مانراه اليوم ارتباك سياسي سببه أننا لم نَعِ أن المسألة ثقافية قبل كل شيء «ناس الديكامرون» صالون ثقافي أصبح في ظرف وجيز قبلة عشاق الفكر والأدب والباحثين عن المزيد من المعرفة.. لقاء أسبوعي بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة يتوافد عليه عدد من الأدباء والفنانين والمهتمين بالكتاب ليناقشوا وينقدوا، وقبل وبعد ذلك ليستفيدوا... الكاتب والأديب كمال الرياحي استطاع أن يجسم حلمه الذي طالما راوده وأن يؤسس مختبرا/صالونا يجمع من خلاله شتات الأدباء والفنانين لردم الهوة بينهم وخلق حراك ثقافي حقيقي بعيدا عن التقليد الكلاسيكي والخروج من مشهد التلقي السلبي وتأسيس مشهد جديد قوامه التفاعل بين الجمهور والمبدع فكان هذا الصالون.. الذي بدأ خلال الأيام الماضية يستقطب اهتمام المثقفين بشكل عام... وحول «ناس الديكامرون» وبعض القضايا ذات الصلة دار هذا الحوار مع صاحب المشروع والحلم الذي تحول إلى حقيقة.
ماذا تعني ب»ناس الديكامرون» ولماذا هذا الاسم؟
«الديكامرون» او ألف ليلة وليلة الايطالية هو مؤلف من702 من القطع الكبير للمؤلف الايطالي الشهير «جيوفاني بوكاتشيو» وترجمة صالح علماني.. وهو مجموع الحكايات التي تتحدث عن مقاومة مجموعة من الشباب للموت في مدينة الطاعون بالحكي وسرد القصص... و»ناس الديكامرون» صالون ثقافي يجمع عددا من الكتاب والفنانين لتقديم تجربة ثقافية مختلفة تقطع مع الصورة النمطية المعتادة للانشطة الثقافية والادبية بالاساس حيث تتكون المجموعة من عدد قار من الناشطين يقدمون اسبوعيا انتاجاتهم السردية عن طريق قراءات مسرحية على الطريقة الايطالية وهي تجربة تسعى الى اعادة الاعتبار لثقافة الحكي والمشافهة التي من شانها ان تطور المشهد السردي التونسي الى جانب تجاور الفنون الاخرى مع الادب كالموسيقى والمسرح والفن التشكيلي... والواقع ان الفكرة انطلقت بعد عودتي من الجزائر حيث شغلت رئيس قسم الترجمة بمعهد الترجمة بالجامعة العربية مدة عام وكان مشروعي الاساسي ان اؤسس لمختبر للكتابة السردية في تونس حيث كنت اقوم لسنوات بادارة ورشات في الكتابة الابداعية في العالم العربي (مصر الاردن-عمان-الجزائر) وفي بلدان اوروبية مثل ايطاليا وايمانا مني بان الكتابة الابداعية في العالم تحولت الى صناعة ثقيلة بينما نحن مازلنا نتعامل معها كترف ووجاهة اجتماعية من ناحية ومازلنا نؤمن بشياطين الشعر والادب وبالالهام من ناحية أخرى. بينما في الغرب تدرس الكتابة الابداعية في الجامعات مثلها مثل الفنون التشكيلية والسينما والمسرح.
ما هي أهم أبرز المراحل التي عرفها المشروع قبل الوصول إلى مرحلة التنفيذ؟
لقد وجدت الكثير من الصعوبات في بعث هذا المختبر نتيجة لعلاقتي المتأزمة بالنظام البائد الى ان انطلقت الثورة في تونس وبقيت اجتماعاتي ببعض المبدعين المتحمسين لبعث المشروع سرية في المقاهي وكاننا نتحدث في امور خاصة بأمن الدولة.. وبعد التحاقي بوزارة الثقافة وتحديدا بدار الثقافة ابن رشيق مسؤولا عن النشاط الثقافي بشكل عام وجدت التقليد الكلاسيكي من إقامة الندوات واستضافة الكتاب فواصلت على نفس النمط مدة شهر ونصف تقريبا ليعود بعدها الحلم القديم في مراودتي وهو تاسيس شيء أعمق وتطورت الفكرة لتصبح مجسمة في هذا الصالون حيث وجهت الدعوة الى عدد من الادباء والشباب المتميزين والباحثين الواعدين لمشاركتي في ادارة وتنشيط الصالون.
لاحظنا ان هناك اهتماما بالادب العالمي فما هو نصيب الادب والادباء التونسيين في صالون «ناس الديكامرون»؟
كانت اول مراهنة للبرمجة في هذا الصالون على المتميزين في المشهد الثقافي والفكري في تونس واول لقاء كان مع المفكر الحر سليم دولة ثم كانت هناك تجربة مع سمير ساسي السجين السياسي السابق وصاحب كتاب «برج الرومي» ثم استضفنا جمال الجلاصي شاعرا ومترجما للكاتب العالمي أسطورياس... والواقع ان هناك مشروعا وبرنامجا يرتكز على الادب العالمي ولا بد من أن يكون للصالون رؤية واضحة حتى لا نحيد عن فكرة المختبر (مختبر الكتاب) لقد كنا نناقش نصوصا تونسية قبل نشرها إضافة لمناقشة أعمال وتجارب عالمية ليستفيد منها الجميع، كتاب نشروا وآخرون مازالوا في بداية الطريق... ثم ان الادب العالمي لم يقرأ في تونس حتى من طرف بعض الكتاب انفسهم.. زد على ذلك ان الكتاب في تونس لا يعرفون كاتبا مثل سليم بركات الكاتب الكردي السوري المقيم في السويد وهو الذي يقول عنه محمود درويش: «أحاول قدر الإمكان ألا أقلد سمير بركات». ويقول عنه أدونيس: «ان اللغة العربية في جيب سليم بركات».. وهذا الكاتب غير مقروء حتى في الجامعة التونسية وهو الذي كان سببا في انتشار مجلة «الكرمل» لصاحبها محمود درويش وعندما غادرها سقطت وأغلقت وهو الشاعر الوحيد الذي مدحه درويش نفسه في قصيدته «ليس للكرد إلا الريح»...
في ظل ما يشهده العالم اليوم من تطورات تكنولوجية هل ما زالت للكتاب مكانة؟
كنت اول من استعمل الانترنات في تونس من الصحفيين والكتاب بحكم اضطراري المهني حيث كنت اعيش من الكتابة للمنابر الثقافية الاجنبية وانا على اتصال بمشهدين الرقمي والادبي في العالم فلم اجد ان هذا الهاجس موجود اطلاقا، ففي الولاياتالمتحدةالامريكية حيث قلب الحداثة وما بعد الحداثة ما زال الكتاب سيد المشهد الثقافي ومازال «بول استر» مثلا يوقف حركة المرور في نيويورك عندما نشرت له «ليلة التنبؤ» في فرنسا بيعت منها 50 الف نسخة في أسبوعين، وهناك كاتب آخر سنقدمه في «ناس الديكامرون» وهو الافغاني المقيم بأمريكا خالد حسين الذي عندما نشرت روايته الضخمة «عداء الطائرة الورقية» بيعت منها 4 ملايين نسخة.
وكيف تقيم آداء الكتاب والأدباء والمثقفين بشكل عام بعد 14جانفي؟
مازال دورهم وللاسف محتشما جدا إن لم نقل أن هناك استقالة للمبدع التونسي والمثقف إزاء اداء دوره الحقيقي لانه ارتمى في احضان السياسة ركضا وراء الكراسي والمناصب والامتيازات التي يبرمج لها من الان، لذلك كان صالون «ناس الديكامرون» ردة فعل على الواقع الثقافي المميت في الشارع، مثل مدينة فلورنسا التي ضربها الطاعون في ايطاليا. هربنا نحن حلمنا بالفنون الى دهليز دار الثقافة ابن رشيق لنحييه من جديد لان في النهاية ما نراه ارتباكا سياسيا سببه في رأيي اننا لم نع بعد أن المسالة.. مسألة ثقافية قبل كل شيء.