منذ أكثر من ثلاثة أشهر - وفي اطار حديث صحفي - سألت "الصباح" السيد مختار الرصاع الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية ماذا اذا كانت القناة الرسمية التي أصبحت تسمى بعد ثورة 14 جانفي "الوطنية1" بعد أن كانت على عهد دولة الفساد والاستبداد تحمل اسم قناة "تونس7" تبدو مستعدة بالفعل للقطع - ابستيمولوجيا - مع التوجهات الاعلامية البائسة وأساليب العمل المتخلفة على جميع المستويات التي طبعت "صورتها" على مدى أكثر من أربعة عقود.. ومن ثم تحقيق النقلة النوعية المطلوبة والارتقاء - مهنيا - الى مستوى المرحلة.. مرحلة التأسيس لمجتمع الحريات والقيم الديمقراطية والتعددية والتنوع - من جهة - وأيضا المواكبة الاعلامية المهنية والمتطورة للمواعيد السياسية الكبرى المنتظرة التي ستكون هي عنوان هذه المرحلة - من جهة أخرى - مثل موعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي وغيرها ؟ الأستاذ مختار الرصاع - وهو يجيب حينها عن هذا السؤال - بدا لنا مشغولا أكثر بهاجس الاستعداد المادي والتقني لمثل هذه المواعيد الهامة فحدثنا - أكثر ما حدثنا - عن وجود برنامج لتكوين ورسكلة وتطوير مهارات ومعارف الصحفيين والتقنيين والطاقم الفني التابع لمؤسسة التلفزة من أجل تأمين تغطية تلفزيونية لهذه المواعيد السياسية الكبرى تكون مطابقة أو على الأقل قريبة من المواصفات السارية في البلدان الديمقراطية الأوروبية.. وعندما سألناه عن الطرف الشريك في هذا البرنامج التكويني قال أنها أطراف أوروبية... تذكرت هذا وأنا أتابع أصداء الندوة الصحفية التي عقدها بداية الأسبوع الجاري بمقر مؤسسة التلفزة التونسية وفد الاتحاد الأوروبي للاذاعة والتلفزيون الذي يقوده السيد جان بول فيليبو رئيس الاتحاد وما كشف عنه من وجود برنامج للتعاون يهدف الى مساعدة مؤسسة التلفزة التونسية تقنيا وخدماتيا ولوجيستيا على تأمين تغطية اعلامية مهنية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي... اذن، عملية الأخذ بالوسائل التقنية لتطوير الأداء الاعلامي وتحقيق النقلة النوعية والارتقاء مهنيا الى مستوى متطلبات المرحلة الجديدة في تونس، مرحلة ما بعد ثورة 14 جانفي تبدو بالفعل قائمة على قدم وساق صلب مؤسسة التلفزة.. ولكن ماذا عن دور "الوطنية1" في "اسناد" وتنشيط واقع الحراك السياسي ( حراك الديمقراطية والتعددية والتنوع) القائم في تونسالجديدة منذ أكثر من أربعة أشهر؟ الاجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون الا من خلال الوقوف على طبيعة التغيرات التي شهدها الخطاب الاعلامي خاصة في جانبه السياسي سواء ضمن النشرات الاخبارية على "الوطنية1" أو من خلال برامج الحوار المستحدثة مثل برنامج "المنبر السياسي" أو برنامج "لقاء خاص"... ما من شك أن الملاحظة الأولى التي لابد من تسجيلها - هنا - تتعلق بمعطى واقع الانفتاح الذي أصبحت تبديه هذه القناة الرسمية على مختلف الأطراف السياسية الوطنية... ذلك أنه لم يعد هناك طرف أو صوت سياسي ممنوع من دخول التلفزة وهذا من شأنه طبعا أن يرسخ حقيقة التنوع ويمكن لحق الاختلاف ويساعد على نشر بيداغوجيا الحوار والقبول بالآخر المختلف... هذا فضلا عن "الطبيعة الديمقراطية" للبرامج الحوارية ذات الصبغة السياسية التي تقدمها وجوه اعلامية شابة تحاول أن تكون مهنية في ادارتها للحوار وألا "تتورط" بأي شكل من الأشكال في الانحياز لهذا الطرف أو ذاك مثل الزميل ايهاب الشاوش أو الزميل أبوبكر بن عمر... كل هذا ولئن كان يسمح للمتابع بأن يقول عن "الوطنية1" أنها أضحت وبامتياز في قلب "معمعة" حراك الديمقراطية والتعددية والتنوع القائم في تونس اليوم فانه لا يعني اطلاقا أن هذه القناة التلفزيونية الرسمية قد بلغت "الكمال" أو أنها حققت المنشود. الطريق لا تزال طويلة.. والتحديات والعراقيل القديمة منها والطارئة لا تزال في جزء كبير منها قائمة.. لذلك وجب مواصلة الجهود والعمل والاجتهاد.