بقلم: مصدق الشريف تفاعلا مع مقال السيد منذر الكنزاري معلم تطبيق تحت عنوان : المعلم في المنظومة التربوية التونسية وذلك بمناسبة احتفال العالم يوم 5 أكتوبر من كل سنة باليوم العالمي للمربي شدني ما جاء في فقرته الأخيرة حيث أن صاحبه يحمل المعلم مسؤولية كبيرة في إعادة صورته الحقيقية التي كان يتمتع بها وذلك بمراجعة ونقد عديد الأشياء التي ظلت لفترة زمنية مسكوتا عنها وذلك بطرح أسئلة علها تساعده على العودة إلى مركزه الحقيقي خاصة بعد 14/1/2011....... ويرى السيد منذر بأن هذه الأسئلة تتمثل خاصة : لماذا أعلم التلاميذ ؟ كيف أعلمهم ؟ ماذا يمثل المعلم في المنظومة التربوية الحديثة ؟ ماهي آفاق التعليم في ظل مواصلة تهميش هذا المربي ؟ ماهو الدور الحقيقي الذي يفترض أن يقوم به المعلم ؟ أهو دور تعليمي أم أن له أدوارا أخرى مطالب بالقيام بها ؟ ونحن نجد أنفسنا متفقين تماما مع ما ذهب إليه السيد منذر الكنزاري حيث أن وضعية المعلم أصبحت منذ عقود هزيلة وتعيسة مقارنة بأوروبا التي تضع عمله في خانة الأعمال الصعبة والشاقة وتسند له المنح والحوافز والتشجيعات كمكافأة على الجهود المبذولة. إلا أننا نرى أن المعلم لا يمثل وحده محور العملية التربوية وإنما توجد أطراف أخرى لا بد أن تكون جميعا على نفس الدرجة من الوعي والمسؤولية وذلك بدء بالأسرة مرورا بالمدرسة وصولا إلى الإعلام. أما الأسرة فلا بد أن تغرس في الأبناء أن يكون أهم ما يصبون إليه حب الدراسة وأن يكونوا ذوي شعور علمي دقيق لأن الطبيعة لا توحي بحقائقها إلا لمن دق حسه وتنبه عقله ويعلمونهم الصبر فالصبر حقيقة مفتاح العلم، وأن ثروة العلم والأدب هي أفضل بكثير من ثروة الفضة والذهب وأن نور العلم يفوق نور القمر ومهما كانت ثروات المرء طائلة فإن الإنسان بقدر ما يكون لا بقدر ما يملك، وأن تتخلل الحوارات والنقاشات داخل البيت قيمة العلم والثقافة في حياة الإنسان وبذلك يعظمون منزلة طالب العلم والحاصل على الشهائد العليا ودوره الكبير في التقدم بالبلاد نحو الرقي والازدهار. و لا ينكر أحد المجهودات التي يقوم بها الوالدان في سبيل إنجاح أبنائهم فهم يحرمون أنفسهم من أشياء كثيرة لتوفير كل ما يساعد أكبادهم على الفوز في دراستهم ولكن بقي تدخلهم في هذا المستوى فقط وكأن التلميذ في حاجة إلى الكتاب والكراس ودروس التدارك فقط في حين أن الأمر يتطلب متابعة لكل كبيرة وصغيرة تهم الشأن التربوي كأن يتابع الولي سبب مرور شهور دون أن يتلقى ابنه دروس الفرنسية والرياضيات أو الانقليزية وغيرها لتباطئ الوزارة في تعيين أستاذ المادة...أو إلى متى يبقى ابنه عرضة لأخطار الشارع ومزالقه العديدة والمتنوعة بسبب ساعات الفجوة يوميا صباحا مساء في بعض الأحيان... كما يجب أن يكون إجلالنا للعلم والمعرفة قولا وفعلا لأنه كبر مقتا أن نقول ما لا نفعل فكم من معلم وأستاذ رفضت عائلات تزويجهم بناتها باعتبار أن مهنة التدريس مهنة»صعيبة»، في مجتمعنا اليوم لا يستطيع أصحابها العيش إلا في الكراء وعلى الكفاف طوال حياتهم. و كم من آباء وأمهات، على تقدم مستواهم التعليمي، يفضلون في كثير من الأحيان مشاهدة مباراة كرة قدم على برنامج ثقافي أو مسلسل هابط على شريط وثائقي... أما دور المدرسة ففي اعتقادنا أنه لا بد في هذا المجال أن نعود إلى الأديب والمفكر اللبناني ميخائيل نعيمة (1889- 1988) حتى نستأنس بما جاء في كتابه صوت العالم تحت عنوان قيمة الإنسان : «إن مدرسة تحشو دماغ التلميذ بشتى المعلومات من صالحة وطالحة ولا تعلمه قيمته كإنسان لمدرسة لا فرق بينها وبين السجن ! وإن طالبا يتخرج في أعلى المدارس بأضخم الشهادات ولا يعرف قيمة نفسه وقيمة الناس لطالب دفن أجمل شطر من حياته في التراب...فالشهادات تبلى والمعارف تتغربل والأحوال تحول أما الإنسان فأقوى من كل حال. والمدرسة المثلى هي التي تهتم بالتلميذ إنسانا عزيزا قبل أن تهتم به مهندسا أو طبيبا أو محاميا بارعا» وهي لعمري دعوة ملحة اليوم إلى أصحاب الاختصاص ومن يهمهم الأمر للقيام بدراسة جدية ومتأنية بعيدة عن الارتجال للبرامج التربوية حتى نقي ناشئتنا من مرض استأصل في وزارة التربية اسمه التجربة الفاشلة الواحدة تلو الأخرى فكثرت التجارب وغابت الفوائد... أما الإعلام سواء منه المكتوب أم المقروء فهو لم يعتن يوما بالدور العظيم والجبار الذي يقوم به المربي ورسالته التربوية التي تحول الناشئة من ضفة الجهل إلى ضفة النور بعد أن اقتطع من عقله وتحدى الظروف القاسية ليفتق عقولهم وينير الدرب أمامهم، وقد حان الوقت ليقطع مع التمشي الذي غيب تماما القيم المعرفية وجمال حب العلم ومباركة أهل الطموح في سبيل بلوغ أعلى مراتب مدارج المعرفة والعرفان وأضحى دوره تمرير إيديولوجيات تشيئ الإنسان وتحصر حياته في الاستهلاك واقتناص الفرصة للربح والاستغلال بكل الوسائل ومهما كانت الظروف، الغاية أن تكون الجيوب ملأى والبطون والأجسام مترهلة وفي هذا المجال يقول الفيلسوف هنري لوفيفر (1901-1991) :»يتخذ الإشهار أهمية إيديولوجيا ما هي إيديولوجيا البضاعة التي أضحت تعوض ما كان يمثل فلسفة وأخلاقا ودينا وإستطيقا. لقد ولى الزمن الذي كان الإشهاريون يدعون فيه تشريط الذوات المستهلكة بتكرار شعار ما، فالصيغ الإشهارية الأكثر براعة تخفي اليوم رؤية للعالم.... هكذا يقال لكم كيف تحيون دائما حياة أفضل : ماذا تأكلون ؟ وماذا تشربون وأي ثياب ترتدون ؟ وكيف تسكنون منازلكم وتؤثثونها ؟ ها قد تمت برمجتكم».