بعضهم لا ينام إلا بالأقراص المهدئة ومتضرر لا يزال يعالج على نفقته الخاصة أي من السلط لم تعد تسأل عن حال العائلات المنكوبة ولا عن ظروفها ولم تكلف نفسها عناء إرسال مرشدة إجتماعية صفاقس الاسبوعي: يقال ان «كل شيء يولد صغيرا ثم يكبر الا الحزن فانه يولد كبيرا ثم يصغر» لكن ها أن الأيام والشهور تمر بدقائقها وساعاتها ثقيلة ورتيبة ومملة.. لتبقى الجراح الغائرة مفتوحة.. ووجع الذاكرة المعطوبة يواصل امتداده بل اجتياحه لكل ذرة من كيانات اسر هدها الانتظار واغتالها الصمت.. فمنذ تاريخ حصول فاجعة «ستار اكاديمي» بصفاقس يوم 30 افريل 2007 وعائلات الضحايا تتطلع الى الحقيقة وترنو الى الانصاف.. ناشدوا وراسلوا وطالبوا.. لكن النتيجة بقيت واحدة : التحقيقات القضائية لم تستكمل بعد! لهذا اتصلوا بمكتب «الصباح» بصفاقس وفتحوا قلوبهم وتحدثوا بحرقة بالغة عن ظروفهم الاجتماعية والنفسية المتدهورة وعن حجم المأساة التي يعيشونها مع اشراقة شمس كل يوم.. ظروف نفسية واجتماعية صعبة تحدث السيد سامي الجراية والد المرحومة ندي عن الظروف الصعبة التي تمر بها عائلته بعد الحادثة قائلا بنبرة حزينة انه الى اليوم مازال يعيش تحت رحمة الأقراص المهدئة رغم الراحة الاجبارية التي خضع لها لمدة ثلاثة أشهر، أما زوجته المريضة بالقلب فقد اجريت عليها الى حد الان أربع عمليات جراحية، اضافة الى خضوعها لعلاج نفسي بسبب تعقد حالتها، فلا أذيع سرا يواصل السيد سامي ان قلت لكم أنها الى اليوم مازالت تصر على احتضان ملابس ابنتها التي ارتدتها يوم الحفل كل ليلة، وهنا تتدخل زوجته مديحة لتضيف بمرارة قد لا أبالغ حين أؤكد لكم ان والدتي المسنة التي تعاني من مخلفات جلطة سابقة بسبب فقدانها ابنها والمقيمة بمستشفى «الرازي» بالعاصمة انها لم تعلم الى حد هذه اللحظة برحيل ندى خوفا على صحتها، حيث نضطر كل مرة ان نجيبها كلما سألت عنها انها سافرت الى فرنسا للدراسة، اما ابني ماهر الذي رافق شقيقته ليلة الحادثة فقد اصيب بكدمات وبكسر على مستوى الانف وستجري عليه في المدة القادمة عملية جراحية على فكه، علما ان كل مصاريف العلاج الباهظة كانت على نفقتنا الخاصة مما حتم على زوجي الممرض بالمستشفى الجامعي بصفاقس اللجوء الى التداين، ولولا وقوف بعض زملائه في العمل الى جانبه ماديا ومعنويا لعجزنا حتى عن تسديد معلوم كراء منزلنا ولوجدنا انفسنا على قارعة الطريق (استظهرت لنا بملفات طبية وبفواتير شراء الادوية) وبالعودة الى حالة ابني ماهر فهو مازال يعيش على وقع الصدمة وعلى ذكرى شقيقته الوحيدة الذي كان شاهدا على رحيلها فانقطع نهائيا عن عشق الموسيقى كعازف بيانو واكتفى بالعودة الى مقاعد الدراسة استعداد لاجتياز امتحان البكالوريا وكله اصرار على النجاح ليهديه الى روح أخته الغالية. طالنا الاهمال ولف أبناءنا النسيان! أما السادة محسن صدود والد الضحية الطفل هشام (12 سنة) وحسونة المسدي والد الضية هناء (17 سنة) ورضوان القروي شقيق نورس وأنيس المصفار عم الضحية أمل فتساءلوا بحرقة بالغة بأي ذنب اغتيلت براءة أبنائنا واخواتنا؟ فرغم ايماننا العميق بالقضاء والقدر فان حجم الدمار النفسي والمعنوي الرهيب مازال رغم مرور اكثر من سبعة اشهر يلقى بظلاله على عائلاتنا خاصة في ظل التهميش واللامبالاة التي اصبحنا نعامل بها حيث وباستثناء الأيام الأولى التي غمرنا فيها الجميع بمشاعر المواساة والتعاطف طالنا بعدها الاهمال ولفّ أبناءنا النسيان ربما عملا بالمثل الشعبي «ما اللي دفنوه مازاروه» اذ لم يعد يتصل بنا الا بعض الأقارب والأصدقاء بين الحين والآخر للاطمئنان، فهل يعقل أن تمر هذه الكارثة التي أخذت بعدا وطنيا وحتى عربيا مرور الكرام؟ وهل من المنطقي على سبيل الذكر لا الحصر أن يغيب عن أذهان المسؤولين واجب ارسال مرشدين اجتماعيين للاستفسار عن أوضاعنا المادية والنفسية التي ازدادت تعقيدا بعد الفاجعة؟ وعلى كل حال نشكر لهم تكفلهم بمراسم دفن الجثامين مجانا! الى أين وصلت نتائج التحقيقات القضائية؟ أجمع أولياء الضحايا على النجاعة التي ميزت الأبحاث الأمنية في مراحلها الأولى اذ تم الاستماع الى مختلف الأطراف: أهالي الضحايا والمتضررين وشهود العيان والجهة المنظمة وتسجيل أقوالهم كاملة، اضافة الى اجراء عملية التشخيص بالمسرح الصيفي بسيدي منصور قبل ان يتم تسليم ملف القضية الى مكتب التحقيق الثالث بالمحكمة الابتدائية بصفاقس الذي سجل تحت عدد 3/36200 لكن منذ ذلك التاريخ لاشيء تغير، فكلما سألنا يقول أولياء الضحايا او استفسرنا عن النتائج الا وأكدوا لنا أن التحقيق لم ينته بعد وأنهم في انتظار تقرير الطبيب الشرعي لتحديد نسبة السقوط لدى المتضررين ونحن ندعو الى التسريع باحالة الملف على القضاء واغلاقه نهائيا ويجدر بنا التذكير في هذا الصدد أنه سبق لجريدة «الاسبوعي» أن أشارت في عددها الصادر بتاريخ 21 ماي 2007 الى انتفاء المسؤولية الجزائية في القضية بعد عدم توصل التحريات الأمنية الى تحديد المسؤول عن الحادثة وبالتالي لم يبق ولو مبدئيا الا تحديد المسؤولية المدنية.. فهل من لفتة رعاية وانصاف تضمد جراح هؤلاء وكلمة حق تخفف عنهم وطأة آلامهم؟