كشفت الدراسة الميدانية التي أنجزها مؤخرا المرصد الوطني للشباب بالتعاون مع منتدى العلوم الاجتماعية حول انتخابات المجلس التأسيسي في عيون الشباب أن المشاركة الشبابية لدى الأحزاب لاتتجاوز 22 بالمائة. والمتأمل اليوم في القائمات الانتخابية المترشحة للمجلس التأسيسي يلاحظ محدودية مشاركة الشباب فيها لاسيما كرؤساء قائمات. وبعيدا عن الحقل السياسي أيضا لا تجد الشباب في مواقع القرار الهامة التي يستأثر بها عادة المتقدمون في السن وحتى التسميات التي تطالعنا بعد الثورة على صفحات الرائد الرسمي لا تجد للشباب نصيب فيها رغم أن المسؤولين والساسة غالبا ما يشيرون في خطبهم إلى المؤهلات والقدرات العلمية للشاب التونسي دون أن يجد هذا الإعتراف تجسيدا على أرض الواقع. فلماذا ظل الشباب خارج دوائر الإهتمام في وقت ظن الجميع أنه سيكون في الريادة كما كان إبان الثورة التونسية؟ يشير بهذا الصدد سالم الابيض مختص في علم الإجتماع أن غياب الشباب في القائمات المترشحة يعكس غياب هذه الشريحة العمرية في الأحزاب السياسية الكبرى التي تعد بطبيعتها أحزاب قديمة وهرمة تتولى الشخصيات الأكبر سنا الأمور داخلها.
إرث العهد البائد
ويعود سالم الأبيض بالأسباب إلى إرث العهد البائد عندما وقعت شيطنة العمل السياسي على حد تعبيره مما ساهم في تغييب الشباب على المنابر السياسية باستثناء بعض المنظمات السرية ذات الطابع الإيديولوجي اليسارية والقومية منها التي كانت تجند بعض الشباب خاصة من الوسط الطلابي. وبالنسبة للحركات الدينية يعتبر محدثنا أن انتماء الشباب إليها كان عبئا على الشباب أنفسهم لأن التدين في حد ذاته يجلب لهم العديد من المشاكل ناهيك إذا كان هذا التداين سياسيا. ويقول سالم لبيض أنه بعد 14 جانفي يحاول الجميع كسب ود الشباب لكن لم ينخرط الشباب بكثافة في العمل السياسي بسبب الدورالإحتجاجي الذي لعبه في الثورة ولم ينضج ليتحول فيما بعد إلى مشارك لأن ذلك يقتضى إعطاء الشباب مواقع مهمة. وهذه الفترة قصيرة لا تسمح بالإختبارالكافي وإثبات الجدارة السياسية لدى الشباب». والشباب بحكم الدور العفوي نسبيا في الثورة لم يكن يطمح لأكثر من إسقاط بن على وحكومته».
مرحلة بناء الثقة
ويأمل سالم الأبيض أن المرحلة القادمة ستعطي الشباب مكانة أكبر في الأحزاب السياسية وفي منظمات المجتمع المدني إذا تم بناء ثقة بين الشباب والعملية السياسية وبقدر ما تكون هذه العملية ديمقراطية وشفافة ودون تزوير ولا تنتصر فيها المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة فإن انخراط الشباب فيها سيكون واردا. أما إذا أعطت الانتخابات دورا عكسيا من خلال التزوير والعنف وعدم احترام الحد الأدنى من الأخلاق في الممارسة السياسية فسيكون المفعول عكسي. ويضيف هنا محدثنا «أن هذه العوامل مجتمعة يجب أن نضعها في وسط لا يثمن الشباب كمصدر للحكمة بقدر ما يعطي تلك الحكمة للشيوخ حتى وإن كانوا في أرذل العمر كما هو حال المشهد السياسي اليوم في تونس».
إقصاء ممنهج
من جهته يرى طارق بلحاج محمد مختص في علم الإجتماع أن المعروف تاريخيا وعلى مدى عقود طويلة أن اقصاء الشباب من مواقع القرار ومن المشاركة في تطويرامكانياته كان سياسة ممنهجة تعمل على تقديم شريحة واحدة وصورة واحدة من الشباب (الشباب المطيع الخدوم المبتذل المقبل على لذات الحياة...) لكن المؤلم في الموضوع من وجهة نظر محدثنا هو تواصل هذه السياسة بعد الثورة التي كان للشباب مساهمة فاعلة وأساسية في اشعال فتيلها والدفع بها إلى الأمام. ويقدم طارق بلحاج جملة من المؤشرات القابلة للقياس والتي تثبت تواصل عقلية الإقصاء من ذلك عدم تغير مقاييس اسناد الخطط الوظيفية التي ظلت تقتصر على الكهول والشيوخ أو التمديد لمن بلغ سن التقاعد. وفي رئاسة الأحزاب نجد أن طيفا كبيرا من الأحزاب الجديدة والقديمة أمناؤها العامون هم كهول أو شيوخ. وقس على هذا المنوال رئاسة المنظمات والجمعيات والقائمات المترشحة للمجلس التأسيسي... ويقدم طارق بلحاج فرضيتين حول التعاطي اليوم مع الشباب مشيرا إلى أنه».. إما لم تقدم فرصة للشباب لتواصل نظرة الاستنقاص لهذه الفئة أو بسبب الخوف منهم لأن من أسقط أعتى الدكتاتوريات قادرعلى ما هو أكبر..»