رفض للدمج بين المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث المطالبة بإصلاح وإعادة هيكلة قطاع التراث ومختلف الهياكل والمؤسسات التابعة له ومراجعة المنظومة القانونية والإدارية المسيرة لها على نحو يضمن مساهمة هذا القطاع في دفع عجلة التنمية الثقافية خاصة والاقتصادية عامة... من المطالب الملحة التي كان من المفروض أن تلقى التجاوب والاهتمام والعناية اللازمتين من قبل سلطة الإشراف منذ بداية السنة الجارية لا سيما في ظل ما يزخر به هذا القطاع من كفاءات وخبرات في مجالات عديدة ويتمثل ذلك في العناية بالثروة الحضارية من معالم تاريخية وآثار قديمة تنتشر في أغلب الجهات التونسية وتوظيفها في تنشيط السياحة الثقافية وتعزيز موارد التنمية في بلادنا. لكن تراكم المطالب وتفاقم بعض الوضعيات إضافة إلى التأخر في الإعلان عن المشاريع الإصلاحية من العوامل التي ساهمت في تأزيم وضع القطاع لا سيما بالنسبة للمعهد الوطني للتراث أو وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية وما تفرع عنهما من مؤسسات وهياكل تعنى بهذا القطاع بعد أن شهدا احتجاجات وإضرابات في عديد المرات أثرت على سير العمل داخلها وازداد الوضع تعقيدا في الآونة الأخيرة بعد أن راج خبر حول توجه سلطة الإشراف إلى دمج المؤسستين رغم اختلاف مهام وأهداف كل هيكل. لكن يبدو أن تمسك البعض برفض هذا الإجراء على اعتبار أنه غير مدروس وغير مجدي في مسار الإصلاح لتونسالجديدة إضافة إلى وجود عدة مطالب تهدف للنهوض بالقطاع والعاملين ذات أولوية دفع سلطة الإشراف للعدول عن ذلك في الوقت الراهن. «الصباح» سألت عددا من المختصين في القطاع يمثلون هياكل مختلفة عن رؤاهم وتقييمهم لواقع التراث واقتراحاتهم العملية والعلمية لإصلاحه أوالحد من النقائص للخروج من البوتقة الضيقة التي أصبح يتخبط فيها مما أثر على مردوديته. عبر الباحث والمؤرخ عبد العزيز الدولاتلي عن استيائه للحالة التي أصبح عليها قطاع التراث بمختلف مؤسساته وهياكله نظرا لما آلت إليه أوضاعه في هذه المرحلة من تاريخ تونسالجديدة بعد الثورة بعد أن أصبح يتخبط في المشاكل ودخل العاملون فيه من مختلف المواقع في موجة من الاحتجاجات والإضرابات والإعتصامات مما أثر على إمكانيات العمل والبحث والنشاط. علما أن الدولاتلي هو صاحب مشروع بعث وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية التي أحدثت سنة 1988 حيث يقول :» أعترف أني كنت صاحب مشروع بعث الوكالة وذلك في إطار السعي لبعث هيكل ذي صبغة استثمارية وتجارية يهدف إلى الاستثمار والترويج للتراث. وبعد القيام بالدراسات والاستشارات اللازمة في الغرض بتشريك جميع الكفاءات والخبرات الوطنية وذلك على امتداد أكثر من سنتين تقريبا تسنى بعث هذا الهيكل وقد حقق نتائج مرجوة منذ انبعاثه. أما المعهد فله مهام علمية وتقنية فنية خاصة مختلفة عن الوكالة». تشتت تتحمل وزارة الثقافة المسؤولية فيه حسب البعض
وحمل عبد العزيز الدولاتلي سلطة الإشراف مسؤولية ما أصبح عليه القطاع من تشتت فضلا عن الحالة النفسية السيئة جدا التي أصبح عليها العاملون فيه لا سيما في هذه الفترة التي اتجهت فيها أنظار الجميع إلى مبادرات إصلاحية في إطار إعادة الهيكلة للمؤسسات بالقطع مع الأساليب والممارسات التي كانت معتمدة في نظام الحكم السابق. وأرجع السبب إلى غياب التنسيق بين المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية. ويتفق السيد لطفي بزويتة ( مدير الإدارة الفنية بالوكالة) مع راي الباحث عبد العزيز الدولاتلي حيث يقول :» من المؤسف أن أعترف بأنه ليس هناك تنسيق في برامج زاستراتيجيات العمل في السابق بين المعهد والوكالة ولم يكن هناك تكامل في المسؤوليات لا أعرف لمصلحة أي طرف كان هذا الإهمال مما ترك فراغا بين الهيكلين. حسب رأيي الحلول المنقذة للقطاع ممكنة شريطة البدء بتقييم الوضعية الحالية ومردودية كل مؤسسة نظرا لاختلاف طبيعة مهام كل هيكل وذلك بتوظيف خبرات وكفاءات مختصة من مختلف المواقع والهياكل. فبتوضيح وتحديد مهام كل مؤسسة يتسنى الوقوف على الهنات التنظيمية والقانونية ومن ثمة يكون الاتجاه إلى وضع الخطوط العريضة لإعادة الهيكلة والإصلاح للقطاع.» كما أفاد لطفي بوزويتة أن مطالب عديدة ذات أولوية مطروحة في مستوى الوكالة في حاجة إلى العناية بها وتدعيم مهامها في تحقيق جملة الأهداف المرسومة في قانونها التأسيسي الذي ينص على المساهمة في تحقيق التنمية الثقافية والتعريف بالمخزون والمعالم الحضارية فضلا عن مهمة هذا الهيكل في استغلال وإحياء التراث الوطني وذلك بتعزيز الإمكانيات البشرية المختصة وتحديد المسؤوليات موضحا :» لنا في التجارب الأجنبية الناجحة أمثلة عديدة يمكن الاستنجاد بها على غرار الصندوق الوطني للمعالم بفرنسا الذي ينضوي تحته عدد كبير من المعالم الأثرية خاصة أن الوكالة في تونس تراهن على تنمية السياحة الثقافية.» وأكد في ذات الإطار أن دخل الوكالة السنوي من أنشطتها السياحية والثقافية استقر في ما يقارب 16 مليون دينار في السنوات الأخيرة ويمكن مضاعفته إذا تدعمت آليات العمل. أما السيدة ليلى الدعمي (إطار بوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية) فترى أن الوضع الحالي للقطاع تستوجب ضرورة تشخيص وضع كل هيكل ومراجعة المنظومة القانونية المسيرة لعمل كل مؤسسة بصفة موضوعية وبحث إمكانيات بعث وتفعيل المشاريع من أجل النهوض بالقطاع وذلك بعد القيام بالدراسات اللازمة في الغرض واستشارة أهل الاختصاص وأصحاب الخبرة في الميدان نظرا لأهمية هذا القطاع وقدرته على المساهمة في فتح آفاق تشغيلية إضافة إلى تعزيز التنمية الثقافية والاقتصادية. كما أوضحت أن تحقيق هذه الأهداف يشترط ضرورة تشريك مختلف الأطراف بما في ذلك وزارة السياحة نظرا للعلاقة الوطيدة بين قطاع السياحة والتراث من خلال وضع الآليات والاقتراحات وتفعيل الاتفاقيات للنهوض بواقع هذا القطاع وذلك في أقرب الآجال دون الاتجاه إلى تغليب المطالب الآنية التي لا تخدم مصلحة القطاع والبلاد والاستفادة من الخبرات والكفاءات المختصة على نحو يعطي دفعا للتراث من خلال تنظيم عمل كل مؤسسة.
مراجعة هيكلة المعهد الوطني للتراث
من جهته أكد السيد فتحي البجاوي (مدير بحوث بالمعهد الوطني للتراث)أن تغيير واقع القطاع نحو الأفضل أمرا ممكن التحقيق لا بل اعتبره من أوكد المطالب. لأنه يرى أن المعهد الوطني للتراث الذي عمل ضمن هيكلته وتقلد فيه مسؤوليات مختلفة على امتداد سنوات طوال يعد في أمس الحاجة إلى مراجعة هيكلته التي لم تتغير منذ التسعينات وذلك بمراعاة ما يتطلبه تغير الأنظمة وآليات العمل على مستوى إقليمي وعالمي ومجاراة لنسق تطور واستغلال المعالم الحضارية والتاريخية في السياحة الثقافية خاصة أن كل مؤسسة لها هيكلة مستقلة خاصة بها منذ ما لا يقل عن ثلاثين سنة كالمتاحف والمعاهد وغيرها. ودعا إلى ضرورة إيلاء الأهمية للمطالب المتعلقة بتسوية الوضعية الاجتماعية وتحسين الأجور بالنسبة للعاملين في المعهد من باحثين ومختصين باعتبارها خطوة هامة لتحسين وتطوير المردودية. كما اعتبر محدثنا أن تكوين هيكل على شاكلة مجلس علمي تنتخب أطرافه ويتم فيه طرح ومناقشة سياسة التعامل مع التراث كقطاع حيوي وموردا هاما للتنمية تعد الخيار الأنجع للمضي قدما في المسار الإصلاحي. نزيهة الغضباني
وزير الثقافة يعلن عن خطوات لتسوية الوضعيات وإعادة هيكلة القطاع
أعلن السيد عزالدين باش شاوش وزير الثقافة اجرءات جديدة متعلقة بتسوية الوضعية المهنية والاجتماعية لأعوان وإطارات المعهد الوطني للتراث. وأوضح الوزير أن الوضع المتردي إنما هو نتيجة الإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية ومظاهر الفساد في قطاع التراث. وبين الوزير خلال لقاء جمعه أول أمس بمقر المعهد بالسيد أحمد الفرجاوي المدير العام للمعهد بالنيابة وعدد من المسؤولين ومن العاملين في قطاع التراث أنه سيتم في السنة الجارية ترسيم الدفعة الأولى من الأعوان العرضيين وعددهم 200 ومن حاملي الشهادات العليا العاطلين عن العمل وعددهم 100 على ان يتم ترسيم دفعة ثانية وعددهم 350 خلال سنة 2012. وأردف وزير الثقافة أنه سيقع تمتيع العاملين بالقطاع بالتغطية الاجتماعية وبعطلة رسمية احتكاما للقوانين الشغلية. كما أعلن عن تكوين لجنة تدرس آليات إرجاع المطرودين من العملة باستثناء من ثبتت إدانته وذلك من خلال دراسة شاملة للملفات حالة بحالة وفق قوله. وفيما يتعلق بمراجعة القانون الأساسي للمعهد الوطني للتراث ذكر السيد عزالدين باش شاوش أنه سيقع النظر في هذه المسألة وذلك بقرار هيئة عليا للإشراف والتنسيق بين الوكالة الوطنية لإحياء التراث والمعهد الوطني للتراث.