بقلم: عبد الكريم حميدة المشاركة الواسعة للتونسيين في انتخابات المجلس التأسيسي ترسخ مبدأ من المبادئ الأساسية للديمقراطية بغض النظر عن البلبلة والإرباك الحاصلين من جراء كثرة القائمات المتقدمة ولن يكتمل تحقق هذا المبدا سوى بالمشاركة الواسعة والكثيفة للناخبين. انطلقت الحملة الانتخابية، فانبرت القوائم المترشحة في توزيع البيانات وتعليقها على الجدران وعلى اللافتات المركزة لذاك الغرض، بانطلاق الحملة الانتخابية ستتحقق للتونسيين إمكانية الاختيار الحر، وسيكرس مبدأ من المبادئ التي تقوم عليها الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة وسيكون لهذه البيانات، على كثرتها، فوائد جمة، ستتاح للتونسي فرصة القراءة وإعادة القراءة إذا أراد فعلا أن يساهم في بناء مستقبل بلاده، هي أول فرصة له لتكريس مواطنته التي حرم منها طيلة عقود من الزمن. لأول مرة يجد التونسي نفسه في قلب العملية الانتخابية فبات محور الاهتمام بحق تتهافت عليه الأحزاب وتستميله وتطلب صوته. في هذه الأيام يجد التونسي نفسه أمام نصوص تنطوي على مفردات لم يألفها، نصوص جديدة وطريفة ومختلفة باختلاف برامجها ورؤاها وأطروحاتها. إن هذا الاختلاف والتنوع هو في حد ذاته مؤشر ايجابي يمثل إرهاصا من إرهاصات التغيير. في هذه الأيام أثري المشهد المديني والريفي بعناصر جديدة ستدخل عليه شيئا من الجدية وكثيرا من الحركية والنشاط، وسيكون لهذه الحركية ولهذا النشاط تأثير عميق على الفضاء العام بأوجهه المتعددة ومستوياته المختلفة. إن هذه الفرصة التي تتوفر للتونسي لأول مرة ستفسح له المجال واسعا لتعميق ثقافته السياسية. إنها مناسبة ليحل الجدل السياسي غير المألوف، والذي كان ممنوعا، محل الحديث في موضوعات استخدمت سابقا لتهميشه وتلهيته عن قضاياه المركزية. يوم الثالث والعشرين من شهر أكتوبر سينتخب التونسيون مجلسا وطنيا تأسيسيا من المفترض أن يقطع، بالشرعية الانتخابية التي سيمنحها إياه الناخبون، مع العهد البائد وأساليبه، ويصوغ دستورا حداثيا يؤسس لعلاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم، دستور يكرس حقوق المواطن ويحدد العلاقات بين السلطات بحيث تخدم المواطن والمصلحة العامة، دستور يحمي الأقلية من الأغلبية وينشئ جهازا رقابيا مستقلا يكون حصنا منيعا ضد التجاوزات. هذه الانتخابات هي أول عرس انتخابي يدعى له التونسيون بغض النظر عن انتماءاتهم وأفكارهم. فحضورهم ومشاركتهم سيضفيان على هذا الحدث التاريخي « العرس» جمالا ورونقا، وسيساهمون في إيصال عروسه إلى بر الأمان. ولن يتم له ذلك إلا بالحضور الفعال في الاجتماعات وحلقات النقاش ليتسنى لهم الفرز وتمييز الغث من السمين، فجل القائمات المترشحة سواء أكانت حزبية أو مستقلة تطرح برامج متشابهة تتخلل بعضها مغالطات وأضاليل وضعت عن قصد لاستمالة الضعفاء والمضطهدين من شعبنا وهم من سوء الحظ كثر. سيختار التونسي قائمة واحدة، وهي لعمري مهمة لا تخلو من الصعوبة بالنسبة إلى كل من لم يتوفر له الحد الأدنى من ثقافة سياسية تمكنه من الاختيار الصائب. وأمام هذا التحدي الجلل، لابد للأمور من أن تتضح أكثر في عيون الناخبين قبل الاتجاه إلى مكاتب الاقتراع للتصويت. لابد للناخب إذن أن يضع مصلحة البلاد نصب عينيه ويصوت للقائمة التي ستساهم في بناء جمهورية ثانية بعيدا عن الاستبداد والتسلط والفساد وليس للقائمة التي تنشر الفساد بشرائها لذمم العباد. فالتونسيون قد ثاروا مطالبين بالكرامة، وإذا باعوا ذممهم فلن تكون لهم كرامة ولن يحظوا بالاحترام والتقدير.