يجسد الممثل علي الخميري دور «حسن» صاحب مطعم شعبي في مسلسل «الأستاذة ملاك» الذي تبثه القناة الوطنية الأولى خلال شهر رمضان الجاري باعتباره العمل الدرامي الذي اعتبر تكريما لثورة أحرار تونس. فموضوعه يتمحور حول ثورة 14 جانفي التاريخية ويستمد أحداثه من الوقائع ومستجدات الأحداث التي مهدت وأدّت لهذا الحدث الانجاز وما ترتب عنه من تطورات غيرت المشهد العام للبلاد والمواطن التونسي بشكل خاص. لذلك فقد كانت شخصية «حسن» شأن غيرها من الشخصيات الأخرى في هذا المسلسل ثرية بالإيحاءات وحافلة بالرمزية السياسية والاجتماعية والثقافية. وهو شد الاهتمام منذ الحلقات الأولى من هذا العمل الدرامي. حول هذه القراءة وغيرها من المسائل الأخرى تحدث علي الخميري في الحوار التالي:
خلال مسيرتك التي قاربت حوالي ثلاثة عقود تقلدت أدوارا ومهاما تراوحت بين المسرح والسينما والدراما التلفزيونية فهل تعتبر دور «حسن» كأول إطلالة في عمل درامي تشارك فيه بعد الثورة امتدادا لجملة تجاربك أم أنه دور يضمن للمثل الخروج من بطالته في هذه الفترة التي تشهد ركودا تشارفي الإنتاج والعمل ؟
الحقيقة التي لا أخجل منها هي أني- وبعد تجارب وأدوار لا تحصى ولا تعد في الفنين الرابع والسابع وغيرها من الأعمال التلفزية فضلا عن المشاركة في أعمال أجنبية- أول مرة أفرح بالدور الذي تقلدته في مسلسل «الأستاذة ملاك» إلى حد أني خلت نفسي في أول تجربة وأمام دور مصيري. وذلك لعدة اعتبارات لعل أبرزها أن هذا العمل يمنحني فرصة المشاركة في الثورة المجيدة من موقعي كممثل وأعتبر المشاركة فيه تشريفا كل ممثل تونسي. ثم أن دور «حسن» رغم بساطته مفتوح على عديد القراءات ويحيل إلى شخصيات وأطوار لا سيما أن هذا الدور يعد رافدا ومحركا لأحداث المسلسل. ف»حسن» شخصية ثائرة محتشمة ومواقفها الرافضة للفساد والظلم والرشوة تتجاوز دوره وتجارته البسيطة.
ولكن ألا تشاطرني الرأي بأن المتمعن في العمل يلاحظ علاقة ضمنية أ وصريحة بين « حسن» في المسلسل وحمة الهمامي كناشط سياسي في المشهد العام لتونس؟
مثلما عودنا علي اللواتي بالتميز والإتقان في حبك سيناريوهات أعماله فقد كان كابح جماح القلم في تحليله وتصويره لأحداث وضعيات ومن خلال طرحه لقضايا شكلت الترسبات التي فجرت صمت الشعب التونسي ليطلق العنان لصوته ليقول لا لغياب العدالة الاجتماعية ولا لقمع الحريات ولا للفساد والتسلط لا لا... لذلك أعتقد أنه لم يتسرع في الكتابة تصور درامي للمرحلة على نح ويسقط في سرد الأحداث وتسمية الشخصيات التي لعبت دورا في الثورة بأسمائها لأن ذلك حتما سيحول العمل الدرامي إلى «ربورتاج» للثورة. أنا لم أستقرئ مخيلة الكاتب ولكن أحسست أن الشخصية قريبة من شخصية حمة الهمامي المعروفة بنضالها ومواقفها من النظام البائد ومعرضتها للسياسة التي تكرس الظلم والفساد وغيرها من السلوكات السلبية والهدامة لحقوق الفرد والمجتمع. فأنا يسعدني أن أجسد دور مثل هذه الشخصية التي تحمل مواقف ونظريات سياسية واجتماعية تنتصر للإنسان وتدافع عن حقوقه كما ه والشأن تقريبا بالنسبة للمحامية ملاك في دفاعها عن قضايا المعارضين. وربما التشابه في الصور دفع المخرج لاختيار هذا الدور لي حتى أني أستحضر حادثة طريفة عشتها خلال اليومين الأخيرين لما ركبت سيارة تاكسي التفت إلي السائق وسألني :»هل أنت حمة ذاك السياسي أم أنت الممثل».
ألم تخش أن تُحسب لفائدة حزب أ واتجاه معين؟
اعتقد بأن المثقف يجب أن يكون محايدا ولا يجب أن يدخل في لعبة أحكم حبكها بعض المتحزبين بأنانية ورغبة في جمع الثروات لكن في المقابل إذا رفض المثقف تحديد انتمائه فإنه سيكون عرضة للاتهام بالانتماء للحزب البائد. لذلك أرى أنه من المستحسن أن يكتفي بدور الرقيب والتعبير عن موقفه من خلال موقعه إما عن طريق الكلمة أ والصورة أ وفي مشهد مسرحي.
ما هي المرجعية التي احتكمت إليه في تجسيد هذا الدور في هذه المرحلة الانتقالية في مسار الثورة؟
مرجعيتي في هذا الدور هي حتما تجاربي الزاخرة في المسرح والسينما على امتداد سنوات فضلا عن اطلاعي ومتابعتي لسير الأحداث والتجاذبات التي يعيشها الشارع التونسي والحراك السياسي والاجتماعي اللذين والاقتصادي التي تلقي بثقلها على راهن المواطن التونسي. فرغم أني أرفض أن أكون ممن يدعون أنهم كانوا مناضلين ومن ضحايا فساد وجور العهد البائد إلا أني أعترف أنني سبق أن قدمت عديد الأعمال المسرحية التي حملتني إلى أروقة المحاكم وكنت بسببها عرضة للإيقافات في عديد المرات أذكر من بينها مسرحية «الصخرة» سنة 1986 التي اقتبستها عن الفلسطيني معين بسيس ووتم إيقافها ثم مسرحية» ملس من طينك» التي انتقدت فيها عملية الاستحواذ على أراضي الأجانب وأملاك الدولة. ولعل أبرز مسرحية التي قدمت فيها تصويرا فاضحا ومشابها لما نعيشه اليوم من تعدد الأحزاب والتسابق من أجل المصالح الشخصية والضيقة هي مسرحية «الكميونة» التي كانت نهايتها جد حزينة وقاسية.
هل تعني بذلك أن القطاع الثقافي عرف حركات نضالية ومواقف رافضة لكن لم تبرز هذه المواقف ولم تعرف لدى الرأي العام؟
بكل تأكيد فالنضال والدعوة للإصلاح لا تشتط ضرورة القبوع في السجن والتعرض للتعذيب وإنما أكبر عقوبة يتعرض لها الفنان والمبدع هي بمصادرة رأيه وموقفه من خلال حجب عمله ومنعه من ممارسة هوياته وموطن إبداعه وطريقته في التعبير عن رفضه ونقده لبعض المواقف. وفي تونس عدد كبير ممن كانوا تحت طائلة هذه العقوبة والتشفي.
وهل تعتقد أن نهاية ما تعيشه بلادنا في هذه المرحلة الانتقالية، من تطورات ستكون مشابهة لما جسدته مسرحية « الكميونة» ؟
أنا متفائل بمستقبل تونس ومصدر تفاؤلي ه وثقتي الكبيرة في أبناء هذا الوطن. لأنه مهما خضعوا وتأثروا بمزايدات الأحزاب والطامعين في مناصب السيادة إنهم قادرون على الانتفاض على أوضاعهم وإعادة مسار الثورة إلى نصابه السوي.
ما هي الرسالة التي تبلغها للتونسيين في ظل ما يشهده الراهن من حالات من الاحتقان والتجاذبات والمزايدات؟
أريد أن أقول أن تونس تبقى دائما دولة إسلامية عربية حرة وديمقراطية رغم أنف ما يسعى لتعكير صف وعيش أحرارها فيها. لذلك لا ننتظر من أي طرف أ وأحد أن يعلمنا العيش ويحدد علاقتنا بالله أ وبالآخر مهما كانت استراتيجته أ ولغته.
ماذا ننتظر من «حسن الطباخ»؟
أعترف أن «حسن» ه وسبب حيرتي وخوفي طيلة هذا الشهر لذلك أتمنى ان يكون ناجحا وينال استحسان المشاهدين. فالدور لا يزال في بداية تموضعه في سلم الأحداث وسيتطور وتتضاعف أدواره وتكثر عذاباته وذلك موازاة مع تنامي الشخصيات والأحداث في المسلسل.