لم يعد الامر يستوجب دليلا فكلما اقترفت اسرائيل المزيد من الجرائم والانتهاكات كلما بادر الغرب والانظمة التي ترفع شعار الديموقراطية الى مكافاتها بل وإلى دفعها للمضي قدما في سياسة الانتهاكات والاستهزاء بقرارات الشرعية الدولية، قبل ساعات فقط وعشية الذكرى السنوية لمجزرة صبرا وشاتيلا التي ذهب ضحيتها مئات اللاجئين الفلسطينيين على أيدي الكتائب تحت غطاء وبأوامر من البلدوزر ارييل شارون... جاء الاعلان من العاصمة البريطانية لندن عن الغاء قانون يمنح المواطنين البريطانيين حق استصدار أوامر بملاحقة واعتقال المسؤولين الاجانب بارتكاب جرائم حرب وذلك نزولا عند رغبة اسرائيل التي شنت حملة ديبلوماسية على مدى الاشهر الماضية لم تهدأ ولم تتوقف قبل أن تحقق هدفها. ولعل في تواتر تصريحات المسؤولين الاسرائيليين المرحبة بالقرار البريطاني ما يمكن أن يعكس أهمية هذه الخطوة بالنسبة لسلطات الاحتلال وما يمكن أن توفره من حصانة لمن تلوثت أيديهم من المسؤولين الاسرائيليين بدماء الفلسطينين الابرياء في مختلف المجازر المقترفة من القدس الى جنين والخليل وغزة وبيروت وسيناء وتونس... ولاشك أن تحقيق هذا الهدف ما كان أن يتحقق بدون محاولات الضغط والمساومات والابتزاز الرخيص من الجانب الاسرائيلي الذي يجد في كل مرة في اللوبي اليهودي المتغلغل في وسائل الاعلام المنحازة ما ساعد في اسقاط هذا القانون الذي كان يسمح بتحريك الاجراءات الجنائية أمام المحاكم البريطانية والدولية لاستصدار مذكرة اعتقال في حق السياسيين والعسكريين الاسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم في حق الشعب الفلسطيني بمجرد دخولهم الاراضي البريطاني. على أن المهم أن هذا القانون الذي كان وراء الغاء عسكريين وسياسيين اسرائيليين رحلاتهم الى لندن خوف الاعتقال ليس الاول من نوعه فقد نجحت قبل ذلك آلة الدعاية الاسرائيلية في اسقاط قانون مماثل يعرف «بقانون الصلاحيات الشاملة» في بلجيكا بعد أن نجح محاميان في هذا البلد ومنذ1993 في رفع دعوى ضد شارون للمطالبة بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبها وذلك وفق القانون البلجيكي الذي يسمح بملاحقة المتهمين بجرائم حرب حتى وان كانوا خارج الاراضي البلجيكية كل ذلك قبل أن ترتفع أصوات مطالبة بالغاء القانون وتبدأ محاولات الابتزاز بملاحقة بلجيكا بسبب ماضيها الاستعماري في الكونغو حينا وبنقل مقر الحلف الاطلسي من بروكسيل حينا آخر الامر الذي أدى الى الغاء القانون منذ 2003. وبالعودة الى القانون البريطاني فقد أوشكت ليفيني وزيرة الخارجية السابقة ومثلها باراك وغيرهما أن تجد نفسها مقيدة تقاد الى التحقيق لولا أن أحد المسؤولين البريطانيين سارع في احدى زياراتها الى تنبيه رؤسائه في لندن واتخاذ القرار بمنع ليفني من مغادرة الطائرة وعودتها الى اسرائيل مفضلا انتهاك القانون على احراج أو مواجهة غضب الحليف الاسرائيلي... قد لا يختلف اثنان في أن كل بيانات الادانة والاستنكار لن تعيد الروح الى الاموات ولن تدواي جروح أهالي كل الضحايا والابرياء من نساء وأطفال وشباب وشيوخ ممن طالتهم الالة العسكرية الهمجيةالاسرائيلية ولكن الاكيد أن هناك اليوم حاجة لا الى حملة ولكن الى حملات مفتوحة مع انطلاق الجهود الفلسطينية لاعلان الدولة الفلسطينية لكشف ما خفي من جرائم اسرائيل والاصرار على المطالبة بملاحقة المسؤولين عنها واذا كانت الانظمة الغربية لا تتوانى في توفيرالحماية للمحتل فان الرأي العام لن يقبل بالمغالطات الى ما لانهاية...