الإمبراطورة عدّدت خصال التونسيين واحترامهم للذات البشرية وقربهم من تعاليم الله نظمت جمعية "المدينة حبّي" حفل تتويج لوتشيكا تودور إمبراطورة للروم الغجر لجهودها في نصرة الشعوب المضطهدة وذلك في إطار تظاهرة ثقافة بلا حدود وتشجيعا على التعايش السلمي بين الأديان والثقافات. هذا الحفل حضره الباتريارك ليوبولدو مانشيني من الكنيسة الأرتدوكسية بميلانو وعدد كبير من سكان المدينة العتيقة والمثقفون التونسيون الذين أرادوا التعرف على هذه الملكة التي استضافتها التلفزة الوطنية فتحدثت بحبّ كبير عن سكان الجنوب مبدية اندهاشها من قدرة التونسي على التواصل مع الآخر وعلى فعل الخير... هذا الهاجس الذي حوّلها من مغنية غجرية فاقت شهرتها حدود العالم إلى ملكة للروم الغجر. واستضافتها الشاعرة سندس بكار لنادي "بيت القصيد" ببيت الشعر لتحضر في جلسة حول ترجمة الشعر إلى اللغة الإيطالية كما كرمتها إذاعة تونس الثقافية. كل هذه الحفاوة وما لمسته من إيمان الشعب التونسي بالحبّ والتعاون وقيم التسامح والتضامن والإيخاء جعل ملكة الروم لوتشيكا تودور تتخذ قرارا هامّا، يخصّها ويخصّ شعبها، يتمثل في اختيار تونس مكانا تتوّج فيه من ملكة شعب الروم إلى إمبراطورة الشعوب الغجرية والرّحل في كل القارات يوم 7 جويلية 2011. نذرت أموالها وجاهها لخدمة الفقراء ولوتشيكا تودور زعيمة التحالف من أجل وحدة المنظمة للغجر، وهي أعلى سلطة معنوية من جماعته العرقية في أوروبا سيّدة أصلها روماني تنتمي لشعب الروم أو الغجر تمّ سنة 2003 تتويجها ملكة لشعبها نتيجة لخدماتها الإنسانية والاجتماعية وأعمالها التطوّعية والخيرية التي قدمتها له منذ أن نذرت لله أن تخدم عباده، إذا مشت من جديد على رجليها بعد حادث مرور أقعدها سنة 1992 عن المشي. هذه السيّدة التي أصبح هاجسها في الحياة طاعة الله وخدمة عباده حيثما وجدوا، سمعت عن ثورة تونس وعمّا أبداه سكانها وخاصة منهم الفقراء من تضامن وحبّ للآخر وسعي للمساعدة منذ بدأت جحافل اللاجئين تلج تونس من ليبيا، فجاءت لترى بنفسها وتتعرّف على هذا الشعب الذي فاق تضامنه مع بعضه البعض ومع اللاجئين حدود ما سمعت به وما رأته من قبل وهي التي جبلت بحكم أصلها وما يتعرّض له الروم الغجر، من ميزعنصريّ وظلم وقلة ترحاب حيث يوجدون خاصة وأنه لا وطن لهم ولا بلد يعودون إليه أو ينتمون له، على التعاطف مع المظلومين وأصحاب القضايا العادلة. حدثتنا لوتشيكا بكثير من الحب والتأثر عن حبها لتونس وعن كثرة النقاط المشتركة بين الشعبين كالشجاعة والكبرياء وبهما وحدهما استطاع الشعب التونسي أن يهبّ لنصرة اللاجئين ومساعدتهم وقالت: "هذا ليس بالغريب عن شعب مسلم يؤمن بوحدانية الله وبمعجزاته وبأفضاله على العباد، تجري في عروقه نفس دمائنا وله نفس إيماننا بضرورة العمل على نشر قيم أصبحت عملة صعبة ونادرة في زمننا هذا الذي تلوّن بألوان الغدر والخيانات والتكالب على الكراسي وجمع الكنوز دون التفكير في احتياجات الشعوب."
الغجر بلا وطن ولا مستقرّ
ويذكر أن الغجر كانوا ومازالوا يعانون من المعاملة السيّئة والاحتقار ورفض كل دول العالم قبولهم وهم بلا وطن ولا مستقرّ ورغم الإعانات المادية التي يقدّمها لهم الاتحاد الأوروبي، لمساندة المحتاجين الفقراء، إلا أنهم مازالوا يطردون بطرق تعسفية، فيها الكثير من الإهانات والاضطهاد بدعوى أنهم لا يحترمون أملاك الغير ولا يريدون الاندماج في الشعوب التي تستقبلهم، لإيمانهم بأن الأرض لله وليست للبشر ولعل اعتناق الأفواج العديدة منهم الإسلام يعود أصلا لإيمانهم بأن الدّين الإسلامي هو القادر على توفير الحرية والحياة الكريمة وهو الذي لا يسمح بأن يجوع أو يهان البشر. ويعيش الغجر وهم تقريبا 40 مليون نسمة في أكثر من 12 بلدا أوروبيا وفي بقية القارات وخاصة في أمريكا، متنقلين دون أن يعترفوا بالحدود، لهم علمهم الخاص بهم الذي تمّ إقراره في لندن سنة 1971، لهم لغتهم وموسيقاهم ومحكمتهم الخاصّة حيث أنهم لا يعترفون بأيّ قضاء مدني. وبكل حسرة تذكرت لوتشيكا تودور كيف أن فرنسا أطردت سنة 2010 آلاف الغجر دون شفقة ولا رحمة، وكيف أن هتلر أباد منهم 500 ألف نسمة خلال الحرب العالمية الثانية، وكيف أن زيارتها إلى تونس أعادت لها الأمل في الإنسان، وعرفت أن بلاد الإسلام كانت ومازالت رحيمة بهم وكيف أن قيمنا السمحة لا تختلف في شيء عمّا يدعو له الغجر من وضع حدّ للعنف والعنصرية والتعامل مع البشر على أساس ما يتميزون به من تقوى وصلاح وقدرة على خدمة الله والتضامن مع عباده، لذا حرصت على أن تقترن ذكرى تتويجها إمبراطورة شعبها مع زيارتها إلى تونس وأصرّت على أن تلبس التاج، والكلام لها، بين أفراد هذا الشعب الطيّب الكريم المحبّ لفعل الخير.