كانت خيوط اللّيل الأولى قد ظهرت عندما بدأت الجولة المنظّمة في حدائق دار الكاملة بضاحية المرسى بالعاصمة لتعلن عن انطلاق الموعد الأول للفنّ المعاصر بين تونس وباريس. موعد تهيأ لفنانين تونسيين في اختصاصات متعددة للفن المعاصر لتقديم أعمالهم أمام جمهور متنوع وموزع بين تونس وفرنسا ببادرة مشتركة تونسية فرنسية. ومن بين الشركاء في العملية نذكر بالخصوص فضاء الف ورقة والمعهد الفرنسي للتعاون ومتحف مونبرناص ومعرض الفن المعاصر «كيتلوغ « وتحظى البادرة بالخصوص بدعم وزارة الثقافة ذلك أن الوزير عزالدين باش شاوش كان من بين الحضور في حفل الإفتتاح مساء الجمعة بحدائق دار الكاملة بالمرسى. ويمكن للمهتم بالحدث أن يجد ضالته في محطّات مختلفة. أولا بدار الكاملة وتحديدا بالحدائق الشّاسعة التابعة لمقر إقامة السفير الفرنسي بتونس بداية من يوم 23 سبتمبر أي يوم الافتتاح الرسمي الذي تم بحضور عدد كبير من المدعوييّن من الفنّانين التشكيليين ومن الإعلاميين ومن المقرّبين من ساحة الفنون والمهتمين بها. ثانيا بالفضاء الثقافي الف ورقة حيث أقيم حفل تدشين ثان في اليوم الموالي ( السبت من الأسبوع المنقضي ) بهذا الفضاء. هناك أيضا محطة ثالثة برواق كانفاس ورواق عمار فرحات بسيدي بوسعيد بالعاصمة. أما المحطات الفرنسية فهي موجودة بالخصوص بمتحف مونبرناص ومعرض الفن المعاصر «كيتلوغ « ورواق «سبونتي « بباريس. وينطلق المعرض بهذه المحطات خلال أكتوبر القادم ليتواصل إلى غاية ديسمبر من العام الجاري. ولئن يفتح المعرض أمام زوّار ألف ورقة بداية من التاسعة صباحا وإلى غاية الثامنة مساء وذلك إلى غاية 30 أكتوبر القادم فإن حدائق « دار الكاملة « تبقى مفتوحة أمام العموم لمدة أسبوعين فقط ( 24 سبتمبر إلى 7 اكتوبر ) حيث تنطلق الزيّارة على السابعة مساء لتغلق الأبواب على الساعة التاسعة ليلا. ويوفر المنظمون الفرصة بذلك للزوار للقيام برحلة غير عادية بين المساحات الخضراء والأشجار الباسقة بالحدائق مستعينين بالأضواء الكاشفة وبالخطوط المضيئة التي توجه حركة المتجول في مسالك الحدائق. وبمجرد أن تنخرط في الرحلة بهدي من المرشدين حتى تتناهى إلى سمعك أصوات الحيوانات الوحشية والمفترسة لتتخيّل نفسك للحظات أنك تغوص داخل إحدى الغابات الإفريقية.
المعروضات متنوعة، هناك المنحوتات وهناك التنصيبات وهناك عروض الفيديو وكلما وجهت عينك شعرت بأن المنظّمين عملوا كل ما في وسعهم لجعل العين والأذن والأحاسيس تعيش اللّحظة وتجد في الفنّ المعاصر أكثر من مكمن للجمال. الفن المعاصر في تونس مازال يتحسس طريقه خاصة وأن الذائقة مازالت نوعا ما مرتبطة بالفن الكلاسيكي ولكن شيئا فشيئا أصبحت الأروقة الفنية والتظاهرات الفنية تفتح المجال أمام الشباب وأمام الكفاءات الخلاقة في مجال الفنون التشكيلية لتقديم تجاربها وابتكاراتها. وبما أن الفن المعاصر يعني حرية الخلق والإبتعاد نسبيا عن الضوابط الصارمة فإن كل معرض للفنّ المعاصر عادة ما يوفر عنصر الدهشة ويكون الزائر للمعرض على موعد مع أكثر من مفاجأة. وهكذا فإنّ المتجوّل في معرض حدائق دار الكاملة على إيقاع المؤثرات الصوتية سيتوقف أمام أكثر من عمل طريف وأكثر من تجربة تثير فضولك وتدعوك لفك رموزها وفهم مقاصدها.. الحيوانات والطبيعة والطقوس الإفريقية والأساطير وقصص الخيال الغابر وعناصر الطبيعة لاسيما الضوء وكذلك سؤال الوجود نجدها مجسمة في الأعمال المعروضة بالمناسبة. الفنانون استعملوا مواد مختلفة في ابداعاتهم من بينها الرخام والحديد والفولاذ والبلور إلخ. لكن وفي مثل هذه المعارض ليس مهما أن تعثر على الشفرة التي تقودك لفهم العمل المعروض بقدر ما هو مهم أن تدرك أن وراء هذا المقترح الفني جهدا ورغبة كبيرة في الإبتكار والخلق ومحاولة لتجسيم افكار جديدة وغير متداولة. هواة الرسم والتصوير الفوتوغرافي والمجسمات سيجدون ضالتهم بالخصوص في فضاء الف ورقة الذي شهد بدوره اقبالا كبيرا بمناسبة حفل الإفتتاح. جمعت المبادرة حوالي 30 فنانا وفنانة تشكيلية من مختلف المشارب لكن الأغلبية تكونت من وجوه شابة تحمل أفكارا جديدة ولها رؤى تبحث عن فضاءات للتعبير عنها بحرية. الحصيلة فسيفساء من الأعمال الفنية استخدم أصحابها تقنيات مختلفة ومواد مختلفة وصاغوها انطلاقا من أفكار مختلفة لكن ما يوحد بينها أنها تستفز في الزائر الرغبة في محاورة العمل الفني وفك شفرته واستخراج ما خفي من اسراره.