تونس- الصباح: توفرت مختلف أنواع التوابل والبهارات لتجعل من العرض الأول " للوان مان شو" الأول للطفي العبدلي طبقا فنيا مهضوما وخفيفا وشيقا إلى حد بعيد. خفة الدم وجرعات من الجرأة وحضور ذهني وبدني كبير, تلك كانت أبرز مكونات العرض الذي قدمه صاحبه في سهرة السبت بالمسرح البلدي بالعاصمة أمام حضور مكثف. يحمل العرض عنوان "مايد إن تونيزيا" أو صنع محلي وهو من اخراج الشاذلي العرفاوي وتواصل قرابة ساعتين من الزمن . بمجرد أن ختم لطفي العبدلي عرضه حتى التحق به الفنان الأمين النهدي ليقبله بحرارة في اعلان واضح منه عن رضاه بما اقترحه في تجربته الأولى في مجال مسرح الممثل الواحد. وكان لطفي العبدلي لا يتردد في مختلف المناسبات في اعلان اعترافه بريادة الأمين النهدي لمسرح الممثل الواحد في تونس وأسبقيته في المجال معلنا أن الأمين النهدي المؤسس لهذه النوعية من المسرح في تونس. كما أنه مافتئ يمازحه خلال السهرة طالبا رأيه في العرض. وقام لطفي العبدلي بالتفاتة إلى الفنانين الذين حضروا عرضه الأول لعل أبرزهم النوري بوزيد مخرج فيلم " مايكينغ أوف " الذي نال بفضله جائزة أفضل ممثل خلال الدورة ما قبل الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية. مع العلم وأن عديد الوجوه السينمائية والمسرحية والتلفزيونية التونسية حضروا العرض . الإستثناء التونسي تدور أحداث المسرحية حول الأزمة الإقتصادية العالمية التي تواجه العالم لكنها توقفت عند حدود البلاد التونسية مما اضطر الأمريكيين إلى اختطاف واحد من أصحاب البطالة في تونس والتحقيق معه ومع عائلته. ويبحث لطفي العبدلي في هذا العرض عن أسباب هذا الإمتياز التونسي. الأمر الذي خلق له أرضية ليطرح بأسلوب هزلي وساخر مختلف التناقضات التي يشهدها مجتمعنا. ولم يكن لطفي العبدلي ليتردد إذا لزم الأمر في تجاهل عدد من الموانع وكثير من الطابوهات التي يفرضها وضع فئة ما في المجتمع وحراس المصالح وذلك من خلال استعمال لغة جريئة ألفاظها نصطلح أحيانا على أن لها مفعول الصدمة. لكن الأمر تم في حدود جرعات مقبولة ومحسوبة بشكل دقيق. ارتدى الممثل زيّا أنيقا يتكون من ثلاث قطع سوداء على طريقة مشاهير الفنانين المختصين في هذه النوعية من المسرح. الأناقة في هذا العرض لم تكن تتعارض مع خفة الحركة. كانت البداية راقصة. مشهد قصير على إيقاع الدخان المتصاعد ثم لحظات لمحنا فيها بعض التردد وشيئا من النرفزة ثم سرعان ما تمكن لطفي العبدلي من الإنطلاق. كان الجمهور شاهد عيان على ذلك الممثل وهو يتحرر شيئا فشيئا من الضغط النفسي ويبذل كل ما في وسعه من جهد معولا على ثقته في شخصه وعلى جسده الرياضي وتمكنه من تقنيات الرقص إذ اشتمل العرض على عدد اللوحات الراقصة سواء من " الراب "أو " الهيب هوب " المنتشر عند شبابنا حتى أنه اشتمل أيضا على لوحة بارقة في الرقص الكلاسيكي كانت كافية لتقديم فكرة واضحة عن مهارات الممثل في الرقص ليبث بذلك حياة تعج بالحركة في ركح مسرح مدينة تونس أمام تصفيق الجمهور وقبوله الحسن. الحديث في صيغة الأنا تكلم لطفي العبدلي في صيغة الأنا. استعرض حياته منذ الصغر إلى مرحلة الشباب. لكنه كان يسعى للحديث عن جيل كامل. اعتمد الممثل أسلوبا هزليا ساخرا وموظفا بشكل ذكي . كان التواصل مع الجمهور تلقائيا وتعامل لطفي العبدلي مع الحضور بشكل طبيعي وكأنه في جلسة مع الأصحاب وهو ما ساعده إلى حد كبير في تحمل النسق المرتفع للعرض إذ تقمص أكثر من شخصية وقدم أكثر من موقف وعاش أكثر من وضعية. استعرض مجموعة من الشخصيات التي نصادفها في المجتمع دون أن نعيرها أحيانا اهتمامنا لكنها تبقى شخصيات وإن كانت هامشية في بعض المرات إلا أنها موجودة بالمجتمع وأحيانا نجدها محظوظة. وكانت كل واحدة أكثر طرافة من الأخرى. اعتمد الممثل على المفارقات سواء في الوضعيات أو عند الشخصيات ما يجعل الموقف هزليا ومضحكا وطريفا وهادفا في آن واحد. فقد حاول لطفي العبدلي كامل العرض تعرية بعض مواطن الخلل فيما يتعلق بسلوك التونسيين أو مواقفهم أو العلاقات السائدة بينهم القائمة في أحيان كثيرة على السطحية والأحكام المسبقة والجهل أحيانا. كانت شخصيات على غرار "المخنث" والسكران المعربد في الطريق العام والمثقف الكلاسيكي المتعب طريفة إلى أبعد الحدود. شخصيات أخرى تعرض لها على غرار أبناء الأحياء الشعبية وأبناء العائلات الثرية التي استعرض من خلالها الوضعيات الأكثر تناقضا ومفارقة في المجتمع التونسي كانت مليئة بخفة الروح وطريفة جدا. هذا لا يعني أن العرض لا تشوبه شائبة. هناك من لا ننتظر منه أن تروق له المشاهد الخاصة بالجدة فقد كانت الأقل طرافة في هذا العرض وربما ننتظر من لطفي العبدلي أن يراجع وهو ما زال في بداية سلسلة عروضه للمسرحية النص وخاصة الفقرات الخاصة بحادثة اختطافه وتحقيق الأمريكيين معه ومع العائلة. فلم تكن طريفة ولا مقنعة عكس ما كنا نتوقع خاصة وأن العمود الفقري للعرض كما فهمنا يتمثل في انفراد تونس بصدّ الأزمة الإقتصادية العالمية دون غيرها من الدول الأمر الذي عجزت عنه دولة في حجم الولاياتالمتحدة مثلا. الفقرة الخاصة كذلك بالمقارنة مع جاد المالح بدورها تبعث على التساؤل خاصة حول محل اعرابها في هذا العمل . وبخلاف ذلك فإنه ولئن كانت طاقات لطفي العبدلي التعبيرية ليست بخافية على الجمهور الذي شاهده في عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والكوريغرافية والمسرحية وهو المتوّج بعديد الجوائز الوطنية والدولية فإن هذا العمل الجديد مرشح أن يكتشف الجمهور الواسع من خلاله الممثل في صورة أخرى ويمكن أن يكون عرض "مايد إن تونيزيا" إعلانا عن ولادة نجم من طينة النجوم التي تهرع لها الجماهير بكثافة. ومع ذلك فإن لطفي العبدلي لعله يدرك أن الإمتحان الحقيقي قد لا يكون حدث في سهرة السبت بمسرح مدينة تونس بالنظر إلى نوعية الجمهور وأنه مازال أمامه الكثير لتقييم هذه المغامرة الجديدة في حياته الفنية. مع العلم وأن العرض الذي تمت فيه الإستعانة بمختص أجنبي في الإضاءة متمثلا في شخص "ستيفان فيلار" وتولى معز غديري مساعدة الشاذلي العرفاوي في الإخراج تبنته مؤسسة " ياليل للإنتاج " التي انطلقت في نشاطها في الساحة منذ أعوام قليلة لكنها اليوم في رصيدها عديد المبادرات من بينها "مهرجان الضحك بتونس" وتظاهرة "Tunis fait sa comédie"