الثورات العربية والانتقال الديموقراطي عشق الحرية رمز للنبل "كان ذلك عنوان المداخلة التي قدمها وزير الخارجية البرتغالي باولو بورتاس بمبادرة من المعهد الديبلوماسي وبحضورعدد من السفراء السابقين الى جانب عدد من الديبلوماسيين، وقد اراد الوزير البرتغالي أن يمنح مداخلته صبغة رومانسية قبل الانتقال الى عالم السياسية معتمدا بذلك على تجربة أحد شعراء العرب الاكثر شهرة خلال القرن الثاني عشر في البرتغال وهو ابن المكنى Ibn muqana alqabdaqi أصيل الكابيداش alcabideche وتعني منبع المياه في البرتغالية وتقع في ضواحي العاصمة لشبونة عندما كانت البرتغال خاضعة للمسلمين، مستشهدا بقوله أن "عشق الحرية علامة على النبل"... ويقول إنه جاء بعد عشر قرون ليتحدث عن ثورة شاعر عربي في البرتغال جعل من عشق الحرية رمزا للنبل، قبل أن يستطرد وهوالصحفي والنائب البرلماني وزعيم الحزب الاجتماعي الديموقراطي ووزير الدفاع سابقا ليضع مقاربة بين الثورة الشعبية في تونس والتي يصفها البعض "بثورة الياسمين" وبين" ثورة القرنفل" في البرتغال التي وضعت عن طريق الجيش حدا لدكتاتورية سالازار التي استمرت خمسين عاما. وقد اعتبران ماحدث في تونس يعد أهم حدث من الناحية الاستراتيجية منذ سقوط جدار برلين وشدد الضيف البرتغالي على أن تراجع السياحة في هذه المرحلة أمر طبيعي جدا وأكد أن اهتمامه بتونس ليس جديدا وأنه منذ كان وزيرا للدفاع كان لديه قناعة بأهمية منطقة المتوسط الاستراتيجية معتبرا أن موقع البرتغال على البحر منحها القدرة على التحدي والبقاء طوال قرون. وقال الوزير البرتغالي أنه كان في الحادية عشرة عندما وقعت الثورة في البرتغال وبدأ يتعلم العيش في حرية مشددا على أنه يعتقد أنه لا أحد في موقع لتقديم الدروس والمواعظ وان كل تجربة ديموقراطية مختلفة عن الاخرى وأنه لا يمكن الا اقتسام التجارب ولحظات النجاح بين الشعوب.واعتبر بورتاس أن الثورة هي التغيير الحاصل في لحظة شجاعة ولكن مرحلة القمة ليست الى ما لانهاية وأن غالبا ما تعقبها اهتزازات خطيرة، وخلص الى أنه من الخطأ الإعتقاد أن الديموقراطية تتحقق في وقت قصير وأضاف أن الاستقرار في بلاده لم يتحقق الا بعد الثورة بسنتين وأنه لا بد للثورات أن تأخذ وقتها لبناء قواعد سلمية وأن المراحل الانتقالية تؤثر كثيرا على مستقبل الدولة وأكد أن بلاده شهدت أزمات اقتصادية حادة، ولاحظ الى أن البرتغال وجد في الاتحاد الاوروبي سندا له في مرحلته الانتقالية تماما كما وجدن أوروبا في مشروع مارشال سندا بعد الحرب العالمية الثانية واشار الى أن سقوط جدار برلين سمح لبعض دول أوروبا الشرقية بالنهوض وقال الوزير البرتغالي أن مؤشرات التغيير القادم في بلاده لم تكن خفية مع ظهور بعض الزعامات التي صنعت الفارق ووضعت حدا للهيمنة المفروضة على المجتمع وأشار الى أن الاحزاب الكثيرة التي ظهرت سرعان ما تبخرت ولم يبقى منها غير أربعة أحزاب على الساحة.
بين شرعية الثورة وشرعية الانتخابات
وأوضح أن المرحلة الانتقالية استوجبت الانتظار اثني عشر شهرا لانتخاب المجلس التأسيسي لوضع الدستور وسنة أخرى لتنظيم أول انتخابات تشريعية مشيرا الى أن البرتغال شهد في الاثناء ست حكومات انتقالية، وشدد على أنه حتى هذه المرحلة لم تخلو بالمرة من التشنجات والمواجهات التي كانت قائمة بين شرعية الثورة والشرعية الديموقراطية الى جانب التشنجات بين الجيش الذي يعتبر نفسه حارس الثورة وحاميها وبين النواب المنتخبين والتي أمكن تجاوزها بفضل حكمة البعض وأن الامر كان يصل درجة المواجهة في تحديد دور الجيش من ناحية ودور النواب المنتخبين من ناحية اخرى بعد أن أصبح للثورة ما يشبه الحارس الشخصي وكان لا بد مع مراجعة الدستور في1983 وانهاء دور مجلس الثورة. واعتبرأن تلك المرحلة كانت مرحلة انفجار الحوارات والنقاشات وأن العائلة الواحدة كانت تضم كل الانتماءات السياسية المتناحرة من اليمين الى اليسار وأنها شهدت عديد الانفاصلات وحالات الطلاق وأن الكثير من أنصار النظام السابق اختاروا الانتقال الى البرازيل وأن المشهد كانت تغلب عليه الفوضى في كل المجالات فالثورة شملت كل الجوانب فكانت ثورة في الاعلام والكتب والسينما والمسرح... وإعتبر الوزير أن الثورة تبقى حالة "اليوتوبيا" الطوباوية ولكن الحكومة تبقي المجال الممكن وأشار الى أنه لا وجود لثورات بدون طوباوية. وقال ان الثورات تصبح أمرا حتميا في حالات التدهورالقصوى التي لا مجال معها للاصلاح وهو ما يعني حسب قوله أن النظام القديم عليه الانسحاب ليفتح الابواب لقادة جدد. وإعتبر أن الطريق الى التغيير يقتضي الإنتقال من السلاح الى الافكار وإنه في كل ثورة يوجد دوما قوى متطرفة راديكالية وأخرى أكثر تدينا. واعتبر أنه يتعين على الغرب أن يدرك أن قدرالربيع العربي سيحدده الدول العربية وأنه لا مجال للتوريد أو تصدير التجارب الديموقراطية وأنه من المهم أن تتقبل كل الاطراف الخيار الحر وتقبل نتائج الانتخابات وقال "على الاوروبيين أن يميزوا بين العقيدة وبين التطرف. الوزير البرتغالي لم يتردد في الاشارة الى ما شهدته تونس خلال الثورة مشيرا الى أن خيار الشعب كان واضحا وان الشعب لم يقم بثورة لصالح ايديولوجيا. واعتبر أن هناك حاجة لمراجعة الاستراتيجية الاوروبية معتبرا أن أوروبا وبالتعاون مع الجامعة العربية يمكنها تقديم الكثير لمنطقة الشرق الاوسط وأنه لا بديل عن خيار حل الدولتين وأن هذا التوجه سيمنح اسرائيل الامن وقال "من حق الفلسطينيين أن يكون لهم دولتهم ومن حق الاسرائيليين أن يشعروا بالامن"... يذكر أن الوزير البرتغالي صرح خلال زيارته الى تونس أن سنة 2012 ستكون استثنائية للتعاون بين تونس والبرتغال وقال ان زيارته الى تونس قبل موعد الانتخابات رسالة واضحة لدعم المسارالانتقالي في تونس وستعقد الدورة الثالثة للجنة المشتركة بين البلدين مطلع العام القادم.