بقلم: مصطفى البعزاوي كثرت في الفترة الأخيرة المقالات والمواقف التي تنال من السيد حسن نصر الله على خلفية موقفه من الأحداث الجارية في سوريا. كلها تقريبا اتفقت على نهش لحمه الحي سرا وعلانية وكأن الرجل يحرك أساطيل الحلف الأطلسي أو هو من يدير جلسات مجلس الأمن. كلهم يكشفون زيف ادعائه المقاومة ويتهمونه بأنه مجرد أداة لأطراف خارجية لشق وحدة»الغمة» عفوا الأمة العربية. آخر ما قرأته مقال صادر على صفحات جريدكم الموقرة بتاريخ 27.08.2011 يتحدث فيه صاحبه عن الشيخ نصر الله الذي يتاجر بلبنان. الكاتب يقول عن نفسه أنه شارك «في المسيرات المنددة بالاعتداء السافر على فلسطين» والمشارك في المسيرات التي تندد « بالمشاكل التي يتخبط فيها العمال» والكاتب المشارك في المسيرات التي «تندد بقضايا المواطن كحقه في التعبير والتظاهر والإضراب» كما جاء حرفيا في ديباجة هذه السيرة الذاتية يدخل بعدها في صلب موضوع توجيه السهام والقدح والتهجم على السيد حسن نصر الله ليتهمه بأنه «يتحرك ويعمل وفق أجندة سياسية تخدم أسياده على المستوى الإقليمي وتستعمله مطية للوصول إلى غايتها التوسعية والثأر لما فاتها» دون أن ينورنا عن طبيعة هذه الأطراف وعن أي ثأر يتحدث والثأر مماذا؟ على أن كاتب المقال لا يبدو أنه يفرق بين الشيخ والسيد فما أعلم أن أحدا آخر سمى السيد بالشيخ غيره وهو معذور على أية حال بما أن خلاصة التهجم جاءت نتيجة لهذا اللبس المعرفي لأن «السيد» لفظ لمفهوم لا يستتبع أسيادا لأنه أصلا سيد نفسه وإلا فقدت اللغة وظيفتها طبعا انكشف لكاتب المقال مستور حزب الله وتعرى أمامه السيد حسن نصر الله الذي كشف صاحبنا حقيقته وزيف إدعاءاته. ولو أن كاتب المقال كان بالحد الأدنى موضوعيا في قراءته للزاوية التي حشر حزب الله نفسه فيها حول الموضوع السوري لاكتفينا بالقراءة وحسب، أما انه سل سكاكين حقده وتجرأ على التهجم على من يمثل شرف الأمة ومن يقف على ثغورها فهو ما دعانا لتلقينه بعض الحقائق علنا نساهم في رفع اللبس عنه وعن غيره. بدء نذكر أن لبنان يحده شرقا البحر الأبيض المتوسط الذي تجوبه أساطيل الحلف الأطلسي بموجب القرار 1701 الناتج عن تداعيات حرب جويلية 2006 لمنع تهريب السلاح والمعدات الحربية لحزب الله عبر البحر ويحده جنوبا الكيان الإسرائيلي الغاصب وغربا سوريا المنفذ البري الوحيد على العالم الخارجي ويحده من السماء السماء. لبنان كذلك هو 1/10 من مساحة تونس، وبأكثر دقة وللتقريب، كل لبنان بجميع طوائفه وفصائله وجباله وسهوله وبحره يعادل مساحة الوطن القبلي تقريبا. هذه المساحة هي موطن 18 طائفة رسمية معترف بها ولها من يمثلها وينطق باسمها ويدافع عنها. هذه الطوائف تتركز ظاهريا حول قسمين كبيرين، المسيحي والإسلامي. سوف لن نخوض في التقسيمات المسيحية التي لا تعنينا في هذا المقام لكننا نقول أن أغلب المسيحيين ليسوا من أنصار حزب الله ولا من مؤيديه السياسيين بل منهم من يعاديه ويحاربه جهارا. يبقى أتباع الدين الإسلامي فهؤلاء هم سنة وشيعة ولن نتحدث عن السنة التي لا تشكل بالضرورة الطائفة التي يعتمد عليها حزب الله في التعبئة والقتال، بل نقول إن الشيعة أنفسهم ينقسمون على الأقل إلى ثلاث تشكيلات حزب الله إحداها إلى جانب حركة أمل وأتباع بعض الرموز الشيعية الذين هم على طرفي نقيض مع السيد نذكر منهم السيد إبراهيم الأمين وأتباع السيد صبحي الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله وبعض الشخصيات المستقلة الأخرى كهاني فحص أو عقاب صقر النائب الشيعي المتحالف مع تيار المستقبل إضافة طبعا للناس « العياشة « من الطائفة الشيعية والتي لا يعني لها أي حزب أي شيء. نضيف كذلك أتباع المرجع المرحوم فضل الله والذي لا يعتبر المرجع الشرعي لحزب الله. خلاصة الحديث أسأل كل من بقيت له بعض الخلايا العصبية التي لا زالت تعمل ما هو نصيب حزب الله من المجتمع اللبناني أولا ثم ما هو نصيب حزب الله من مسلمي لبنان ثانيا ثم ما هو نصيب حزب الله من الطائفة الشيعية ثالثا ثم ما هو نصيب حزب الله من المقاتلين وأفراد جناحه العسكري من ما بقي له أو أنه استطاع تحصيله بعد كل هذه التنزيلات وبعد كل عمليات الطرح التي عددناها من تعداد المجتمع اللبناني؟ هذه القلة القليلة هي التي جعلت من السيد سيدا بلا جدال فهو يقف بهذه القلة كل يوم في مواجهة كل المؤامرات الداخلية والخارجية. وهو بهذه القلة يواجه كل مخابرات العالم وبهذه القلة يحارب السيد حسن الكيان الصهيوني البغيض وينتصر عليه، هذا الكيان الذي هزم ويهزم كل الجيوش العربية سواء منها التي ثارت أو لم تثر. وما قتل جنود وضباط الجيش المصري على أرضهم أرض سيناء في هذا الشهر بالذات إلا دليل على هذا الضعف العربي المتناهي. بهذه القلة القليلة يقف السيد حسن في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية وكل مراكز القرار الغربي المنحازة اليوم وغدا إلى جانب الصهاينة. وهو بهذه القلة القليلة يحارب دسائس ومكر الإخوة العرب من المحيط إلى الخليج فلا ننسى محاكمة خلية حزب الله المتهمة بتهريب السلاح إلى قطاع غزة المحاصر زمن الطاغية فرعون مصر. كل هذا وغيره يجعل من السيد حسن سيدا « بالفم والملى» حسب تعبيرنا الشعبي البليغ.. لو كان هذا المناضل في مسيرات التنديد منصفا بالحد الأدنى لشهد أن لا ألاه إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن السيد حسن هو «نصر الله» في هذا الزمن الرديء البليد الذي نسمح فيه لأنفسنا بالتطاول على من يذوبون من أجل شرفنا وعزتنا وكرامتنا. المثل الشعبي معروف عندنا وهو «من لم يكن له كبير فليشتري له كبيرا» ونحن ندمر قاماتنا ورموزنا بوعي وبغير وعي، بالدولار واليورو وفي غالب الأحيان صدقة وتفضلا بجهل فاضح وبلاهة متناهية. لا يسعنا في نهاية هذه الورقة أن نسأل كاتب المقال عن الوجهة التالية لقيادات حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة بعد سوريا فأين سيحط بهم الرحال؟ أين يمكن أن يجدوا الملاذ الآمن في طول وعرض الغمة-عفوا- الأمة العربية حتى بعد ثوراتها؟ أين سيقيم عبد الله شلح وخالد مشعل وقادة الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وفتح الانتفاضة وفاروق القادومي وغيرهم؟ هل وجد لهم صاحب المقال ركنا بديلا لسوريا؟ أم سيستضيفهم مرة أخرى لتونس ليصطادهم الموساد الإسرائيلي كما غدر بالشهيد أبو جهاد؟ ثم أين هذا التعاطف المبدئي مع نضالات الشعب اليمني والشعب البحريني؟ المؤسف حقا في نوعية هذه المقالات ليس السب والقدح والعداء للمقاومة فهذا معتاد عليه ولا يغير من الحقيقة شيئا بل المؤسف هو هذه المزايدات والمكابرة باسم المثقفين تضيف نكدا على نكد وتبعث في النفس يأسا مقيتا ليس بسبب عدم فهمهم أو قصر نظرهم حول هذا الموضوع بل هو في إفلاس هذه النخب على إنتاج فكر مستقبلي استشرافي يشكل ضمانة لمستقبل بلادنا نحن قبل التجرؤ على السيد حسن نصر الله لأنه قامة لا نطولها ورمز لا نرقى إليه فضلا على أن نكون رافدا من روافد قضايانا العربية والإسلامية. ولا غرابة على مؤشرات التعفن الفكري والسياسي لنخبنا المثقفة ما دامت مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني طرحت على العلن، وللمفارقة بعد الثورة.إنه ما من شك أن النظام السوري هو كغيره من الأنظمة العربية سوف يذهب لأنه لا يتميز بشيء عن غيره من الأنظمة سوى احتضانه للمقاومة ودعمه لها ونعتقد أن ذلك غير قليل لأن كل سمائنا العربية مكشوفة، كأحوالنا، لكن المشارك في مسيرات التنديد ليس كالقابض على الجمر.