أثارت مذكرة الاعتقال الصادرة بحقّ وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني في لندن كثيرا من الجدل حول مدى فاعلية القضاء البريطاني والدولي عموما في تعقّب المجرمين الاسرائيليين خاصة بعد اعتذار رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون للحكومة الاسرائيلية وتعهّده بعدم تكرار مثل هذه الحادثة.. ومن المصادفات والمفارقات أيضا أن هذه الخطوة جاءت بعد مرور نحو عام من «محرقة» غزّة التي سقط فيها حوالي 1400 شهيد فلسطيني منهم من قضى بالفسفور الأبيض وبأسلحة محرّمة دوليا.. ولكن هذه الجرائم كلها على فظاعتها ووحشيتها لم «تشفع» على ما يبدو لهؤلاء الضحايا حتى ينصفهم القضاء الدولي ويقتصّ من جلاديهم الصهاينة.. ولم تشفع لهم حتى يجدوا من «يستمع» إلى عذاباتهم المريرة في هذه الحرب غير مسبوقة.. فمن يمنع محكمة الجنايات الدولية التي وصلتها آلاف الطلبات والشهادات الموثقة بالصور من أن تصدر مذكرات باعتقال هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم لقاء ما افترفوه.. أم أن الكيل بمكيالين هو الذي أعمى بصر وبصيرة هذه المحكمة ومسؤوليها عن هذه الجرائم؟ ثم أين القانون الدولي من هذه الفظاعات.. أم أن دوره أن يبقى «مجرّد اختصاص».. وليس القصاص؟ هذه جملة من أسئلة توجهت بها «الشروق» إلى الأستاذ في القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق الدكتور عبد اللّه الأشعل والسياسي البارز والقيادي في حركة «فتح» حسام خضر ضمن هذا العدد الجديد من الملف السياسي.. د. عبد الله الأشعل ل «الشروق»: ما يجري حرب بين الابتزاز الاسرائيلي والعدالة الدولية تونس (الشروق) : لاحظ الدكتور عبد ا& الأشعل الاستاذ في القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري السابق في حديث ل«الشروق» أن مذكرة الاعتقال بحق تسيبي ليفني صدرت عندما تأكد القاضي البريطاني من وجودها في لندن ولذلك تم تهريبها بالتعاون بين لندن وتل أبيب وهو ما كشفه التلفزيون الاسرائيلي. وأوضح أن عملية تهريب ليفني هذه تعبّر عن أقصى نقطة وصل اليها الغرب في التلاعب في جهود الملاحقات القضائية ضد المتهمين الاسرائيليين بارتكاب جرائم حرب في غزة. تناقض أوروبي وأضاف ان هذه القضية تشير الى ان أوروبا تتناقض مع نفسها فهي تطالب بعدم الافلات من العقاب وفي نفس الوقت تساعد المجرمين الاسرائيليين على الافلات من العقاب... بل ان هذه الدول تقوم بتطويع نظمها الوطنية خصيصا حتى يفلت هؤلاء المجرمون من العقاب، مشيرا الى ان هذا الامر حدث في اسبانياوبلجيكا وها هو يحدث اليوم في بريطانيا.. كما أبدى الدكتور عبد الله الاشعل في هذا الاطار استغرابه من الاعتذار الذي قدّمه رئيس الوزراء البريطاني الى الحكومة الاسرائيلية وتعهّد لها بأن ذلك لن يحدث مرة أخرى، مشيرا الى ان هذا يعني انه سوف يقوم بتعديل القانون البريطاني الصادر عام 1957 والذي منح القضاء البريطاني الاختصاص العالمي على أساس اتفاقات جنيف الموقعة عام 1949. وأضاف ان المشكلة القائمة اليوم هي ان بريطانيا تواجه الآن مأزقا خطيرا إما ان تعدّل القانون البريطاني بحيث يسمح بالافلات من العقاب بسبب ارتكاب الجرائم المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف، وهذا يعبّر عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وإما أن تحترم قضاءها وتجد نفسها في أزمة مع اللوبي الصهيوني. ورأى أستاذ القانون الدولي ان هناك عديد الافكار تطرح في هذا الشأن من بينها تعديل قانون الاجراءات الجنائية بحيث يسمح بتدخل النائب العام قبل صدور القرار وهذا ما يجعل من النائب العام تابعا للحكومة. ولاحظ الأشعل في هذا الصدد ان بريطانيا تتجه الى تسييس القانون الدولي في تطبيقاته الوطنية وهو ما يشبه الصيغة المعمول بها في الولاياتالمتحدة بما يسمى «أعمال السيادة» اي عدم شلّ السلطة الوطنية عن طريقة القضاء في ادارة الدولة، مشيرا الى ان هذا الاتجاه يهدد مبدأ العدالة الدولية ويظهر التناقض الكامل بين مطالبة أوروبا بتسليم الرئيس السوداني عمر البشير وبين رفضها (أوروبا) محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة. دعوة للتحرّك ودعا رجل القانون الدولي العرب في هذا الاطار الى التحرك على المستوى الشعبي وعلى مستوى المنظمات غير الحكومية وأيضا على مستوى الحكومات من أجل تذكير أوروبا بالتزاماتها الدولية وبألا تهزم الشعور عند الشعب الفلسطيني بأن هناك عدالة دولية محذرا من ان التهاون في محاسبة اسرائيل وانقاذ جلاّديها من الاعتقال والمحاكمة سوف يشجع هذا الكيان على المضي قدما في سياساته الاجرامية ودعا الاستاذ عبد الله الأشعل الدول العربية التي لها علاقات مع اسرائيل الى منع قادة الاحتلال من زيارتها ورفع دعاوى ضدهم مشيرا الى أنه لن يكون في إمكان القضاء الوطني في هذه الحالة التذرع بقضية السيادة الوطنية. ووصف الأشعل في سياق رده عن أسئلة «الشروق» ما يجري بأنه حرب بين الابتزاز الاسرائيلي والعدالة الدولية، مشددا على ضرورة ان تنتصر العدالة الدولية في هذه المعركة. وأضاف: «نحن اليوم نقاوم دولة غير عادية وصنيعة للغرب... ولذلك يجب ألا نستعجل النتائج». وتابع: «إن اسرائيل بعد محرقة غزة لم تعد تنتمي الى الجنس البشري وهذا يشكّل سقوطا للمشروع الصهيوني الذي يزعم انه يقوم على الجانب الاخلاقي». وأوضح ان السلاح الذي كانت ترفعه اسرائيل في وجه من تتهمهم بما يسمى «معاداة السامية» أصبح بلا أسنان بعد الانهيار المعنوي الذي حدث للمشروع الصهيوني في غزة. واعتبر أنه كان على الأممالمتحدة ان تتبنى هذه القضية ولكنها لم تصدر قرارا، واضحا بهذا الشأن مشيرا كيف ان محكمة الجنايات الدولية التي كثيرا ما هللت لتطبيق العدالة الدولية في دارفور لم تحرّك ساكنا رغم ان هناك اكثر من 300 دعوى على الأقل موثقة على مكتب أوكامبو منذ أفريل الماضي. وأكد السيد عبد الله الاشعل ان هذه المحكمة بهذا التهاون وهذه الازدواجية التي تتعاطى بها مع ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب كتبت شهادة وفاتها قبل أن تبدأ. حسام خضر ل «الشروق»: «سلاح» القانون الدولي ضروري لردع الصهاينة... لكن! تونس (الشروق): أكد القيادي الفتحاوي الفلسطيني البارز حسام خضر في حديث ل «الشروق» أن ما جرى على صعيد الموقف الرسمي البريطاني الذي اعتذر عن صدور مذكرة اعتقال بحق وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة تسيبي ليفني يدلّل على مدى النفوذ الصهيوني في لندن وعلى مدى انحياز السياسة البريطانية والاوروبية بشكل كامل الى الجانب الاسرائيلي. وأوضح السياسي الفلسطيني والنائب في المجلس التشريعي أنه لا يستغرب هذا الموقف البريطاني الذي عبّر عنه رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون لما اعتذر عن صدور مذكرة الاعتقال لأن اسرائيل كما يقول هي مشروع استعماري أوجدها الغرب الامبريالي خدمة لمصالحه في المنطقة وسعيا الى إخضاع هذه المنطقة والسيطرة عليها وعلى مواردها الاقتصادية... وأضاف في معرض إجابته عن أسئلة الشروق: «من هنا أعتقد أن الرهان على أن تقف أوروبا سياسيا مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية هو رهان فاشل ما لم تمارس الجامعة العربية دورا ضاغطا على هذه الحكومات الاوروبية». وتابع حديثه: «يجب أن يكون هذا التعاطي البريطاني الفجّ مع مذكرة اعتقال ليفني رسالة للعرب للتحرك وممارسة ضغوطهم على القادة الاوروبيين من خلال العلاقات الاقتصادية والعسكرية العربية مع الاوروبيين. كما دعا النائب الفلسطيني حسام خضر العرب في هذا الصدد الى ممارسة ضغوط سياسية وقانونية على القضاء البريطاني عبر مختلف المنظمات والهيئات القانونية التي عليها أن تتحرك في اتجاه الضغط على المؤسسات القانونية البريطانية والاوروبية عموما... وأضاف: «نحن اليوم لا نطالب باستخدام سلاح النفط في هذه المعركة لأن سلاح النفط أصبح خاضعا للسيطرة الامريكية بل إننا نطالب باستخدام السلاح القانوني» مشدّدا على أن هذا السلاح قادر على لجم العدو الصهيوني وردعه عن ارتكاب جرائم حرب أخرى بحق الشعب الفلسطيني». القانون الدولي والمجرمون الصهاينة: وسيلة للقصاص... أم «مجرد اختصاص»؟ تونس «الشروق»: عرف عن قادة الاحتلال الصهيوني ارتكابهم لمجازر بشعة بحق الشعب الفلسطيني لا سيما الأطفال والنساء والشيوخ منهم. فبعد مجزرة صبرا وشاتيلا ومجازر الضفة الغربية وقطاع غزة أصبح العالم ينظر إلى القادة الصهاينة على أنهم مجرمو حرب. وقد دخل القانون الدولي على الخط وأصبح «سلاحا» يستعمله الكثير من الناشطين الفلسطينيين وجمعيات حقوقية غربية لمواجهة المسؤولين الإسرائيليين. وأمام هذا «السلاح الجديد» أصبح العديد من المسؤولين الإسرائيليين يجدون صعوبة في زيارة بعض الدول الأوروبية بسبب احتمال تعرضهم للتوقيف والتحقيق معهم في دعاوى مرفوعة ضدهم بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد سبق أن أكد رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان راجي صوراني أن جهود ملاحقة قادة الاحتلال الصهيوني قانونيا على الصعيد الدولي سمحت بتسجيل دعاوى ضد 87 شخصية إسرائيلية في محاكم مختلفة حول العالم. وفي ما يلي عرض لأهم القضايا المرفوعة في عدد من الدول ضد مسؤولين صهاينة: في بريطانيا أحدث هذه القضايا أمر الاعتقال الذي صدر من محكمة «وستمنستر» ضد وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة وزعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني، التي كان من المقرر أن تشارك يوم 12 ديسمبر الحالي في مؤتمر للصندوق القومي اليهودي الذي يدعم (إسرائيل). وقد سحبت المحكمة أمر الاعتقال بعد أن تبين لها أن ليفني ليست على الأراضي البريطانية، كما طلبت (إسرائيل) من بريطانيا تعديل قوانينها لتفادي محاكمة المسؤولين الإسرائيليين. وفي أكتوبر الماضي ألغى موشي يعالون، نائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الإستراتيجية، زيارة كانت مقررة إلى بريطانيا، وذلك خشية أن تعتقله السلطات البريطانية. وتلقى يعالون دعوة من الصندوق القومي اليهودي لحضور حفل عشاء خيري، لكنه يواجه تهما بارتكاب جرائم حرب، بصفته رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي عندما قصفت طائرة صهيونية «حي الدرج» في مدينة غزة يوم 22 جويلية 2002 واغتالت القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) صلاح شحادة و14 مدنيا فلسطينيا آخرين. وزير الدفاع الصهيوني إيهود باراك الذي شارك في اجتماعات المؤتمر السنوي لحزب العمال الحاكم في بريطانيا بمدينة برايتون الواقعة على الساحل الجنوبي للبلاد في سبتمبر الماضي صدرت بحقه أيضا مذكرة اعتقال من محكمة «وستمنستر» نفسها. وصدرت المذكرة بعد أن طلب محامون بريطانيون من المحكمة توقيف باراك بموجب قانون العدالة الجنائية لعام 1988، الذي يسمح للمحاكم البريطانية بمتابعة المتهمين بجرائم حرب حتى لو لم يكونوا بريطانيين أو مقيمين في بريطانيا. وقد أفلت باراك من الاعتقال بعدما أبلغت وزارة الخارجية البريطانية المحكمة أنه وزير وأنه سيعقد لقاءات مع نظرائه البريطانيين، فقررت المحكمة على ضوء ذلك أنه يتمتع بالحصانة بموجب قانون حصانة الدولة لعام 1978. وفي عهد رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرييل شارون كاد يعتقل أيضا في بريطانيا القائد الصهيوني العسكري السابق في غزة درون لموغ وقادة عسكريون آخرون، لولا أن السلطات البريطانية هناك حذرتهم من مغادرة الطائرة في مطار هيثرو. في إسبانيا وفي إسبانيا رفعت منظمات حقوقية، بينها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، بتاريخ 24 جوان 2008 دعوى ضد مسؤولين إسرائيليين باسم ستة من الناجين في عملية اغتيال شحادة عام 2002. وقرر القاضي الإسباني فرناندو أندريو فتح تحقيق في الدعوى التي يواجه فيها سبعة مسؤولين صهاينة تهما بارتكاب جرائم حرب، وهم وزير الدفاع السابق بنيامين بن إليعازر ورئيس أركان الجيش السابق دان حالوتس والقائد السابق للمنطقة الجنوبية دورون ألموغ ورئيس مجلس الأمن القومي السابق غيورا آيلاند ومايكل هيرتسوغ الأمين العسكري السابق لوزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان السابق موشيه يعالون، بالإضافة إلى المدير السابق للأمن العام آفي ديختر. وقد أعلن مسؤولون إسبان بعد احتجاج (إسرائيل) على هذا التحقيق القضائي الذي كان يقضي بمثول المتهمين أمام المحكمة الإسبانية، وإلا أصدرت في حقهم مذكرات اعتقال دولية أنهم سيعملون على تعديل القوانين التي تخول للقضاء الإسباني محاكمة مجرمي الحرب. في بلجيكا رئيس الوزراء الصهيوني السابق أرييل شارون كان بدوره هدفا لدعوى قضائية في بلجيكا بتهمة التورط في مجزرة صبرا وشاتيلا التي قتل فيها مئات اللاجئين الفلسطينيين خلال الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982. ورفع الدعوى 23 ناجيا من المجزرة في نوفمبر عام 2001، وطالبوا بمحاكمة شارون والجنرال عاموس يارون، الذي كان مسؤولا عن عمليات الجيش الصهيوني في العاصمة اللبنانية بيروت أثناء وقوع المجزرة. وتعرضت بلجيكا وقتها لضغوط عديدة من أطراف مختلفة لتعديل القانون الذي يسمح لقضائها بمحاكمة مجرمي الحرب، وأسفرت هذه الضغوط عن تعديل القانون في مطلع أفريل 2003، حيث اعتمدت بلجيكا قانونا جديدا يقضي بالنظر في قضايا جرائم الحرب التي تخص مواطنين بلجيكيين أو آخرين مقيمين في بلجيكا فقط. في النرويج وفي 23 أفريل 2009 أعلن مكتب الادعاء العام النرويجي عزمه النظر في دعوى ضد 11 مسؤولا صهيونيا بتهمة جرائم حرب على خلفية العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. ورفع الدعوى ستة محامين نرويجيين ضد رئيس الوزراء الصهيوني السابق إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني ووزير الحرب الحالي إيهود باراك، بالإضافة إلى سبعة قادة عسكريين من بينهم رئيس هيئة الأركان غابي أشكنازي. وتطالب الدعوى بإلقاء القبض على المتهمين حال دخولهم النرويج أو إحضارهم إلى هذا البلد في حال دخولهم أي دولة مرتبطة باتفاقيات تبادل المجرمين مع أوسلو.