بقلم: محمد الأسعد بنحسين كانت تبدو لنا قناة الجزيرة قمرا نلجأ إليه لمناجاته في سمائه البعيد الجميل ويصل بنا التوهج والشوق الى ركوب احلامنا نحوه للاقامة فيه مُرَدِدين «إذا قالت حذام قولا فصدقوها فان القول ما قالت حذام» وفي حالات اخرى التغزل بها على مثيلاتها من العوانس من القنوات العربية الاخرى المهترئة وكذلك بمن في قناة الجزيرة من جميلات مبدعات كذلك كانت الوحيدة في زمانها المتنفس الوحيد للإطلاع على جرائم الحكام وعلى ضعف الشعوب العربية وكذلك التخفيف من ثقل ووطأة هموم الساسة والسياسة العربية في كل زواياها وقد استبشرنا بها خيرا وطرنا بها فرحا،كان ذلك من دولة قطر في التسعينات من القرن الماضي، واعتبرناها آنذاك واحة إعلامية في صحراء عربية مظلمة مليئة بالتعتيم الإعلامي وفي بيئة تفتقد الى ابسط حقوق الحريات للانسان العربي المُهان دائما وابدا. لكن بعد الصدمة الأولى التي تشبه صدمة بدوي يدخل العاصمة لاول مرة، ومن كثرة هزاتها غير المسبوقه وبمجيء الثورات العربية وحتى قبل ذلك بآستئناسها بالساسة اليهود في استضافتهم تباعا وفي غير مناسبة مما خلق نوعا من الفتور نحو القضية الفلسطينية أصبحنا نتساءل كيف وصلت الجزيرة الى هذا المستوى من الجرأة في استباحة المحظور ونشر بعض فضائح البلدان العربية ممن لا ترضى عنهم الجزيرة ومَن معها وبهذا الدفع القوي في كشف المستور من الحكام العرب ضمن رقعة جغرافية معينة من العالم العربي وليس كل جغرافية العالم العربي ثم طرحنا السؤال التالي لماذا لا تسمح الجزيرة بالمستور داخل اركان العالم العربي الذي لا يكتمل تحرره الا بتحرر الكل من اليمن الى طنجة خاصة اننا شاهدنا في ربيع الثورات العربية ان الديمقراطية لديها تكال بمكيالين،ثم من اعطى الجزيرة ولِمَن هذه الجرعة القوية بالذات الى جمهور ضعيف شاخصة عيونه الى زعيمه الملهم وهو لا يجرأ حتى على التمعن في صورته خوفا من البوليس السري الذي قد يتهمه بتدبير مكيدة لهذه الصورة ... هل الجزيرة ربيبة لأحد ومَن يكون ليتم تجهيزها لهذا اليوم الموعود ؟ وهل قرارها بيديها.كثير من الأسئلة الغامضة يصعب التعرف عليها وكثير من الأجوبة الحائرة التي نحوم حولها الى يومنا هذا... ؟ يبدو أن الجزيرة وقعت في المحظور وسقطت في أحضان الغرب الدولي المنافق والتعلة هي تحرير العالم العربي حسب اجندة خفية ؟ وبمنح قطر شرف محط قناة الجزيرة ومنها تنطلق القاذفات جو جو وجو ارض الى ابعد البلدان العربية، ولماذا من قطر وهي إمارة تنتفي فيها الديمقراطية كغيرها من عالمنا العربي مع وجود القواعد الامريكية المزودة باحدث التقنيات العصرية قد تكون قطر اضعف الحلقات العربية او لان قطر محاذية للمملكة وهذه الاخيرة الحليف الرئيسي لامريكا وهي تزاحم اسرائيل في الولاء. مع كل هذا لا ننفي أن الجزيرة كسبت التعاطف والمصداقية من تغطية احداث قومية عربية ومخاطبة لعاطفة ووجدان عامة الشعب. قبل ذلك وجب وبجدية التنويه بالقيمة المهنية لهذه القناة القطرية العربية وطريقة تناول المادة الإعلامية وكيفية التعاطي معها كان كل هذا بشكل جديد وراق ومميز وصادق الى حد كبير وغير مسبوق في عالمنا العربي، وإدخال برامج للحوار لم نعرفها من قبل،و النقاش وتبادل الرأي، وإعطاء فرصة للرأي والرأي الآخر بالابلاغ عن مشاكلهم بكل تلقائية،وكمثال على هذه البرامج الإتجاه المعاكس،و الرأي والرأي الأخر وفي العمق،وشاهد على العصر»اضافة الى استضافة اباطرة الصحافة والادب والسياسة من حسنين هيكل الى عزمي بشارة الى الجنرالات العرب الخ. إن هذا النوع من البرامج كان مغيبا عن المشهد العربي منذ بدايات الجمهوريات والمملكات العربية فوجود عشرات المراسلين العرب والاجانب منتشرين في المناطق الساخنة في العالم،كفلسطين،و لبنان،و تونس والمغرب وأمريكا اللاتينية ويقع في كثير من الاحيان غلق مكاتبها في البلدان العربية وكانت تجيد لعبة القط والفار خاصة مع مصر، وفي العواصم الكبرى المتحكمة في اتخاذ القرارالدولي،كواشنطن وباريس ولندن وطوكيو وغيرها،ثم لإستعمال أحدث التجهيزات التكنولوجية في العالم كجهاز البث عبر الأقمار الصناعية،إن كل هذه الإيجابيات التي تميزت بها قناة الجزيرة لا يمكن إخفاء بعض السلبيات والخبايا وراء إطلاق هذه القناة، والتي يمكن تلخيصها كالتالي فقناة الجزيرة لم تنقل المظاهرات التي وقعت في بعض البلدان الخليجية كالسعودية وعمان والبحرين الا لماما وقناة الجزيرة لم تتحدث عن الامصال المستورده من إسرائيل،قناة الجزيرة لم تنتقد السعودية التي ترفض نجاح الثورة اليمنية وتحرض علي عبدالله صالح على التهجم على هذه الثورة اليمنية المباركة السلمية والتي تقارع رئيسها بالتظاهر فقط وتمنع اخرين مما تجيزه لعلي عبد الله صالح، قناة الجزيرة لم تبث المظاهرات في قطر ضد انشاء الكنيسة ولم تصور المظاهرات ضد القاعدة الامريكية، وقناة الجزيرة لم تنشر المظاهرات التي جرت بالسعودية والتي تم لجمها في الحال قناة الجزيرة لم تنشر الشكوى التي تقدمت بها العمالة الاسيوية عن سوء معيشتهم في قطر وهي التي قامت بحلقات عن سوء المعاملة في الكويت ودبي للعمالة الاجنبية. قناة الجزيرة التي مقرها قطر لم تُبلغ عن مشاركة قطر في حرب جوية ضروس على ليبيا باكثر من اربعين طائرة مع بلد خليجي اخر جنبا الى جنب مع طيارين اسرائيليين تحت إمرة الناتو ولاهداف تخدم المصالح الغربية والإنطلاق بها من قطر البلد الباعث لقناة الجزيرة، لكن قناة الجزيرة تنقل كل السلبيات من مظالم وسرقات وعبودية واستبداد وقتل من اقطار عربية اخرى فكان لابد من ديمقراطية متجذرة فيها حتى تطمئن اليها القلوب وكما قال الشاعر يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم كانت الجزيرة المحرض الاول على الثورات العربية وهذه ميزة لا ننكرها وسنظل نفاخر بالجزيرة ابد الدهر لكن نتساءل واين قطر من جاراتها؟ إن قناة الجزيرة لم تولد في بيئة ديمقراطية توجد فيها السلطات الاربع من التشريعية والتنفيذية والقضائية وسلطة الإعلام وطبيعي جدا ان يكون المولود غير مكتمل، فهو منتوج وزواج براغماتي بين سلطة مال البترودولار والسياسة والإنفتاح على العولمة إذا من أين تستقي الجزيرة أوامرها هل من المجتمع المدني الغربي المتحضر.