القاهرة من مبعوثنا الخاص كمال بن يونس لو تغفل عن كون المتحدث إليك يستعمل اللهجة المصرية عوض اللهجة التونسية تشعر أن الأفكار والمشاكل التي تناقش في مصر هي نفسها التي تسمعها في تونس: خلافات حول البدء بالانتخابات البرلمانية أو بالرئاسيات أو بتعديل الدستور.. قطع للطرقات والسكك الحديدية..تجمعات عمالية واعتصامات.. إضرابات ومحاكمات.. دعوات لإصدار أحكام قاسية على رموز النظام السابق مقابل نداءات لتشكيل هيئات وطنية للإنصاف والمصالحة تعطي أولوية لمستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي على حساب الماضي.. لكن مصر بدأت رغم كل الخلافات التي تشق مثقفيها وساستها تستعد لتنظيم الانتخابات البرلمانية المقررة إلى موفى سبتمبر القادم والرئاسية التي من المتوقع تنظيمها بعد ذلك بشهرين..رغم الدعوات الصادرة من بعض الأطراف لتأجيلها لمدة شهرين على الأقل..أي الفترة الذي يسمح بها الاستفتاء العام حول تعديلات الدستور.. وسواء تأجلت الانتخابات أم لا فان الساسة المصريين بدأوا يقطعون الخطوات الأولى للإجابة عن سؤال كبير: من سيحكم مصر في المرحلة القادمة؟ ومن سيستلم السلطة الشرعية من المجلس العسكري الانتقالي؟
دولة مدنية.. وطنية وديمقراطية
لمحاولة دفع الأمور في هذا الاتجاه يبدو ان ابرز ساسة مصر ورموزها يدفعون البلد نحو مخرج للازمات الموروثة عن مرحلة ما قبل الثورة وعن الفترة التي أعقبتها.. التحرك يسير في خطين متوازيين لكنهما متكاملان : + الأول الإعلان عن وثيقة سياسية تشبه مشروع « الميثاق الوطني» عن الدولة المدنية من بين رموزها رئاسة «الأزهر» وقيادات مسيحية ويسارية وإسلامية وقومية مختلفة.. ++ الثاني هو الإعلان عن سلسلة من مشاريع التحالفات الانتخابية من أبرزها تحالف متوقع بين حزبي الوفد و«الحرية والعدالة» (التابع للإخوان المسلمين)، وتحالف مناهض له يضم فصائل ناصرية وعروبية ويسارية ، وتحالف ثالث يضم قوى ليبيرالية متحالف بدوره مع فصائل إسلامية غير اخوانية (أي تختلف مع تنظيم الإخوان المسلمين ) من بينها «حزب الوسط» بزعامة ابو علاء ماضي وأحزاب أخرى يقودها مصريون مسيحيون وإسلاميون أكدوا على «الصبغة المدنية» للدولة.. وانه لا مجال للتسامح مع قيام «دولة دينية» في مصر ما بعد الثورة.. بين هؤلاء واولائك تحاول أن تبرز على السطح أقطاب سياسية جديدة تنتسب إلى حركة «ميدان التحرير» مثل «التيار الرئيسي» الذي ينسب نفسه الى المقاومة الشعبية لنظام مبارك في الاسابيع التي سبقت سقوطه..
«الفايس بوك» لاختيار مرشح الجيش للرئاسة ؟
ولعل من اطرف ما في الحياة السياسية المصرية الان تسخير المواقع الاجتماعية وعلى راسها فايس بوك لتنظيم استفتاء شعبي حول اسم رئيس الجمهورية القادم.. ولعل من أطرف ما في الآمر ان المؤسسة العسكرية (المجلس الأعلى للقوات الملسحة) هي التي عرضت للتصويت في موقعها الرسمي في الفايس بوك وشمل 18 شخصية رسمية من بينها الشخصية الدولية محمد البرادعي والامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وسليم العوا ونائب رئيس الوزراء يحيى الجمل وامين عام اتحاد الاطباء العرب عبد المنعم ابو الفتوح ( المنشق عن قيادة الاخوان المسلمين منذ 3 اعوام والذي رفت منها مؤخرا في عملية وصفها البعض بالتكتيكية) والقاضي والمستشار الذي ناضل ضد مبارك هشام البسطويسي ورئيس الوزراء الاسبق كمال الجنزوري ومؤسس حزب الكرامة البرلماني الناصري السابق حمدين صباحي وايمن نور زعيم حركة كفاية السابق وشخصيات ثقافية وسياسية وطنية مثل بثنية كامل وعبد الله الاشعل.. وحسب هذه الاستطلاعات الاولية عبر فايس بوك فان البرادعي وعمر موسى وأبو الفتوح وسليم العوا في صدارة الاستطلاعات..
اجتماعات في مصر وفي اوروبا
والطريف أيضا أن بعض المرشحين «الافتراضيين « مثل عمرو موسى ومحمد البرادعي وعبد المنعم ابو الفتوح وسليم العوا ويحيي الجمل بدؤوا ينظمون اجتماعات سياسية اعلامية في مصر وفي اوروبا بما في ذلك في مقر البرلمان الاوروبي مثلما فعل موسى لعرض برامجهم وافكارهم حول مستقبل مصر بعد الانتخابات التي من المتوقع ان يستلم المدنيون فيها السلطة لاول مرة منذ ثورة 23 يويليو 1952 التي أطاحت بالملك فاروق..
من عبد الناصر الى ميدان التحرير
في الاثناء تتواصل التحركات في كواليس السياسيين والنشطاء ومراكز الدراسات وفي اروقة الفنادق ومقرات الجمعيات الحقوقية والثقافية استعدادا للانتخابات البرلمانية والرئاسية ولمرحلة مابعد محاكمة مبارك ومستشاريه التي تبدا الاحد القادم بمحاكمة تشمل ايضا وزير داخليته الحبيب العادلي حول قتل مئات الشهداء واصابة الالاف اثناء الثورة.. لكن الاهم من كل هذا في نظر كثيرين هو الوثيقة التاريخية عن الصبغة المدنية والوفاقية للدولة القادمة وعن تناقض مشروع الدولية الدينية مع تعاليم الاسلام ومقاصده من جهة ومع القيم المسيحية من جهة ثانية.. هذه الوثيقة قدمت قبل ايام في مؤتمر صحفي كبير بمقر الازهر..ومن اهم ما جاء في تلك الوثيقة التي ساهم في صياغتها علماء مسيحيون ومسلمون وعلمانيون ويساريون وقوميون 11 بندا اكدت على الصبغة المدنية والدستورية والوطنية الديمقراطية للدولة وعلى الالتزام بمنظومة الحريات الاساسية في الفكر والراي واعتماد النظام الديمقراطي القائم على الانتخاب المباشر وحقوق الانسان وتجنب التخوين والتكفير واستغلال الدين للتانابذ وبث الفرقة بين المواطنين.. وقد حاول صانعو هذه الوثيقة التي دعمتها جل القوى السياسية تاصيل تحركهم بالاشارة الى ان مرجعيتهم رموز التجديد والاصلاح في عصر النهضة في القرن ال19 مثل حسن العطار وتلميذه رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وتلامذتهم مثل مصطفى علي عبد الرازق ومحمود شلتوت وغيرهم.. فهل ستحمي هذه الوثيقة مصر نهائيا من مخاطر تفجير النزاعات الطائفية التي تبين تورط رموز من المخابرات الرسمية فيها قبل الثورة لا سيما خلال احتفال راس السنة بالاسكندرية؟