بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غسان بن جدو : دور سريّ في تونس..
نشر في الحوار نت يوم 07 - 02 - 2011

غسان بن جدو : دور سريّ في تونس..
وثورة مصر كسرت هيبة النظام
------------------------------------------------------------------------

ما يحدث الآن هو ثورة وليس مجرد اضطرابات أو تحركات احتجاجية. من هنا ينطلق الإعلامي غسان بن جدو في توصيف ما يجري في مصر. وهذه الثورة ليست حربا على مبارك ونظامه فقط، برأيه، بل هي ثورة على نظام دولي اختصره النظام المصري، شارحا ما يمثله هذا النظام في الأمن والسياسة والاقتصاد.
ويرى بن جدو أن ثورة مصر مثلثة العناوين: أولا هي ثورة على المنظومة الأمنية التي حكمت بالقمع على مدى عقود طويلة، وثانيا ثورة على اللاعدالة الاجتماعية، وثالثا للمطالبة بمشروع وطني حقيقي يعيد إلى مصر مكانتها ودورها.
ويشرح بن جدو هذه العناوين بالتفصيل في لقاء جمعه مع "شباب السفير"، معتبرا أن الثورة تنتصر بإطاحة رأس النظام وإيجاد بديل عنه، سيكون ثوريا أو انتقاليا، يتولى إعادة تشكيل النظام. وهذه العملية ستحتاج إلى وقت...
وردا على سؤال، يستبعد بن جدو أن يتكرر ما حصل في مصر في سوريا، متحدثا عن عناصر قوة النظام السوري والرئيس بشار الأسد، داخليا وخارجيا، وعلاقة ما حدث في لبنان في تعزيز قوته. لكنه يؤكد في المقابل أن هذا النظام "الذي يحمل مشروعا وطنيا" يحتاج إلى عاملين اثنين لحماية مشروعه: العدالة الاجتماعية والحريات العامة.
ومن مصر إلى تونس، يتحدث بن جدو عن مرحلة معارضته لنظام زين العابدين بن عليه وتعرضه للملاحقة وظروف خروجه من تونس، وصولا إلى مرحلة الثورة حيث "لم أقل كلمة واحدة أبداً. فعملي كان سرياً وليس علنياً"، شارحا موقفه من الأحزاب والتيارات السياسية في تونس، ومسألة مشاركته في الحكومة الانتقالية حاليا أو لعب دور سياسي في المستقبل.
ويرى بن جدو أن الثورة في تونس لم تحقق أهدافها حتى الآن، "بل ما زلنا في مرحلة انتقاليّة، وبقايا النظام ما تزال قوية"، موضحا أشكال التدخل الأميركي والفرنسي ومصالحهما الاقتصادية والسياسية والأمنية في تونس.
وفي لبنان، يتوقع بن جدو أن تحمل حكومة ميقاتي حالة جدية من الاستقرار، متحدثا على موقعه بين قوى 8 و14 آذار، ورأيه في الصراع السياسي، الداخلي والخارجي، وعلاقته ببعض القوى اللبنانية، لا سيما بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي تجمعه به علاقة صداقة شخصية منذ نحو 19 عاماً.
وتحدث بن جدو عن عمله كمدير مكتب قناة الجزيرة في لبنان ومقدم برنامج "حوار مفتوح"، وكذلك عن تجربته في إيران وما تعرض له خلال تلك الفترة، وفي تلفزيوني المنار وال"بي.بي.سي"، ولقاءه الحصري مع نصر الله أثناء حرب تموز، ودخوله إلى قطاع غزة، شارحا موقفه من الاعتداء الذي طال "الجزيرة" وتلفزيون الجديد أثناء الأحداث الأخيرة في لبنان، وتلك التي طالت تلفزيون المستقبل في 7 أيار.
الإعلامي غسان بن جدو حلّ ضيفا على "شباب السفير" خلال الأسبوع الفائت، فأجاب عن أسئلة المشتركين حول تجربته الإعلامية، وموقفه من النظام الإيراني وولاية الفقيه، والحركات الإسلامية في مصر وتونس، وعلاقة الجزيرة بأمير قطر، وما يجري اليوم في الجزائر واليمن ودول أخرى، كذلك عن موقفه من المثقفين والفنانين الذين دعموا مبارك وبن علي، ومحاولة منع قناة الجزيرة في مصر واتهامها بتغذية العنف والتطرف الإسلامي، وغيرها الكثير من الأسئلة.
شارك في الإعداد: إبراهيم شرارة، آدم شمس الدين، أسعد ذبيان، حياة الحريري وغدي فرنسيس






كيف تنظر إلى ما يحصل اليوم في مصر؟
دعنا ننطلق من أن ما يحصل في مصر هو ثورة، وليست مجرد اضطرابات أو تحركات احتجاجية. عندما ننطلق من ذلك، يختلف ليس فقط التقويم ولكن أيضا كيفية التعاطي معه. بمعنى آخر، عندما نتحدث عن تحركات شعبية احتجاجية آنذاك يصبح التعاطي معها على أنها تسعى لتحصل من السلطة بعض المطالب والمكاسب تعاطيا مشروعا وطبيعيا. عندما نتحدث عن ثورة، يختلف الوضع. الثورة تعني الثورة على ما هو قائم، بما فيه الدستور والقانون، ناهيك عن المنظومة الكاملة.
أنا أفهم أن ما يحصل في مصر هي ثورة، وهي مثلثة العناوين:
هناك ثورة على المنظومة الأمنية التي حكمت على مدى عقود طويلة بالقمع. وعندما نتحدث عن المنظومة الأمنية لا نتحدث عن اعتقالات فقط أو كم الأفواه. هذه منظومة كاملة تعني انتخابات غير نزيهة وعدم وجود تداول سلمي على السلطة وغير ذلك. وهذا كله تحكمه وتحميه هذه المنظومة الأمنية. والمسألة لا تنحصر في رئيس عسكري أو نائب رئيس أو رئيس حكومة، بل في منظومة كاملة تشمل حتى المحافظين والسفراء.
النقطة الثانية هي ثورة على انعدام العدالة الاجتماعية. عندما نتحدث عن 48 مليون مصري فقير، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي للتنمية الزراعية. وعن 2.5 مليون مصري يعيش في فقر مدقع بحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإدارية. وعن 45% من المصريين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم بحسب إحصاءات لجنة الإنتاج الزراعي في مجلس الشورى المصري نفسه. وكذلك عن 12 مليون مصري بلا مأوى، بينهم مليون ونصف في المقابر، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
النقطة الثالثة هي الثورة على المشروع اللاوطني للنظام الحاكم. هؤلاء الذين يتظاهرون اليوم يطالبون بمشروع وطني حقيقي يخرج مصر من اللادور أو اللامكانة، وإذا كان هناك من دور أو مكانة فالثائرون ليسوا راضين عنه.
هذه النقاط تحتاج إلى وقت لتتحقق. والثورة تنتصر عندما تطيح برأس هذا النظام وتوجد بديلا عنه. هذا البديل قد يكون ثوريا على غرار ثورات كبرى حصلت في التاريخ مثل الثورة البلشفية أو الثورة الإيرانية، وهي ثورات أطاحت بكل شيء. وهناك ثورات أخرى تحتاج مرحلة انتقالية. الثورة الفرنسية مثلا استمرت ثلاثين عاماً لتتمكن من إيجاد منظومة جديدة.
في البلاد العربية ما يحدث ربما يكون نموذجا خاصا. في تونس مثلا، ما حصل هو ثورة بلا شك. وما يحصل الآن هي مرحلة انتقالية، وفيها إما يستطيع النظام القديم أن يستعيد قوته ونفوذه وأن يجهز على الثورة، أو أن قوى التغيير ستتمكن من النجاح في المرحلة الانتقالية وتوجد نظاما جديدا وهيكلة جديدة.
الذي حصل الآن في مصر أن هيبة النظام كسرت، ولن يستطع لا مبارك ولا غيره أن يستعيد هذا الأمر. كما أن الثورة أعطت قوة دفع كبيرة للجماهير والشعب من الصعب القضاء عليها. هناك أيضا نموذج جديد هو الصراع بين الفايسبوك والجمل. والمقصود بذلك أن هؤلاء الثوار الجدد هم ثوار العصرنة والحداثة والتقنيات الجديدة والروح الجديدة التي ليست هي بالضرورة روح تغريبية، بينما الجمل، مع احترام ثقافة البداوة، يعني استمرار المنطق القديم في التعامل معهم.
رغم كل الحملات على الرئيس مبارك لكن ألا تعتقد بأن بلدا كبيرا مثل مصر من الصعب جدا تحقيق كل مطالب الشعب؟ ماذا تنصح الشباب العربي أن يفعل حتى يفهم الحاكم أو النظام أن مدة حكمه قد نفذت؟ ماذا يجب على الشعوب أن تعمل كي تحدد مدة رئاسة الحاكم؟
من الصعب طبعا، لأن الذي يحصل في مصر الآن ليس حربا أو ثورة على مبارك ونظامه فقط، بل هي ثورة على نظام دولي اختصره النظام المصري. نحن نتكلم عن نظام دولي يريد أن يجعل من إسرائيل كيانا شرعيا قائما بذاته ومتصالحا مع غيره، يتجسد في النظام المصري من خلال كامب دايفد. نتحدث عن نظام دولي يريد أن يطبق نموذجا في بلادنا قوامه الرأسمالية والبرجوازية الطفيلية، وهو منطق بعيد عن لغة الفلاحين والزراعة وبعيد أصلا عن لغة النيل. العنصر الثالث أن هذا النظام الدولي جعل من كل ما يقوله هو القانون، بغض النظر عن إرادة الشعب، والثوار يريدون ضرب هذا المفهوم. ويريد أن يجعل من القادة العرب قادة تابعين.
لماذا انفجر الوضع في السنوات العشر الأخيرة بهذا الشكل المخيف، فمنذ أحداث 11 أيلول لم تهدأ المنطقة؟
يجب أن نفرق بين ما يحصل الآن وما حصل على مدى السنوات الأخيرة. ما حصل بعد 11 أيلول هو انفجار لكن موضعي. يعني في داخل أو أميركا أو العراق.. تفجيرات هنا وهناك. نحن نتحدث اليوم عن ثورات تحصل، وهي على قطيعة مع تلك الأحداث والتفجيرات، ولا علاقة لها بها. نحن نتحدث عن شعوب وجماهير عربية أرادت أن تقول كفى لكل ما حصل على مدى عقود ماضية. وكل ثورة تحتاج إلى شرارة. ما حدث في تونس كانت شرارته محمد البوعزيزي، وما يحصل في مصر شرارته هي تونس، ولاحقا ربما نتحدث عن ثورة شرارتها ما حصل في مصر.
برأيك هل تخشى إسرائيل نظاما مصريا جديدا معاديا (أو محايدا) للكيان الصهيوني؟
إسرائيل وأميركا كلاهما يخشى أنه إذا نجحت هذه الثورة في القضاء على النظام الحاكم فإنها ستأتي بنظام بديل، وهذا النظام البديل قوامه القوى الوطنية بأضلعها الإسلامية واليسارية والقومية. إسرائيل لديها هذه الخشية، ولذا هي تحاول المحافظة على هذا النظام الحالي مهما كانت التكاليف، باعتبار أن الحفاظ عليه هو مكسب استراتيجي وخسارته ضربة كبرى.
كيف تقرأ وقوف عدد من الفنانين ضد ما يحدث في مصر وتضامنهم مع السلطة، وما هو دور الفنان الحقيقي برأيك؟
نحن نتحدث ليس فقط عن الفنانين بل عن فئة من المجتمع. الفنانون هؤلاء يرمزون إلى نخبة معينة، نخبة أفقية، جزء منها يجد مصلحته دائما في التملق ومعانقة السلطة. في تونس مثلا، قبل سقوط بن علي هناك 100 شخصية وقعت عريضة تطالب بالتجديد لبن علي، ومن بينهم للأسف فنانون تونسيون. هؤلاء يريدون الاستفادة من السلطة، والسلطة تريد الاستفادة منهم، وبعضهم جزء من هذه المنظومة.
هؤلاء خسروا مصداقيتهم وينبغي أن يعتذروا بصراحة من الشعب. وأنا من أنصار مقاطعة هؤلاء، بل أذهب إلى أبعد من ذلك، أنا لا أرى حرجا من وضع لائحة سوداء بأسماء هؤلاء في مصر وتونس وغيرها لمقاطعتهم.
هل منع قناة الجزيرة في مصر يعني تعتيما إعلاميا يراد به ارتكاب مجزرة بحق الشعب دون تغطية على غرار الثمانينات؟
بعد ما حصل في تونس، تأكد عدد كبير من الحكام العرب بأن هذه قناة "الجزيرة" تجاوزت الخطوط الحمراء. ما حصل في تونس كانت الجزيرة شريكة به لأنها واكبت الأحداث ولم تتوقف رغم الضغوط. لذا اعتبروا أن ما حصل هو تجاوز للخطوط الحمر، وفي مصر تفعل ذلك تماما، حيث تنقل الواقع كما هو، فيما هم لا يريدون ذلك.
هل تعتقد أن الجزيرة ستفعل الأمر نفسه لو حدثت ثورة مثلا في سوريا؟
شارك في السؤال:
أنا لا أعتقد أن هناك خطا أحمر على تغطية الجزيرة لأي انتفاضة تحصل في أي بلد عربي. لأنها ستفقد مصداقيتها. هناك نقطة هامة، ليست الجزيرة هي التي تحرك الناس وتختلق الثورات. هي تنقل ما يحصل، وهذا النقل يؤثر في الناس. بالتالي إذا تظاهر الناس في سوريا كما حصل في تونس ومصر، بالتأكيد ستنقله.
أعطي مثالا، حصل ذلك معنا في إيران في وقت الانتخابات. حصلت مظاهرات عارمة وضخمة والجزيرة غطتها بقوة. لكن عندما صارت هذه المظاهرات صغيرة ومتفرقة أعطتها الجزيرة مساحة بقدرها. غيرها ضخموا الواقع. حصل ذلك في لبنان أيضا. بعد اغتيال الحريري، كنا ننقل التظاهرات، رغم أن السلطة الحاكمة حينها كانت تضغط علينا لنتوقف.
أحداث تونس ومصر رافقتها أحداث سطو عديدة. لماذا لم يتم التنبه لاحتمالات الفلتان خصوصا أن النموذج العراقي ما زال عالقا في أذهاننا؟
في العراق لم تحصل ثورة. حصل احتلال وهو ما ولد فوضى. ثم كل حركة أو ثورة لها ضريبة معينة. وطرح الأسئلة عن عدد القتلى والخسائر المادية هو لتخويف الناس. أما الفوضى فلا خوف من حصولها.
هل من الممكن أن نرى ثورة جديدة في الضفة الغربية ضد من ذكرتهم وثائق الجزيرة أو ثورة فلسطينية لأجل القدس؟ وما رأيك في وثائق الجزيرة؟
هذه وثائق حصلت عليها الجزيرة ودرستها بإتقان وعناية من خلال الخبراء، ومن المفيد نشرها بغض النظر عمن يستفيد منها أو يتضرر. لكن لا أعتقد أن هذه الوثائق هي التي ستحرك الناس. الوضع في فلسطين مختلف، حتى التحركات التي تؤيد الثورة في مصر قُمعت ومنعت في الضفة الغربية، وكذلك غزة لم تتحرك.
بعد مصر، هناك من يرشح الجزائر أو ليبيا أو اليمن، أو سوريا، ما تعليقكم؟ هل تتوقع أن يسقط بعض الطغاة بعد ثورة تونس؟ وهل انتهت صلاحية الأنظمة العربية؟ وكيف ترى مستقبل العالم العربي؟
صلاحية الأنظمة انتهت منذ زمن. هي تتجدد بتجدد فسادها وتجدد قمعها، لكن على مستوى شرعيتها هي سقطت منذ زمن.
هل أتوقع بعض البلدان الأخرى؟ هذا يبقى في إطار التكهن. ما أود قوله أن الأنظمة العربية الأخرى لن تبقى كما هي. هناك أنظمة ستستبق التحركات الداخلية من أجل معالجة أوضاعها الداخلية، كخطوة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح. في اليمن مثلا الوضع خطير، وأي تحرك يعني حربا، لأن الشعب هناك مسلح.
بالنسبة لسوريا، هي تملك مشروعا وطنيا قوميا، هذا المشروع يحمي السلطة، لكن هذه السلطة تحتاج لعاملين لتحمي المشروع: العدالة الاجتماعية والحريات العامة.
المشكلة الأساسية في سوريا هي مشكلة الحريات. والنظام السوري الذي يمتلك مشروعا وطنيا يحتاج أن يحصن نفسه أكثر في إتاحة هامش الحريات.
هناك عناصر أخرى تجعل القيادة الحالية بعيدة عن خطر، هناك أولا المستوى شخصي، وأنا أعتقد أن بشار الأسد محبوب جدا من شعبه، ثانيا وبصراحة ما حصل في لبنان بعد العام 2005، على مستوى الخطاب السياسي أو خروج الجيش السوري، جعل جزءا كبيرا من الشعب السوري يلتف حول قيادته لأنه شعر بالإهانة. ففي زمن القطرية، الشعب في الداخل لا يتحمل انتقادا خارجيا. حصل هذا الأمر عندما تحدث السيد حسن نصر الله في وقت حرب غزة عن مصر، حينها أعتقد أنه قدم هدية لنظام مبارك بكلامه.
العنصر الثالث هو ما حصل في العراق، وهو بلد مجاور لسوريا، من فوضى واحتراق وتقسيم. هذا جعل الشعب السوري يقول: لا أريد النمط العراقي.
العنصر الرابع، ما يحصل في مصر وتونس تفسره شريحة واسعة في سوريا بأن الشعارات التي حملتها القيادة السورية على مدى السنوات الماضية انتصرت، لأن الأنظمة التي يتم ضربها الآن من الداخل هي ما تسمى بدول محور الاعتدال. بينما سوريا يعتبرها البعض رمز منظومة الممانعة. انطلاقا من كل ذلك أستبعد شيئا مماثلا يحدث في سوريا.
هل يبرر ذلك عدم التغيير؟
أنا قلت وأكرر، أنا مع المشروع الوطني المعادي لإسرائيل، لكني أقول أن هذا النظام وهذه القيادة تحتاج إلى أن تنفتح بإصلاحات سياسية جدية في الداخل، لأن ذلك يحصن المشروع الوطني والقومي.









لن أعود إلى تونس كإعلامي
ما هو أول شعور انتابك عندما سمعت بالشرارة الأولى لانطلاق الثورة في تونس؟ وماذا تمنيت في هذه اللحظة؟
أولاً، أنا كنت أخفي عن الناس، إلا الأصدقاء والعائلة طبعاً، بأنني معارض للنظام التونسي. أنا كنت ناشطا طلابيا وسياسيا في شبابي، وقد تمّت ملاحقتي من قبل النظام، حتّى في الخارج. في لبنان مثلاً منعت من الدخول إليه في العام 1990. في بداية حكم بن علي، كنت من المهللين له، وخرجت في مظاهرات 1987 ضد حكم بورقيبة رحمه الله ودعماً لزين العابدين. وكنت أوّل من بعث ببرقيّة علنيّة لزين العابدين تطالبه بتأمين حقوق الإنسان، وإعادة جوازات السفر للمعارضين السابقين. لكن عندما تمّ تزوير انتخابات العام 1989، بدأ الشك في هذا النظام. وعندما كنت مسافراً، عرفت بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة، وبأنّ اسمي من ضمنها، فلم أعد إلى تونس.
إذا، المعارضة منذ العام 1994، انقسمت بين خط مؤيد للمصالحة مع بن علي والاستفادة من الفتات، وطرف آخر انتمي إليه لم يؤمن بالمصالحة وراهن على أنّ الشعب سينتفض. لكن النظام تعامل معي منذ العام 2000 بصورة مغايرة، كوني صرت شخصية إعلامية، فحاول استمالتي.
هل توقعت هروب بن علي؟
على صعيد الشخصي توقّعت هذا الهروب، ذلك أن زين العابدين عندما كان في السلطة، طلب مناقصات شركات أمنية لتقديم خطّة لهربه، وقد وصلت في نهاية المطاف شركتين: إحداها إيطاليّة والثانية فرنسيّة. وقد أختار زين العابدين الأولى لأنّها قدمت سيناريو الهروب بأقل بدقيقتين من الأخرى.
كيف وجدت تونس وشعبها بعد الثورة؟ وهل تعتقد أن الثورة بلغت أهدافها برحيل بن علي؟ وما هو تقييمك لهذه الثورة؟
لم تحقق الثورة أهدافها حتى الآن، بل ما زلنا في مرحلة انتقاليّة، وبقايا النظام لا تزال قوية. تونس لديها راعيان: الأميركي الذي يحاول ضبط بوصلتها الأمنيّة والحرص على أنّها لن تتغيّر، وفرنسا التي تحاول الإبقاء على الهوية الفرانكفونية والمتوسطيّة لتونس. هذه السياسات تهدف لإبعاد تونس عن الحضن العربي، والهوية العربيّة، وهذا ليس في اللغة فحسب بل أيضاً في العلاقات الاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها..
أنا، على الصعيد الشخصي، ضد اجتثاث واستئصال أعضاء الحزب الدستوري لأنّ ذلك يولّد احتقاناً واحتراباً داخلياً. لكن أنا أيضاً مع فصل الحزب عن الدولة، والدخول في مرحلة ممارسة الثورة، وهي مرحلة أعتقد أنها لن تقل عن خمس سنوات.
خلال شهر الثورة، لم أقل كلمة واحدة أبداً. عملي كان سرياً وليس علنياً، وسنكشف يوماً عن هذه التفاصيل. أنا أعتبر بأنّها أكبر انتهازيّة عندما يثور الشعب، ويقتل، ويعتقل، ويأتي أشخاص ويركبون الموجة. لا يمكنني المزايدة على الناس، فمن صنع الثورة هم أهلنا في تونس، وعلينا الآن أن ندعهم ليقرروا شؤونهم. أنا أعطي رأيي في تواصل يومي مع الناس، ولكن ليس علناً.
بعد خلع الرئيس السابق لتونس بن علي من تختار أنت مكانه، ومن تتوقع؟
لا توجد عندي أسماء، لا ترشيحاً ولا توقعاً. نحن الآن أمام ثلاثة أنماط قياديّة في تونس. النمط الأوّل وهو من قيادات النظام السابق، وهي مرشحة لأن يكون أحد أعضائها مرشحاً رئاسياً، خصوصاً بعد فهم التأثير الأميركي والفرنسي. والصنف الثاني من القيادات هو الانتهازية، وهي التي قبلت المشاركة في الحكومة الانتقالية. والنوع الثالث هو القيادات الجذرية أو الراديكالية، وهي غير مؤهلة وأستبعد وصول أحد وجوهها إلى منصب الرئيس.
الأهمية الآن بالنسبة لي هي وضع القوانين العادلة التي تهم أكثر من أسماء الأشخاص.



هل أصبحت تونس تصدر مع "مشموم" ياسمينها، منتجاً جديداً هو "مشموم الحرية" أو "مشموم ثورة الشباب".. وأول من تنشقه هم المصريون؟
السؤال بمنتهى العقلانية.. الغرب أراد إطلاق تسمية "ثورة الياسمين"، على غرار الثورات التي فبركوها مثل البرتقالية في أوكرانيا وغيرها. أرادوها شعارات ناعمة ليتقبلها الناس، وفكروا أنّه "يا حرام، التوانسة غلابة وبينتجوا ياسمين"، فلنسمي الثورة ثورة الياسمين. وعلى الرغم من اعتزازي بالياسمين وحبه، إلا أنني ضد هذه التسمية.
نلمس نهجاً عند المثقفين والنخبة التونسية ومن يملكون النوافذ الإعلامية نحو إقصاء الإسلاميين. ما رأيك؟
أنا ضد الإقصاء في المطلق، أنا ضد إقصاء الشيوعي، والليبرالي، والإسلامي، وحتّى الموالي لأميركا.. في تونس، لدينا تيار إسلامي معتدل جداً، ونخبته مثقفة، وتؤمن بالديمقراطيّة. وقد أعلنت قياداتهم بأنّهم لا ينوون تطبيق الشريعة الإسلاميّة بالمعنى الخشن. وأنا أؤمن بأنّ هناك قوانين، تعد مكتسبات نرفض التراجع عنها (منها منع تعدد الزوجات). برأيي، يجب الاحتكام إلى الشعب وخياراته، وإن فاز أيّ كان، فلنختبرهم ومن ثمّ نحكم عليهم.
أصلاً، هناك فزاعة اسمها الحركات الإسلاميّة، ونحن لا ندرك بأنّها تطوّرت، ومشكلتنا أننا لا نقرأ. فأنا على الصعيد الشخصي قرأت مشروع الإخوان المسلمين في مصر، ولديهم وثيقة سياسيّة تتحدّث عن دولة مدنيّة لا دينيّة، وتؤمن بحقوق المرأة، والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وبرأيي هذا تطور واضح.
ما رأيك بالشيوعيين التونسيين الذين ومن دون شك شاركوا بإقصاء الطاغية بن علي؟
في تونس، الماركسيون صنفان، الأول انتهازي بامتياز، نظّر وشارك وكسب في حكم بن علي. وهؤلاء يمكنهم أن تنشر عنهم كتب عن الانتهازيّة وأن تدرّس في العالم. لقد عاش هؤلاء على شعار المشاركة بحجة مواجهة الإسلاميين. أمّا الصنف الثاني فهو راديكاليّ ومبدأي، وأنا أعوّل عليه لصوغ وتجديد الحركة اليساريّة بفكر سياسي جديد. ونحن العرب نحتاج إلى اليسار في نهاية الأمر.
هل من الممكن أن يستعيد النظام السابق في تونس أدواته تدريجياً في المؤسسات التونسية بلبوس جديد، كيف يحمي الشباب التونسي ثورته من أصنام جديدة؟ ما هي الخطوات التي سوف تحافظ على النصر في تونس؟ وما هي الضمانات والمؤهلات التي تصون هذا النصر؟
لا تزال وجوه النظام السابق، وكوادره، وبنيتيه الثقافيّة والأمنيّة موجودة. ومن أجل الحفاظ على مكتسبات الثورة، يجب أن توضع قوانين جديدة للانتخابات العادلة وتشريعات عامّة. كذلك يجب فتح المجال أمام الأحزاب لحرية التنافس. وفي حال التوقف وعدم تنفيذ الإصلاحات، ينبغي القيام بانتفاضة جديدة. وعلى قوى المعارضة، توحيد شعاراتها وعناوينها السياسيّة لإنقاذ الثورة بغض النظر عن إيديولوجياتهم.
كونك ناشطاً سياسياً ومعارضاً في الزمن الغابر هل يطمح غسان بن جدو بموقع سياسي في تونس أم يفضل البقاء في السلطة الرابعة؟ وما هي صحة الأخبار حول دعوتكم للمشاركة في الحكومة التونسية ورفضكم للأمر؟ ألا تعتبرون أن المشاركة في الحكومة هو واجب وطني للحفاظ على الثورة التي قامت من أجل الحرية؟ لماذا لا تقبل باستلام مركز في السلطة الجديدة؟ ألا ترى هناك فراغ سياسي في وطنك يحتاج إلى رجال صادقين في عملهم مثلك؟
لم أقل أنني دعيت للمشاركة في الحكومة التونسيّة، وقد حصل التباس في هذا الموضوع لأنّ إحدى الوسائل الإعلاميّة سألتني عن الحكومة الانتقاليّة الأولى، وأنا أعربت عن معارضتي لها وبأنّه لو عرض منصب عليّ فيها فلن أشارك، ففسر الأمر على غير ما هو عليه.
أنا أؤكد مجدداً بأنني لن أشارك في أي حكومة انتقاليّة، وخفت من أن تكون عودتي السريعة إلى تونس نوعا من الانتهازية، وأنا غير مستعد لتولّي أي منصب الآن. على مدار الأعوام العشرين الماضية، كانت همومي عربيّة شاملة، وتونس جزء من هذا الهم، ونشاطي كان هذا في هذا المجال.
الثورة في تونس الآن بحاجة إلى حماية، من الداخل ومن الخارج، وأنا سأقوم بما عليّ فعله، حسب موقعي.
ما هو رأيك بزيارة جيفري فيلتمان.. أليس هو نذير شؤم حيثما حل؟ وبرأيك وخبرتك ماذا يريد من الجيش التونسي؟ هو أعلن انه مع الشعب التونسي ويبارك ثورته لا بل يتمنى ان تنتقل الى كافة الدول العربية.. طبعا كل ما يقوله هو عكس ما يضمره، ولكن هل فقد الثقة بقدرته على تخريب لبنان بعد نجاح المعارضة فقرر التحول إلى تونس؟
أعتقد بأنّ جيفري فيلتمان ليس بنذير شؤم، ولا نذير فأل، وهو في غير الملف اللبناني، لا يملك لساناً، فهو مساعد وزيرة الخارجيّة لشؤون الشرق الأدنى، وتحديداً لبنان. أعتقد أنه أرسل إلى تونس ليبلّغ عن أمر ما، فالقرار اتّخذ على صعيد مجلس الأمن القومي بأن تبقى تونس ضمن الاتفاقية الأمنية.
ما وجه التشابه أو الاختلاف بين الثورتين الإيرانية والتونسية؟ ألا ترى أن تصدير الثورة الإيرانية لا يمرّ إلا عبر إحياء النعرات القديمة من مدافنها لتتمكن من بسط نفوذها، كما في اليمن مثلا؟
هناك فارق كبير بين الثورتين في تونس وإيران. فالثورة الإيرانيّة كانت جذريّة، وقد أطاحت نظاماً إمبراطورياً بالكامل، وقد كانت الثورة ملتفة حول قيادة الخميني، فعندما نزل من الطائرة أعلن في الشارع عن نيته تغيير النظام وحل الحكومة. أمّا في تونس فلا توجد قيادات لهذه الثورة. وفي إيران، كانت الثورة على كل شيء، على السياستين الداخليّة والخارجيّة، والدستور، والنظام، والحكم، في حين أنّ ثورة تونس لا تود تغيير المنظومة الثقافيّة، بل القضاء على الديكتاتورّية فحسب.
أنا ضد شعار تصدير الثورات، وهو يستخدم من دون أن يكون له أثر على أرض الواقع. فالقول بأنّ الإيرانيين صدروا ثورة للحوثيين في اليمن فهو مغلوط، لأنّ الحوثيون جزء من المجتمع اليمني، وقد تمّ تكبير دور إيران في هذا الإطار. فهل يصح القول أنّه عندما تعارك الحوثيون مع السعوديّة وانتزعوا بعضاً من أراضيها، أنّ الإيرانيين انتصروا على السعوديّة؟!










هذا موقفي من 8 و14 آذار.. وسوريا تتدخل في لبنان
أين تجد نفسك في خضم الصراع السياسي في لبنان؟
للصراع السياسي في لبنان عنوانان اليوم. الأول، هو صراع مع الخارج، والثاني في الداخل. في الشق الخارجي، أنا من أنصار المقاومة، كغسان بن جدو، فمقاومة الاحتلال واجب برأيي، وأدعمه. أما العنوان الثاني، فأنا لست معنيا بهذا الصراع.
هنا أشدد على أن الصراع هو صراع سياسي وليس مذهبيا أو طائفيا، وأن من يريد أن يستخدمه أو يهدف إلى استغلاله بهذا المعنى هو مخطئ استراتيجيا. أعتقد أننا اليوم أمام بناء جيل كامل قائم على إقصاء الآخر، وهذا أمر خطير، وهو مشروع حرب. الأحزاب السياسية في لبنان تتحمل المسؤولية، والإعلام يساهم في ذلك. أنا لست معنيا لا ب14 آذار ولا 8 آذار، مع تفاعلي الشديد مع هذا أو ذاك. مثلا، عندما طرحت 14 آذار شعار الحرية والسيادة والاستقلال تفاعلت معها، ومع كل شعار يهدف إلى الإصلاح، كما أنني تفاعلت مع شعار بناء الدولة والمؤسسات. أيضا، هناك قوى ثالثة أخرى، وهي قوى اليسار. أتمنى لهذه المنظومة الخير والمستقبل المشرق، لكنني بكل صراحة ومحبة أستبعد أن يكون لها أي دور في المستقبل إذا لم تجدد نفسها.
ما هي توقعاتك للبنان بعد تشكيل الحكومة؟ وما هو تصورك للوضع بعد إعلان مضمون القرار الظني؟
أعتقد أن الحكومة المقبلة، أي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ستشهد حالة جدية من الاستقرار، وربما هي تساهم في كسر نفوذ الأقطاب لهذا أو ذاك، وهذا مهم بحد ذاته، كما حصل مع المسيحيين من قبل، وكما يحصل مع السنة الآن. أما فيما يخص الطائفة الشيعية، فهي "مكسورة" وإن كان القطبان الأساسيان متناغمان. وفي الطائفة الدرزية، مع كل الاحترام أعتقد أن وليد جنبلاط هو القطب الأبرز، والتطورات الأخيرة في تونس ومصر أكسبته زخما جديدا عند أنصاره.
هل تعتقد أن سوريا ما زالت تتدخل في لبنان؟
نعم، ولديها تأثير ونفوذ، تماما كما تتدخل السعودية، وأميركا. لكن نستطيع أن نقول أن ما حصل أيضا من تغيير حكومي يشكل مكسبا أو انتصارا لتدخل سوريا على حساب التدخلات الأخرى كلها.
برأيك، هل انتصر حزب الله في حرب تموز أم كان مجرد صمود؟
كان صمودا كبيرا يلامس الانتصار لأن الأهداف الإسرائيلية لم تتحقق. هو لم ينتصر عليها عبر إزالتها من الوجود أو أنه حرّر أراضي فلسطينية، لكنه في هذه المعركة حقق أهدافا معينة، فانتصر. إذا هو انتصار، لأنه حقق أهدافه ومنع إسرائيل من تحقيق أهدافها.












هذه قصة لقائي بنصر الله.. وأرفض التعرض للإعلام
ربما لو عمل غسان بن جدو في بلد غير لبنان هل كان سوف ينجح باعتبار أن لبنان بلد الأزمات؟ هل كنت لتحقق كل هذه الانجازات لولا كونك مدير مكتب الجزيرة في بيروت؟
إذا كان صاحب السؤال لبنانياً أفهم سبب سؤاله، لكن العرب يعرفوني من قبل. المشاهد اللبناني يشاهد القنوات المحلية. أما العالم العربي، فيتابع الفضائيات أكثر من اللبناني وهو يعرفني منذ كنت في ال"بي.بي.سي".
لكن لا شك أن التطورات التي حصلت في لبنان في الآونة الأخيرة عرفت بي وعرفت غيري. فلبنان صار مركز الحدث منذ اغتيال الحريري وثم حرب تموز. أصبح لبنان يختصر مشهداً وصراعاً إقليميين دوليين بامتياز.
لكن ألم تستفد من وجودك في لبنان ومن علاقاتك بحزب الله.. هناك مثلا اللقاء بالسيد حسن نصر الله والدخول إلى غزة..؟
شارك في السؤال:
اللقاء الحصري مع السيد حسن نصر الله غير الذي حصل في غزة. أنا لي صفتان في العمل. في غزة كنت مقدم برنامج. ما حصل في حرب تموز مختلف. في ذلك الوقت كان التوقيت الذي اختاره السيد حسن مناسباً تماماً وأظن ان الشهيد مغنية كان صاحب الاقتراح. تصاعدت أخبار عن تفجير كبير استهدف السيد نصر الله وكان بحاجة إلى دليل يثبت انه لم يقتل. كان بإمكانه أن يثبت ذلك بإطلالة مسجلة كما باقي الإطلالات. لكنه فضل عرض إطلالة باللحم الحي. حين نختار اللحم الحي نختار صحافي. حين نختار صحفي نختار قناة، إما المنار أو أخرى. فقرر اختيار قناة أخرى لأنها بذلك تحصد مصداقية أعلى، واختار الجزيرة لأن أدائها كان مميزاً في الحرب. ولأني كنت في لبنان، فقالوا تفضل يا غسان... نعم لقد حظيت بهذه الفرص لأنني كنت مدير مكتب جزيرة في بيروت.. أما دخول غزة فلأنني أدير برنامجا حواريا وليس لأنني أعمل في لبنان.
ما الذي تبقى من روح غسان الطالب الجامعي بعد هذا المشوار؟
أنا لم أتغيّر. غسان الجامعي مثل غسان اليوم، لكن تراكمت خبرتي مع العمر. الطالب الجامعي كان شاباً وكان مناضلاً في الميدان. خبرة في الحياة والافق الرحب وزيارة البلدان المتنوعة تزيدني مدى. الروح هي ذاتها والدليل على ذلك هذا الشخص الذي كان أمام السفارة المصرية، حيث ذهبت للاعتصام مع ابني، وليس كصحافي.
ما رأيك بما حدث مع قناة الجزيرة في بيروت، وبموقف مي شدياق ان كلام النائب فضل الله في نقابة الصحافة عن حرية الإعلام أضحكها حيث قامت الدنيا من اجل الجزيرة ولم يهتموا لإقفال المستقبل في 7 أيار، وكذلك تعليق نقيب الصحافة محمد البعلبكي؟ ألا تجد أن هناك نوعا من التضخيم الإعلامي لما حدث؟ ولماذا دائما عندما يتعرض الإعلام لأي حادث تقوم القيامة في حين أن هناك أرواح تذهب هدرا وتمر مرور الكرام؟
مي شدياق كانت تعلق على كلام النائب فضل الله. أنا سمعت هذا الكلام عبر الهاتف منها قبل المؤتمر. ما حصل مع قناة الجزيرة في طرابلس، لست أدري إذا كان المستهدف فيه هو قناة الجزيرة أو قناة الجديد. لكن الجوهر ذاته. هناك من أراد أن يعتدي على الإعلام بهمجية وصلت إلى حد التهديد بالقتل. وبالمناسبة، عندما حاولوا اغتيال مي شدياق، تضامنّا معها جميعا. وعندما اغتيل سمير قصير، كنت أتحدث من الميدان على الهاتف وبكيت. رغم الخلاف الفكري السياسي بيني وبين سمير قصير، هو زميل إعلامي يعج بالروح، تختلف معه وتتناقش وفجأة تجده مقتولاً بتلك الطريقة. هذا غبر مقبول بالنسبة لأي إنسان.
منطق العنف غير مقبول. وقيادة تبار المستقبل لم تكن تقبل بما حدث. النائب مصطفى علوش نفسه، ومرافقوه، حاولوا أن يردوا الهمجيين. كان عنفاً إجرامياً، "كأن هستيريا ما حصلت". في 7 أيار، إحراق مبنى قناة المستقبل أنا أدنته على الهواء مباشرة. بل أكثر من ذلك، أدنت الحزب الذي اعتدى على قناة المستقبل. وتلقيت اتصالات من البعض في الحزب السوري القومي الاجتماعي، قالوا: "يا ريت ما ذكرت إسمنا". لكن لا، حصل ما حصل. وأنا كوسيلة إعلامية أدينه. كذلك عندما تم إخراج زملائنا من هنا (القنطاري) من قناة المستقبل، ذهبنا إلى هناك، وبقيت بشرى عبد الصمد على الهواء مباشرة ساعة ونصف لمواكبتهم.
أنت تستنكر من أحرق أحدى المحطات وأنا أوافقك، ولكن كيف لنا أن نتخلص من وسائل الإعلام الصفراء التي تمارس أبشع أشكال البروباغندا وغسل الأدمغة وتضليل الرأي العام وقلب الحقائق والترويج للمفاهيم الاستسلامية والعمالة المقنعة والدور الأخطر.. الفتنة؟
الاستسلام والعمالة المقنعة وغير ذلك، هذه أوصاف سياسية. والخطاب يواجه بالخطاب والممارسة بالإعلام المضاد. أما الفتنة فهي جريمة. لكن أيضا وصف الفتنة يستعمل في غير محله أحيانا. مثلا إذا تحدثت عن بلد ما، أو عن القمع وحريات الناس، أو إذا كشفت الوثائق عن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، قيل إنها فتنة. الفتنة هي عندما تستعمل قناة الإعلام لتزيد الاحتقان. قد تقول قناة ما "إن ما حصل في سبعة أيار هو غزو شيعي للمنطقة السنية"، أو تقول "حزب الله وحلفائه دخلوا إلى بيروت واستخدموا السلاح"، وهناك فرق كبير بين التعبيرين. لكن بكل الأحوال الاعتداء على الوسائل الإعلامية مرفوض تماما.
ألا ترى أن هناك نوعا من التهميش للأحداث المصرية إذا ما قارنا تصرف الجزيرة أيام انطلاقة ثورة الياسمين؟ وهل لزيارة مبارك إلى قطر قبل فترة علاقة بهذا الأمر؟
الزيارة كانت عشية الانتخابات، وقيل أن الرئيس المصري طلب من أمير قطر أن لا تغطي الجزيرة الانتخابات أو أن تتبع أسلوبا معيّنا في تغطيتها. أنا لا علم لي بهذا الحديث، ولكن سمعت ذلك. أما في الواقع، فنحن تعاطينا بشكل راقي وعادي آنذاك. وأما فيما يخص الثورة، فالعالم يشهد تغطيتنا ومواكبتنا منذ اليوم الأول.
لماذا برأيك تأخذ السياسة حيزاً أكبر من الاقتصاد في الكثير من القنوات الإخبارية رغم أن الاقتصاد والبترول هم أكثر الأسباب الحقيقية للحروب؟
البترول والاقتصاد خاضعا أيضا لقرار سياسي. الاقتصاد محرك أساسي، صحيح، لكن السياسة هي التي توجه الاقتصاد. والقنوات الفضائية ليست بالمجمل سياسية. القنوات الإخبارية قليلة بالمقارنة مع الترفيه والأغاني وغيره. أما في القنوات الإخبارية، فالحدث السياسي هو أكثر جاذبية للمشاهد. لكن عندما حصلت الأزمة الاقتصادية مثلاً احتلّت العناوين الرئيسية في هذه القنوات ولفترة طويلة.
في أي دولة عربية وجدت نفسك في مكتب الجزيرة فعّالا أكثر؟ ولماذا لا تظهر في "الحوار المفتوح" بحلة جديدة تهتم بجميع المواضيع وليس السياسية فقط؟
البرامج الحوارية في الجزيرة هي سياسية، ولدينا برامج أخرى لكن للسياسة الحيّز الأكبر. "حوار مفتوح" هو أكثر البرامج السياسية التي تناقش أمورا غير السياسة. تحدثت عن الشعر والشعب وذهبت وتكلمت مع الناس في مناطق أخرى، من الصين إلى أميركا إلى اندونيسيا وغيرها من الدول في العالم العربي.
إلى أي شخصية تجد نفسك اقرب، "المحاور التلفزيوني" أم "المراسل" وأيهما أكثر مشقة لديك؟
إذا كان الحدث يتطلب أن أكون في الميدان، أكون في الميدان. وعندما يتطلب حوارا أكون محاورا. أنا مع الحدث، لكنني دائماً أفضل الميدان.
ما هي أسباب الخلاف بينك وبين عباس ناصر الذي اجبر بسببه على الاستقالة، ولماذا لم تعين الجزيرة حتى الآن شخصا في مكانه، هل لأنكم لن تجدوا مثله؟
عباس ناصر كان أخاً وزميلاً وكان جزءاً من المكتب. وأنا اخترت ألا أتحدث في هذا الموضوع. هو الآن خارج الجزيرة، لكنه باقي في الأسرة الإعلامية، ولذلك لن أتحدث. الجزيرة لم تعين أحدا بعد لأنه ببساطة، عباس خرج قبل شهر فقط رسميا. ونحن قمنا باختبارات عدة وتم الاختيار بحسبها لكن التعيين تأخر لأن كل الأمور اليوم مؤجلة في "الجزيرة" بسبب ما يحدث في مصر.
هل ترى أن البث الفضائي يحتاج إلى رقابة وقوانين أكثر في ظل "الفلتان" عند بعضهم أم انه قد يأخذ منحى قمعيا لصالح الأنظمة تحت عنوان الإصلاح؟
هناك قوانين عامة ينبغي أن يحترمها الجميع. أكثر من ذلك يصبح قمعاً مستتراً باسم القوانين. أنا ضد هذه المسألة. في النهاية المشاهد هو الذي يختار.
البعض يرى أن قناة الجزيرة ليس لها أي أهداف محمودة في المجتمعات العربية.. إلا التحريض على الإرهاب والتطرف والخلافات والصراعات، فلماذا تشوه سمعتك الإعلامية الكبيرة بالعمل في مثل هذه القناة؟
هناك الكثير من الانتقادات التي استهدفت الجزيرة منذ انطلاقتها. عمر الجزيرة 15 سنة. عندما انطلقت قيل لنا إنها صنيعة السي.آي.إيه والموساد. ثم أصبحنا صوت صدام حسين، ثم صوت بن لادن. اليوم أصبحنا صوت التطرّف.
الحقيقة كالتالي: هذه قناة ممولة من دولة قطر وموازنتها معلنة. ودولة قطر منحتها هامشاً كبيراً من الحرية والاستقلالية، تماماً كما كنا في ال"بي.بي.سي"، وهي موضوعية بنسبة 90% وأكثر، رغم أنها مدعومة من الحكومة البريطانية. كذلك هي الجزيرة، مدعومة وحرّة.
أنا اعتقد أن أمير قطر رجل ذكي. الجزيرة أكسبته شهرةً وذاع صيت بلده. ونحن لدينا مدارس فكرية وانتماءات مختلفة طائفية ومذهبية وقبلية. نحن اتفقنا على تنوعنا في الجزيرة بشكل عام، وداخليا ننتقد بعضنا البعض بشكل كبير. ولدينا سياسة تحرير وأسرة تحرير. هذا هو الفاصل بيننا. لذلك نحن مستمرون. وأنا عندما أتكلم عبر وسيلة إعلامية، أمثّل شخصي فقط. لا أتكلم باسم الجزيرة. وشخصيا، أنا سعيد بوجودي في القناة، لأنها قناة عالمية واسعة الانتشار. وعندما لا أجد نفسي في الجزيرة أترك أو يصرفونني، لكنني مرتاح ومقتنع بها.



هل تنصح من يهتم بدخول مجال الإعلام بدراسة هذا التخصص أو تخصص آخر؟ وهل تشجع الشباب ليكونوا ناشطين سياسيين أم لا؟ ولماذا؟
أشجع كل شاب على أن يكون ناشطا سياسيا وفكريا وثقافيا لأنه ذلك جزء من صقل الشخصية. عدم النشاط هو استسلام. من لا ينشطون يصبحون من "قوم تُبَّع"، أي الذين ينتظرون قرارات الزعيم. أما عن الدراسة، فليس كل من نجح في الصحافة درس الإعلام. لكن إذا امتلك الناصيتين، ناصية الاختصاص الصحافي والثقافة.. فهذا جيد.
مجموعة من التمنيات: أولا أن تكتب عن أفكارك وتجاربك لكي يستفيد منها الصحافيون والناس، ثانيا أن تعطي للصحافيين الشباب من وقتك أكثر لأنك مبتكر في عالم الإعلام المتزن وصاحب مدرسة، وثالثا في سورية بالتحديد أتمنى عليك ان تجري دورة للصحافيين الشباب..
لا أعرف تماما لماذا لم أقتنع بعد بالتدريب أو لا أحبه. لدينا مركز تدريب في الجزيرة لكنني لا أهوى التدريب. كأنني أقول: من يريد أن يتدرّب فليشاهد ما افعله ويتعلّم. حتى في سوريا دعيت بالحقيقة لورش عمل وندوات، لكنني لا أحب ذلك.
أعتقد لا زال الوقت مبكراً لأكتب. الكتابة عن التجربة الإعلامية تحتاج مني مزيدا من الممارسة. والتجربة السياسية فيها أسرار وكواليس من مبكر التكلم عنها. كواليس لبنانية على وجه الخصوص. بلا تواضع مغشوش: أزعم وادعي بأنه أصبح لي نهج في الإعلام، لأني تعبت، حتى في الجزيرة، تعبت في كيفية التقديم والتقرير وإدارة المكتب. أعتقد أنني حصدت ثمن جهدي. وهذه قيمة الجزيرة، أنها تسمح لي ولغيري بأن يكون كما هو. لا ادعي بأنني مدرسة بل أقول: عملت لنفسي نهجا إعلاميا.. أتمنى أن يصبح مدرسة في يوم من الأيام.
التعبير اللفظي والتفكير الإبداعي من أحد سمات تواصلكم، الإبداع ربما هبة من الله تعالى، لكن التعبير اللفظي وسلاسة تذكّر الكلمات المناسبة، وتناغم الصوت في ظل ثقة المتكلم.. كيف بنيتها وما أهم قواعدها النفسية والعلمية؟
هذا سؤال محترف. هناك أشياء يتدرّب عليها الإنسان. مثلاً في آخر دورة تدريبية، فوجئ الزملاء أن طريقة الجلوس، طريقة التنفس.. كلها أمور تحتاج للتدريب. أنا أدرب نفسي. وأنا لست صوتاً مميزاً. هناك أصوات مميزة في الجزيرة، مثلاً الزميل حسن جمول، جمال ريان، وخديجة على سبيل المثال. هذه أصوات كبرى. أنا صوتي ليس كبيرا. هو متناسب مع شخصيتي. لذلك يضفي "عجينة" نجاح، لكنني كنت لأصلح مطرباً، فأنا اغني. وفي لحظة من اللحظات سألت نفسي "ليش ما كنت مطرب أو فنان" (يضحك).
كصحافي هل لك أن تشرح لطلاب كلية الإعلام كيف يكون الصحفي مهنيا وموضوعيا وخاصة في بلد مثل لبنان؟
أولاً، من اختار أن يدرس الإعلام فليدرسه ويكون نجيباً. ليعط وقته وليتابع ما يريد امتهانه ويشاهد ويثقف نفسه. فليواكب وليقرأ، وإلا يموت وينتهي. والصحافي المثقف هو غير المواكب. المواكب يأتيك بدلالات وشواهد، كأنه درس دروسه جيداً، تشعر من نقاشه بذلك. لكن تكتشف أنه مثقف إذا أعطاك معلومة تاريخية، بيت شعر، أو حكمة، فتعرف أنه صحافي مثقّف.
عليه أن يدرب نفسه ويقتنع بأن يكون دقيقاً. أحياناً يكون الصحافي دقيقا وجافا فلا يصل إلى الناس. وهناك من يكون دقيقا من موقع عدائي، فتكتشفه. وهناك من هو دقيق بمحبة، فتكتشفه من النبض في روحه. الدقة مسؤولية. وعلى الإعلامي أن يكون صاحب اختصاص، مثقف، متوازن، مواكب، وأن يكون متواضعاً. لأنه يتعاطى مع الشأن العام، ومع الناس.







أتكلم الفارسية.. وهذا هو موقفي من النظام الإيراني

كم بالمئة حققت من أحلامك؟ وماذا تتمنى هذا العام على المستوى العام؟
شارك في السؤال:
الأحلام متعددة. هناك أحلام شخصية، وأحلام ذاتية ولكن موضوعية. على الصعيد الشخصي، لقد تحقق الكثير وهذا رضى من الله ونعمة من عنده على المستوى المالي أو الشخصي، خصوصا أنني بنيت أسرة واستطعت التوفيق بين العائلة والعمل.
على الصعيد العام أو الموضوعي، أشهد أن الإعلام تطور وأصبح فاعلا. في السابق، كانت الصحافة تتعرض للقمع والإكراه والآن أصبحنا واحة إعلامية. أن يكون الإعلام سلطة رابعة حقيقية، وصانع في السياسة وصانع الحدث في الميدان وشريك في الثورات والانتفاضات، فهذا كان بالنسبة لنا بمثابة الحلم. وهو يتحقق الآن.
أما على الصعيد السياسي، فأنا لم أحقق بعد كل أحلامي السياسية لأن النظام الأمني البوليسي لا يزال مسلطا على رقابنا. أنا رجل من أنصار الوحدة العربية. أما حلمي الأكبر، وهنا أتمنى أن لا يقول عني صاحب السؤال أنني واهم، فهو أن أدخل القدس محررا وليس زائرا.
ما الذي تتمناه لأولادك؟
شارك في السؤال:
كأب، أتمنى أن يحصنوا أنفسهم بقيم أخلاقية تسمح لهم بأن يعيشوا في المجتمع في راحة واستقرار دون أن ينغمسوا في الانفلات الأخلاقي غير المقبول. كما أتمنى أن ينجحوا في دراستهم بما يؤهلهم أن يعيشوا في المجتمع بشكل طبيعي، وأن يكونوا ناشطين كل حسب اختياره، أي ناشطين في المجال الخيري أو السياسي أو الاجتماعي، الخ. وأخيرا، أتمنى أن يغفروا لي أي تقصير وأن يعذروا بعدي عنهم.
ما الكلمة التي تقولها للسيد حسن نصر الله؟
أحبك وأثق في حكمتك وأتمنى أن يعرف مخالفوك وخصومك حقيقتك وقدرك. كما أتمنى أيضا أن يمكنك ما أنت فيه من حصار من أن تعرف الآخر أكثر وخصوصا خصومك. لأنك عندما تعرفهم، ستدركهم، وستعزز ما نعلم أنك تمتلكه، أي الحكمة.
ما نصيب شبكات التواصل الاجتماعية مثل "فايسبوك" و"تويتر" من وقت غسان بن جدو؟ هل يخصص لها وقتا للتواصل مع محبيه؟
كلا، للأسف. هناك مواقع باسمي لكن لا علاقة لي بها. وأعتقد أن ما حصل في تونس ومصر أكد لي أنني مخطئ أو متخلف، وأنه ربما يجب أن أخصص وقتا لهذه المواقع. وحسنا فعل هؤلاء الشباب حتى يلقنونني درسا بأن الابتعاد كان خطأ. أنا أحب القراءة، ومن الذين يخشون بأن الاهتمام بهذه المواقع سيستهلك من وقت القراءة.
لماذا لا يعجبك أن يحسبك أحدهم على تيار المقاومة وقوى 8 آذار في لبنان، أذكر أنك امتعضت في أحد اللقاءات من اتصال أحدهم عندما نعتك ب"المقاوم". هل يشكل ذلك خللا في صورة الإعلامي الحيادي؟ ألا يعجبك أن تكون مقاوما؟
أولا، أنا لم أمتعض. وقد أجبت على السؤال فيما يتعلق بموقفي من المقاومة. كل ما أقوله أن كل شخص يجب أن يأخذ حقه. إذا تمت المقارنة بين قناة "الجزيرة" وبين قناة "المنار"، أقول أن "المنار" هي قناة مقاومة لكن الجزيرة ليست كذلك. كما أنني لا أسمي نفسي صحافيا مقاوما.
كيف ترد على من يتهم غسان بن جدو بأنه تابع لإيران و"حزب الله"؟ هل تجيد اللغة الفارسية؟ هل زوجتك هي إيرانية بالفعل؟
زوجتي ليست منتمية إلى أي حزب ولا تنشط في أي قطاع. هي طبيبة، تحمل شهادتي دكتوراه وهي باحثة وتتابع دراستها في الطب البديل، ليس الأعشاب بل الطب النفسي والعرفاني. وأصبح لديها قدرة ان تعالجنا بالطاقة، هذه زوجتي. ليس لها أي علاقة بتنظيم لا حزبي ولا ديني ولا من يحزنون.
ثانياً، الوتر الطائفي والمذهبي عندي ميت بالكامل. لا تقولوا لي مسيحي أو شيعي ولا سني ولا درزي. أنا يعنيني الإنسان كإنسان. لا علاقة لي بهذا الموضوع. هذه كذبة. جمال عبد الناصر كان سنياً. والسيد حسن قيمة كبرى لهذا العالم وهو شيعي. تشافيز مسيحي. وكاسترو ملحد.
أنا أمي مسيحية وجدي مسيحي، وبالتأكيد سيسبقني ويسبق شيخ الأزهر إلى الجنة (يضحك). لأنه لم يكذب وعاش زاهداً فقيراً. لا علاقة لزوجتي بحزب الله. سيستغرب القارئ ربما لكن أنا لا املك علاقة متينة أو استثنائية بحزب الله، والدليل على ذلك، هناك أخبار مهمة تنشرها بعض الجرائد من دون أن أعرفها أولاً. هؤلاء صحافيون يملكون علاقات بكوادر وقيادات ومصادر معلومات كثيرة. أنا أحب المقاومة لأنها مقاومة ولكن ليس بالشكل الذي تتصوره الناس.
في المقابل، أنا لا اخفي علاقتي الشخصية بحسن نصر الله منذ حوالي 19 سنة، وهذه العلاقة استمرت بمعزل عن الأمور الصحافية. أنا أفصل تماماً بين عملي وعلاقاتي الشخصية. ألتقي الكثير من القيادات والمسؤولين بصفتي الشخصية وليس كصحافي.
أما في ما يخص اللغة الفارسية، نعم أنا أتحدثها واقرأها لكن لا أجيدها. والد زوجتي إيراني، وكان يعيش في لبنان، وهي تحمل الجنسية الإيرانية.
كيف تطورت وظيفياً منذ انطلاقتك الأولى؟
في العام 1990 بعد رحيلي عن تونس بدأت في العمل في جريدة "الحياة" لمدة سنة ونصف. من بعدها انتقلت إلى "معهد الدراسات الدولية" في واشنطن، ومن بعدها عملت لفترة في مجلة "انترناشونال أفاريز" وأصبحت رئيس تحريرها. ثم عملت لبضعة أشهر في قناة "المنار"، وكانت دعوتي إليها في إطار رغبة القناة بالانفتاح و استقطاب وجوه إعلامية لا تنتمي إلى حلقتها الضيقة.
في العام 1995 بدأت العمل في ال"بي بي سي"، وانتقلت من بعدها إلى قناة "الجزيرة" عام 1997. وفي العام 1998 حين كنت مدير مكتبها في طهران، شغلت منصب المدير الإقليمي للمحطة. في العام 2005 قدمت إلى بيروت من طهران. واشغل منصب مدير مكتبها حتى هذا اليوم.
ما رأيك في النظام الإيراني اليوم وبولاية الفقيه الخامنئي؟
المرشد الخامنئي، بحسب ما أعرفه عنه، هو رجل دولة و حركة ثورية. و كان رجلا ميدانيا في الحركة الثورية السرية. يجمع ما بين كونه قائدا ثوريا ورجل دولة. يتقن العربية ويحب الشعر كثيراً.
على الصعيد الشخصي، أعتبر أنه لديه منهجا خاصا في القيادة يختلف عن الخميني. رجل استطاع أن يحمي الثورة التي أتى منها. وهو من رموز المنطقة. في إحدى فترات حكمه وبعد انتخاب الرئيس محمد خاتمي، وظهور توجهين في القيادة الإيرانية، الأول محافظ والأخر إصلاحي، ولم أخفِ انتقادي له بعد أن أظهر انحيازه إلى الخط المحافظ، والتحفظ على حرية الصحافة والتعبير. دفعني ذلك إلى القول في إحدى حلقات برنامجي
(وعلمت لاحقاً أنه شاهدها) أن الفرق بين الإمام الخامنئي وشاه إيران، أن الشاه كان يضع تاجاً أما الخامنئي فيضع عمامةً. تعرضت إثر ذلك إلى الكثير من المضايقات والضغوطات. ولكن ما أعجبني أن رجلا بمركزه وبقوته كل ما فعل هو أن اتصل بالرئيس خاتمي وقال له "غسان بن جدو زودها، حاول احكي معو". لو كنت في أي بلد عربي مثلا وفعلت ما فعلت، لكنت حرقت بالأسيد.
أما في ما يتعلق بالنظام كمؤسسة فأعتقد أنها مازلت تخطئ في كثير من الأحيان في مخاطبة الوعي العربي، ويبدو ذلك جلياً في الكثير من التصريحات التي تصدر عن رموز المؤسسة. على سبيل المثال ما قاله الإمام الخامنئي في خطبة الجمعة الماضية حين دعا إلى شرق أوسط إسلامي.
لماذا لا تنتقد قطر وأميرها؟
سأحاول أن أكون صريحاً هنا. السؤال بحد ذاته يقفز مباشرةً فوق الإيجابيات التي يمكن تسليط الضوء عليها، بدلاً من الدخول مباشرةً في عملية انتقاد قطر أو الأمير. يجب بدايةً النظر كيف كانت قطر في السابق وهي لم تكن سوى "قرية"، قبل وصول الأمير إلى السلطة. قبل كل شيء لا أريد أن يفهم حديثي على أنه تملق أو مديح. لا يخفى على أحد أن قطر هي الممولة الأساسية لقناة "الجزيرة". وأن يسمح لنا ك"جزيرة" بعد أحداث 11 أيلول أن نفعل ما نشاء، مسألة في غاية الأهمية. إضافةً إلى ذلك زيارة الضاحية بعد حرب تموز، ودعم قطر كدولة أثناء حرب غزة، ومساعدة لبنان (اتفاق الدوحة) يظهر الكثير من الإيجابيات لدى الأمير، بالتأكيد في نهاية الأمر، هو حاكم وأنا ناشط، وبالتالي النظرة والتقييم يختلفان دائماً.
ما هو شعورك عندما فقدت الساحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله؟
شارك في السؤال:
هاشم الصالحي ابو محمد


في البداية أقول أني فقدت أباً وأستاذاً وصديقاً. السيد فضل الله هو الذي عقد قراني. أقسم أنني بكيت عليه أكثر مما بكيت على والدي.
أن يحترم رجل دين في بيئة تكره رجال الدين أمر في غاية الأهمية. وهذا كان من مميزات السيد فضل الله. لقد خسرنا وجهاً منفتحاً، وعالماً، ومرجعاً لا يتراجع عن المبادئ، ويتمتع بنخوة واستقلالية عالية جداً.
وأعتقد أنه ظلم من الشيعة أنفسهم، في ما يتعلق بالكلام الذي كان يوجه إليه من كافة المراجع الذين اختلفوا معه ومنها "حزب الله" وإيران. ولكن من الإيجابيات التي قام بها السيد نصرالله هي منع كل الكلام المسيء تجاه السيد فضل لله الذي كان يصدر من بيئة "حزب الله".
ما رأيك بزميلك فيصل القاسم، من الأفضل بينكما؟ وهل هناك تنافس أم غيره؟ كم تتقاضى في الشهر؟
الزميل فيصل القاسم هو منارة من منارات "الجزيرة"، ولقد أعطى "الجزيرة" بقدر ما أعطته. استطاع في برنامجه أن يكسر المحرمات التي لم يجرؤ أحد من قبله أن يقوم بها. وما نراه اليوم من أسلوب في التعامل مع المواضيع الحساسة نراه أمراً طبيعياً، ولكن القاسم كان من الأوائل الذين بدأوا بهذا الأمر. تربطني به صداقة جميلة جداً. أما في ما يخص التنافس، فلا أعتقد أنه موجود. برنامجي وبرنامجه يختلفان كثيراً. أما في ما خص موضوع الراتب فلا يحق لي أن أصرح والسبب هو أنه جزء من شروط العمل في المؤسسة أن لا نصرح عن المبلغ الذي نتقاضاه، ولكن يمكن أن أقول أنه مبلغ جيد ومرتفع.
أفضل ثلاثة كتب قرأتها؟
الكتاب الأول الذي لا يمكن أن ألحق به أي كتاب أخر، هو القرآن الكريم. ولكن يمكن أن أقول أن هناك مجموعة من الكتب التي أحببتها وتأثرت بها. على سبيل المثال سيرة حياة مانديلا. وأحب كثيراً مجموعة أشعار المتنبي. كذلك أحب كثيراً قراءة المذكرات وخصوصاً مذكرات القادة الأمريكيين.
إن خيرت الآن بين أن تعمل في تونس أو أن تبقى في لبنان فماذا تختار؟ هل تفكر في العودة للإقامة في تونس؟
إذا بقيت في لبنان فأكون بذلك أعلّي همي العربي عن همي التونسي القطري. و يجب أن أقول هنا أنني من المناصرين ومن المؤمنين بالوحدة العربية. ولكن في حال قررت العودة إلى تونس أكون بذلك قد جعلت من تونس أولويتي. ولكن لن أعود إليها كإعلامي. في أغلب الظن سأعود كناشط أو سياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.