لهم حجب المعلومات عن المواطنين ما عدى الأشياء التي توجبها ضرورة العمل وذلك لمدة محددة من الزمن. فيجب على الإدارة أن تغير نظرتها إلى سرية الوثائق العامة وتعطيها القدر اللازم فقط من السرية وتضمن الحق للمواطنين في متابعة العمل الحكومي ومباشرة المسائل ذات الطابع العام وإبداء آرائهم والكف عن اعتبارهم قصرا. وعلى الإعلام الرسمي أن يكف عن بث كلاما فارغا وله أن يعلم المواطنين بحقيقة مجريات أمور الشأن العام وملابساته والخيارات المطروحة لتشريك المواطن في أخذ القرار عبر القنوات الدستورية من برلمان وممثلين محليين وبلديات منتخبة ووسائل الإعلام الحر والنزيه.
وبخصوص الأرشيف التاريخي، يكمن دوره في إرساء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وقيم الحداثة في الإسراع بفتح جزء كبير من الوثائق العامة بعد مدة لا تفوت 25 سنة لتمكين الباحثين والمواطنين عموما من الاطلاع عليها والاستفادة منها في شتى المجالات وتقييم العمل الحكومي والإنمائي والتخطيط لمستقبل أفضل. لا يجب أن تطول فترة حجب الوثائق لأن الدول الأخرى تكشف عن الوثائق التي تخص الشأن التونسي في وثائقها الدبلوماسية بعد 25 سنة، ثم إن تسريبات الوثائق الجارية أو المعلومات التي تتضمنها تحصل من حين إلى آخر عبر الشبكات العالمية مثل ما حصل مؤخرا في موقع «ويكيلكس» وتكشف عن أشياء لا فائدة من حجبها سنوات طوال في الأرشيف الوطني.
٭ في ظل الظروف الراهنة نلاحظ غيابا تاما لصوت الأرشيف بالرغم من أنّنا تعلّمنا عبر التاريخ أنّه لا وجود لدولة أو ثورة دون أرشيف. كيف يمكن للصوت الأرشيفي أن يتحمّل أعباء هذه المرحلة وعبر أي آليات؟
تعتبر مهنة الأرشيف جديدة جدا في المجتمع التونسي ولا يفوتنا ما علق بها من تصورات دونية. في سنة 1992 كانت أجهزة الدولة تعد 24 أرشيفيا وأرشيفيا مساعدا فقط منهم 13 بوزارة الشؤون الخارجية، وبفضل خطط التوظيف التي اعتمدتها مؤسسة الأرشيف الوطني تجاوز الآن عدد المهنيين الألف. وحتى تتبوأ هذه المهنة المقام الذي يليق بها يجب أن يفرض أعضاؤها وجودهم في الساحة المهنية ويتنظموا لهذا الغرض. وفعلا تأسست الجمعية التونسية للمتصرفين في الأرشيف سنة 2005 وبدأت تنشط إلا أنها تجابه بعض التحديات الداخلية والخارجية.على الصعيد الداخلي تشكو الجمعية من ضعف الوعي المهني نظرا لقلة التراكمات التاريخية في مجموعة مهنية حديثة العهد، فيجب على الجمعية أن تكثف من أعمال التدريب والبحوث في المسائل المهنية والتنسيق بين أعضائها في هذا الصدد مما يعود بالفائدة على منظوريها. ومن ناحية مفهوم العمل الجمعياتي يجب الفصل بين العمل المهني في منظمة مهنية والعمل النقابي تحت لواء منظمة نقابية وطنية ذلك أن حدود كل من هذه الممارسات يبقى غير واضح لدى جمهور الأرشيفيين.
وعلى المستوى الخارجي لم تتوصل بعد الجمعية الفتية للمتصرفين في الأرشيف من الإشعاع الضروري في المجتمع فرغم ما أصدرته من تصريحات وبيانات مشرفة في شأن الأرشيف في الظرف الراهن لم يتم تشريكها مثلا في لجنتي تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وحول التعذيب والتجاوزات. ولا زال المجتمع غير واع بما فيه الكفاية بأهمية الأرشيف خاصة في ظروف الثورة التونسية. كما لم تنخرط هذه الجمعية بعد في المجلس الدولي للأرشيف نظرا لضعف إمكانياتها المالية. فهي تحتاج إلى دعم من الأرشيف الوطني وسائر الوزارات والمؤسسات العمومية.
في ظلّ الانتفاضات والثورات الشعبيّة في العديد من البلدان العربيّة ماهو دور الهياكل الإقليمية والدوليّة المعنيّة بالأرشيف.
في مجال الأرشيف توجد منظمة عالمية تسمى المجلس الدولي للأرشيف مقرها في باريس وهي تضم قرابة 190 دولة ومقاطعة وتنشط عبر عدة تنظيمات لديها ومنها الفروع الإقليمية التي تغطي كل المناطق الجغرافية والحضارية للعالم. كان لتونس دور فعال في هذه المنظمة حيث شغلت شخصيا منصب رئيس الفرع الإقليمي العربي مدة 10 سنوات ومنصب نائب رئيس المجلس مدة 8 سنوات.
والآن من المؤسف أن نعلم أن عضوية تونس في هذا المجلس أصبحت معلقة لعدم سداد معلوم الانخراط ويرجع ذلك إلى قصر نظر المسيرين لمؤسسة الأرشيف الوطني وانشغالهم بأعمال الدعاية للرئيس المخلوع وللحزب الحاكم سابقا، فكانت النتيجة أن فقدت تونس كل إشعاعها العالمي ولا يمكن لها الآن استغلال هذا المنبر العالمي للتعريف بالثورة التونسية وتجربتها في التصرف في الأرشيف زمن الاضطرابات والانتفاضات حتى تستفيد الدول الأخرى من هذه التجربة ولا يمكن لها أيضا التعرف على تجارب دول أخرى مرت بظروف مماثلة لثورتنا وهذه الحالات عديدة حصلت في دول أوربية وآسيوية وإفريقية.
وللمنظمات المهنية العالمية والإقليمية أيضا دور آخر مهم جدا يتمثل في تبادل التجارب والخبرات بين البلدان نظرا لما يطرأ على مجال الأرشيف من تغيرات وتطورات سريعة بموجب انتشار تقنيات المعلومات والاتصال ونظرا لحداثة التجربة التونسية التي تحتاج إلى اختزال التجارب العالمية الناجحة والرائدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.