أثث لطفي العبدلي مساء الجمعة 8 جويلية سهرة من سهرات مهرجان قرطاج الدولي وقدّم مسرحية "مايد اين تونيزيا" بالمسرح البلدي بالعاصمة أمام جمهور بقي في أغلب سكاتشات العرض مذهولا من جسارة وقدرة لطفي على مواجهة جمهور من النساء والرجال والعائلات التي اصطحبت معها الأطفال بذاك الكم الهائل من بذيء الكلام والتجريح وقلة الذوق وتجاوز للخطوط الحمراء. لقد حاول لطفي تطوير "مايد اين تونيزيا" وأدخل بعض التغييرات على جزئها الأول الذي كتبه بنفسه وأخرجه له الشاذلي العرفاوي وعرضه سنة 2009. هذه التغييرات تناولت تعامل التونسي مع الثورة وما أتت به من حرية تعبير وديمقراطية تحوّلت إلى فوضى عارمة طالت كل مظاهر الحياة في تونس ولكنها رفعت من شأن التونسي في البلدان الغربية وجعلته ضيفا مرغوبا فيه بعد ان كان ثقيل الظل ويقبل على مضض وقد بدا ذلك من خلال حوار دار بينه وبين ديواني فرنسي دخل وإياه في مقارنة بين الشعبين التونسي والفرنسي بعد الثورة بنصّ لم يخل من شعارات وكليشيات بسيطة وإن أضحك بعضها عددا من الحضور. أية جرأة في ولوج المراحيض؟ صحيح أن لطفي تمكن من اغتصاب الضحكة واقتلاع البسمة حتى من المتزمتين والذين جاؤوا كما قال هو لكتابة تقارير وقد حيّاه الجمهورعلى تلك النكت وأوفاه حقه سواء بالقهقهة عاليا أو بالتصفيق. وتلك القهقهة وذاك التصفيق الحار الناتج في أغلبه عن تجاوز لطفي لحدود المعقول واقتحامه لفضاءات خصوصية جدّا تتعلق بإنسانية الإنسان وبما يميزه عن الحيوان (المراحيض مثلا) -رغم أن ما تعرّض له من ملاحظات صحيح مائة بالمائة- يطرح سؤال هل تصلح تلك الحقائق والملاحظات والأعمال الفظيعة التي يأتيها البعض رغم صحتها للعرض على خشبة المسرح؟ وما المقصود بها بالضبط هل هو النقد والإصلاح أم التشهير والانتقاد الذي لا طائل من ورائهما سوى إضحاك البعض على البعض الآخر؟ سؤال آخرلا بدّ من طرحه وهو هل تصلح نكت السكارى والجلسات الخاصة جدّا لأولاد "الربط" للنشر والإذاعة على الملإ وفي المسرح وأمام العموم خاصة إذا لم تعالج فنيا؟ وهل يعتقد لطفي أنه أوّل من اكتشف هذه الفضاءات الخصوصية جدّا في حياة الإنسان ليكون أول من يستغلها في اسكاتش ليضحك به جمهوره؟ لا أعتقد أن لطفي نابغة وأنه اكتشف منطقة نقد جديدة لم يلجها أحد قبله لأنها كانت من التابوهات أو المسكوت عنها بقدر ما اعتقد أنه "قادر" وأن له من الجسارة ما مكنه من التطاول على الجمهور وتجريحه بفضح طباعه ومواقفه وازدواج شخصيته وفساد زوجته وابنته وتسلط والدته وجدّته. وهذا فوق ما تتحمله شخصية التونسي الطيب المسالم والمتسامح الذي نشد حرية التعبير وفدى لطفي وأمثاله بدمائه. تعميم يسيء إلى المرأة التونسية إن موقف لطفي من المرأة التونسية وتعميمه لبعض الحوادث التي أثارت انتباهه في أماكن يرتادها هو أو بعض الفتيات والنساء وهن موجودات في كل المجتمعات لا المجتمع التونسي وحده ورفعه لهذه الحوادث إلى مرتبة ظواهر هو الذي أساء ويسيء إلى المجتمع التونسي الذي تناضل فيه المرأة بصدق وتحفظ فيه كرامتها وكرامة أهلها وتصون فيه شرفها في كامل تراب الجمهورية "والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه". وهذا التعميم الذي يمحو عن جهل أو عن سوء نية من الذاكرة الجماعية نضال المرأة التونسية عبر العصور من أجل عائلتها وأولادها وعملها من أجل النهوض ببلدها، يقود مباشرة إلى التطرف والدعوة إلى إرجاع المرأة إلى عصر الحريم الذي لم تعرفه المرأة في تونس كما تتمّ الدعوة له اليوم. إن مثل هذه "السكاتشات" وإن كانت الغاية منها الفذلكة وإضحاك الناس أو التمعش الرخيص لا بد أن تدرس جيدا وأن تدرج في صلب سيناريو يكتبه مثقف مؤهل ولا يكتبه سكارى الشوارع حتى وإن كانوا ظرفاء على الأقل حتى لا يسقط الممثل في التعميم والتجريح وحتى لا ينتج عن نصّه ما لا يحمد عقباه وعلى كل من يقصد الحانة يجد فيها أمثاله، وكلّ إناء بما فيه يرشح. سؤال أخير لابدّ من طرحه هو الآخر حتى ننصف لطفي العبدلي، وهو كيف يمكن للطفي أن يفصل بين الفن والأخلاق ويبتعد عن الإسفاف والبذاءات والإيحاءات الجنسية؟ وهو متأكد من أن البعض من الجمهور التونسي يتمتعون بها ويعرف أن البعض يسكرون وينتشون بها ولا يخفون هذا، بالعكس يتفاعلون مع كل من يتعاطاها بالضحك والتصفيق بل هناك من الجمهور من ينسى أنه في المسرح ويتخيل أنه وسط رفاقه وأترابه و"أولاد الحومة" لذا لا يرى مانعا من أن تتحول السهرة في آخرها إلى الحديث عن كل ما يعرف عندنا بأنه حديث أخضر.