بقلم: عبد اللطيف غربال سيكون يوم 23 أكتوبر المقبل يوما تاريخيا في تونس، له بلا شك إنعكاسات هامة في العالم. يومها يمارس الشعب التونسي أول عملية إنتخابية ديمقراطية وشفافة قد تتيح له فرصة تاريخية لإختيار من سيمثله في المجلس التأسيسي القادم. ولذا يجب أن يقبل الجميع هذا الإختيار مهما كان لأنه سيكون نابعا من شرعية شعبية طالما ناضلنا من أجلها. فهل سيكون هذا اليوم موعد نهاية المطاف ؟ طبعا لا: لأن الحوار الفكري الحقيقي بين كافة أفراد الشعب ونخبه المتعددة المشارب لم يبدأ بعد، بل إنه همش عندما طغت على الساحة السياسية طيلة الأشهر الماضية الحسابات السياسية الضيقة من أجل السلطة والأفعال المتحجرة والمستبدة بالرأي أو الخلط بين السياسة والدين زيادة عن توظيف كميات من الأموال المجهولة المصدر أو المشبوهة لإستعمالها في شراء ضمائر من هم قليلو الوعي من طرف بعض الأحزاب أو حفنة من الدخلاء على السياسة الذين ظنوا أن ساعتهم قد حلت. كلنا في تونس وخارجها متطلعون لمعرفة البنية الحقيقية للمجتمع التونسي ودرجة النضج الفكري والسياسي عنده ضمن المجتمعات الدولية وستسلط الأضواء على الدور الذي سيلعبه هذا المجتمع المتحرر من قبضة الديكتاتورية المنهارة والرافض لأي ديكتاتورية بديلة. فهل سنكون في موقع أمامي نرمي إلى بناء مؤسسات ديمقراطية وفاعلة تمكننا من التحكم في مستقبلنا والدفاع عن مصالحنا وحماية حضارتنا العربية الإسلامية ومكاسب الوطن السياسية والإجتماعية والثقافية. وفي حال نجاحنا في هذا المجال تصبح تونس مثالا يقتدى به في كل مكان يقوي الأمل والعزيمة عند العرب للخروج من سباتهم العميق وإحتلال مكانتهم الحقيقية بين الدول.. أم سنستسلم لشعارات ومراجع قديمة قد تعطل مسيرتنا للنمو والتقدم وتجرنا إلى الوراء وتجعل منا قوما تهيمن عليهم قوى خارجية أساسا خليجية أو أمريكية أو أوروبية وربما الكل معا. هذه أسئلة تطرح نفسها بنفسها على كل التونسيين والتونسيات والإجابة عنها ستأتي حتما عبر صندوق الإقتراع. فهنيئا للشعب التونسي بهذه الفرصة الثمينة والنادرة والتي ربما قد لا تتكرر إن أسأنا الإختيار. حذار إذن لأنه إن لم ولن نفتح أعيننا ولم ولن نوظف عقولنا فكل شيء قد يكون واردا: المستحب أو المكروه، فاتح الآفاق أو ما هو سوء العاقبة، ما يسر القوم أو ما هو منه يحزنون. و إن دقت يومها طبول الفرح عند البعض وصعقت أجراس الخطر عند الآخرين فيا خيبة المسعى. لأن في ذلك تلويحا لفشل هذا المسار النابع من ثورة 14 جانفي المجيدة نتيجة مكائد أعداء الديمقراطية من الداخل ومن الخارج قد لا تخلفها إلا ديكتاتورية جديدة. فنحن اليوم بين خيارين أثنين: إما أن نقتحم فضاء الديمقراطية بأمان وتفاؤل وعزيمة وبذلك نفوز وتنجح تونس وإما أن نسقط في الجانب المعادي لها ولوعن غير قصد فتنحدر تونس إلى الهاوية. لذلك أصبح من الضروري لجميع الأطراف السياسية أن تؤكد في كل مناسبة إيمانها قولا وفعلا بضرورة إرساء الديمقراطية في تونس وإحترام الحريات العامة والفردية مع اليقظة تجاه من عرف بمطالبته بإحترام المبادئ الديمقراطية طالما يكون في المعارضة وبدوسها عندما يظفر بالحكم وبالخصوص أولائك المشكوك في صدق إيمانهم بالديمقراطية. إن الإعتماد على الدين كركيزة للعمل السياسي فيه إستحواذ على دين هو ملك للجميع ولأنه لا يجوز لأي إنسان أن يوكل نفسه على حياة المواطن. فكيف يعقل إذن أنه من الممكن أن يتوفر الحوار الديمقراطي الثري ويتحقق العمل السياسي الناجع عندما تطغى مجموعة من رجال السياسة على الجانب الروحاني أو العقائدي عند الإنسان ؟ و لذلك يجب دفع النقاش في مثل هذه المواضيع من الآن وقبل فوات الأوان. فكلنا مطالب بأخذ المواقف التي تتعدى الأشخاص والأحزاب والحالات الظرفية مع الأخذ بعين الإعتبار لما هو حيوي بالنسبة للمجتمع وضروري للإنسان اليوم إنطلاقا من تحليل عقلاني ونظرة مستقبلية وذلك للحفاظ على مجتمع مدني يعتمد على أفكار وقوانين معاصرة ينصها ويسطرها الإنسان من أجل الإنسان. كفانا إذن من النقاشات الهامشية والعقيمة التي لا صلة لها بمصالح الوطن العليا مثل الحجاب والنقاب والكفر والعقاب والتزمت والنفاق، ومحاولات تذليل العلم عبر التنديد السخيف بالعلمانية وتكفير كل من أنساق في التفكير متجاوزا ما يحرمه دعاة التطرف العقائدي والإستبداد الفكري. لنتضامن جميعا للدفاع عن الحرية والكرامة ولنطرح للنقاش ولنجد الحلول لكل المواضيع والمشاغل الأساسية التي يواجهها يوميا مجتمعنا. أما ما نرجوه من الناخبين ومن الناخبات فهو أن يكون إختيارهم مطابقا للمصلحة العليا للوطن وللمجتمع وأن لا تذهب أصواتهم للمتزمتين. بذلك يجنبون المجلس التأسيسي القادم مخاطر التشتت والشلل والفشل في صياغة الدستور في الأجل المحدود. و من بين الأخطار المحتملة هو أن يطغى حزب واحد على المجلس التأسيسي ويؤثر بصفة سلبية وخطيرة على أعمال صياغة الدستور الجديد علما بأن كل هيمنة سياسية من طرف واحد تؤدي حتما إلى حكم إقصائي تعسفي وتبسط الفراش لديكتاتورية جديدة لا مناص منها في تلك الحال. فهل هذا هو ما أراده الشعب التونسي إثر ثورة الحرية والكرامة ؟ هل ثار مجتمعنا يوم 14 جانفي لإحلال ديكتاتورية جديدة محل ديكتاتورية منهارة؟ طبعا لا ! فأنهض يا أخي وأنظر دوما إلى الأمام وعبر عن خيارك بكل حرية وقناعة قبل فوات الأوان لأن بعد ذلك لا ينفع الندم. صوتك هام وثمين وبه تصنع التاريخ. فلا تبذره !!! لا تبذره !!!