بقلم: كريم السليتي تونس، ربما بحكم موقعها الجغرافي، كانت منذ آلاف السنين أرضا لصراع بين حضارات ومجتمعات مختلفة وبالتالي بين هويات مختلفة. حنبعل البطل التاريخي للتونسيين آمن بقوة هويته أمام الرومان الذين كانوا أكثر تطورا ماديا من مجتمعه, حنبعل كان يمكن أن يكون «حداثيا» و«تقدميا» فيقبل بغزو الرومان بل ويفتح لهم أرضه التي هي اليوم أرضنا لينشروا ثقافتهم الحداثية والتقدمية في تلك المرحلة من التاريخ, حنبعل هو بطلنا التاريخي الى اليوم لسبب واحد هو أنه كان وطنيا واثقا من قوة هويته، خاض الحروب انهزم وانتصر ثم انهزم لكنه لم يستسلم أبدا بل كان مقتنعا ومتمسكا بتفوق هويته حتى بعد هزيمته النهائية. انطلق من هذه الحقيقة التاريخية، لأسقطها على واقع مجتمعنا اليوم ومؤسساته والذي يتعرض لصراع بين أقلية ذات هوية متفسخة لكنها ذات سطوة سياسية واقتصادية واعلامية وأغلبية ذات هوية عربية اسلامية لكنها سلبية ولا تأخذ بزمام المبادرة كي لا أقول متفرجة أو مستسلمة. الهوية القوية الحاضرة في أذهان التونسيين هي السبيل الوحيد لبناء مجتمع قوي، متماسك وحديث. الهوية هي التي تمكن التونسيين من الوثوق بأنفسهم والحديث برأس مرفوعة أمام العالم. فمن لا تاريخ له لا مستقبل له ومن لا هوية له لا حضارة له. أمّا التفسخ والانهزام الحضاري فلا ينتج عنه سوى عقد ومُركّبات النقص أمام الآخر، والاحساس بالتقزم أمام الحضارات الاخرى. كما أنه سبب في نشوء التناقضات في نفسية التونسي. الخطير في الامر أن بعض المنهزمين حضاريا، والمدعين للحداثة والتقدم يسيطرون على جزء من النسيج الاقتصادي والسياسي والاعلامي وحتى الامني والاداري في تونس. بعضهم يساهم في وضع البرامج في وزارة المرأة بالتعاون مع الجمعيات ذات نفس التوجه، يحاولون التأثير على المناهج الدراسية لتلاميذنا في المدارس والمعاهد، يسعون من خلال عمليات التوجيه الجامعي الى ابعاد الطالبات عن عائلاتهن، يضعون برامج اعلامية تمجد ثقافة التفسخ وتصور جوهر الهوية على أنه رجعية وظلامية وتخلف. دعاة التغريب والانحلال الاجتماعي ينظمون أنفسهم في جمعيات يربطون علاقات مع مؤسسات ومنظمات دولية، ينشئون مواقع أنترنات، ينظمون ملتقيات واجتماعات، يطبعون قصصا وكتبا وأقراصا ويوزعونها على عمال المصانع وتلاميذ المدارس وطلبة الجامعات. يكتبون المقالات ينشؤون الجرائد والاذاعات والتلفزات ولا يتركون أية مساحة الا ويستغلونها لنشر ثقافة الانهزام الحضاري التي يسمونها حداثة وانفتاحا وتقدمية، يجتهدون وينفقون من أموالهم ويخصصون أوقاتهم من أجل نشر التفسخ وضرب هوية التونسيين وهم يعلمون أنهم لن يحصلوا لا على أجر ولا على راحة بال وأقصى ما يتمنونه اطراء من قناة فرنسية أو جريدة غربية. أما أغلبية التونسيين فهي تتفرج ولا تحرك ساكنا، اللهم بعض النقد الخافت هنا أو هناك. هل هذه هي ايجابية المجتمع التونسي وقوة ارادته؟ ينتقد القنوات التونسية ويدمن مشاهدتها، ينتقد العري والانحلال الأخلاقي واللفظي ولا يراقب أبناءه وبناته، ينتقد تصرفات الناس وتكالبهم وانتهازيتهم، ينتقد كثرة انتشار المخدرات والاجرام، ينتقد العنف اللفظي والمادي، ينتقد الانحلال الأخلاقي وعودة المجتمع لعصور الغرائز الحيوانية. ولكن ماذا فعلنا لننشر الأخلاق السامية وقيم مجتمعنا الحقيقية، ونجعل من ذلك منطلقا لبناء مجتمع متحضر وحديث، كما يحلم به كل انسان؟ ومتى يقرر كل منا أن نخصص لوطننا ولمجتمعنا بعض الجهد حتى ترسخ معالم هويتنا في أذهاننا وأذهان أبنائنا وفي تصرفاتنا.