من يشاهد الأنباء الرئيسيّة على الوطنية الأولى خاصة في هذه الأيام نضمن له انه سيجرب مختلف الحالات النفسية التي يمكن ان يعيشها الإنسان كلما وجد نفسه في ظرف عصيب. نضمن له أنه سيتقلّب بين حالات الضجر والقلق والحيرة والانشغال والاستغراب إلخ وهو أمر نعتقد أنه قد بلغ ذروته في النشرة الرئيسية ليوم أول أمس الخميس. صادف يومها أن كان الحدث بلا منازع مقتل العقيد معمّر القذّافي. مقتل العقيد القذافي وهو على دمويته وعلى اختلاف تقييمات الناس لشكل عملية الإغتيال التي استهدفت الرجل مثّل الحدث الذي تسابقت الفضائيات الإخبارية وغيرها في العالم العربي والغربي على تناوله بمختلف تفاصيله. قتل معمّر القذافي يعتبر منعرجا لا بالنسبة لليبيا فحسب وإنما بالنسبة لكامل المنطقة المغاربية. لم نتوقّع بطبيعة الحال من التلفزيون التونسي أن ينسج على منوال الفضائيات العربية وان يمطر جمهور المشاهدين بسيل من الصور المثيرة في عملية تسابق وتلاحق من أجل الريادة في المجال وإنما توقعنا تغطية للحدث معمقة تسعى للإجابة على الأسئلة التي تخامر التونسيين الذين تابعوا مختلف أطوار الثورة الشعبية الليبية. ولكنّنا وإن تغاضينا على مسالة تأجيل الإهتمام بالحدث إلى وقت متأخر أثناء النشرة الرئيسية للأنباء وسلمنا بأن الشأن الوطني أهم بكثير وخاصة وأننا نستعد لحدث بارز وحاسم في تاريخنا ألا وهو انتخابات المجلس الوطني التأسيسي المنتظرة ليوم الغد 23 أكتوبر الجاري فإنه من الصعب أن نفهم ضعف التغطية للحدث والتناول الذي لا يمكن أن نقول أنه كان على درجة كبيرة من المهنية. نستغرب ذلك خاصة وأن الانباء التونسية سبق لها وأن قدمت مراسلات مهمة من ليبيا أثناء الثورة الليبية. كان التناول باهتا وكان بعيدا عن أن يمثل مرجعا في تناول قناة تلفزيونية وطنية راجعة بالنظر لبلد اختلط قدر سكانه لأشهر مع قدر الآلاف من الليبيين الذين استقبلتهم بلادنا فقاسموا التونسيين الارض وأسباب الحياة مدة لجوئهم إلى تونس هربا من نيران الحرب في ليبيا. مقتل القذّافي وما يرمز إليه هذا الحدث من الإعلان عن بداية عهد جديد في ليبيا لم يشكل على ما يبدو حدثا مهما بالنسبة للأنباء الرئيسية على الوطنية الأولى التي أظهرت برودة في الإهتمام قريبة من الهواية في تغطية الأحداث منه إلى الحرفية وجودة الآداء في مثل هذه الظروف التي تمتحن فيه قدرة الأجهزة الإعلامية على المنافسة. ولا نخال أن الوطنية 1 غير معنية بالمنافسة فإن كانت تنتمي للقطاع العام فهي على الأقل مطالبة بتقديم مادة ذات جدوى تتوفر على حد أدنى من المهنية. لكن مشاهدة الأنباء الرئيسية على الوطنية 1 وبعيدا عن حدث مقتل القذّافي في الفترة الأخيرة تثير فعلا عدة نقاط استفهام لعل أبرزها لمن تتوجه الأنباء الرئيسية بهذه القناة. من المهم تبسيط المعلومة ولكن ليس إلى تلك الدرجة التي تحول القناة إلى أداة تعليمية أو تربوية وكأنها تتوجه إلى صفوف التلاميذ. ريبورتاجات تكرر وتكرر ومتابعات طويلة جدا والدقائق تمر متثاقلة جدا وكأننا لسنا بصدد وسيلة اعلام واتصال جماهيرية وإنما أمام آداة بيداغوجية حتى أننا أحيانا نضطر للبحث عن المعلومة حول بلادنا بطريقة اقل إثارة للأعصاب بقنوات أجنبية. صحيح عانى التلفزيون التونسي في العهد السابق من التوظيف السياسي ولم يكن في يوم ما وهو الذي يعيش من المال العمومي في خدمة المشاهدين التونسيين ولكنه وإن تحرر اليوم بفضل الثورة الشعبية فإنه لم يبرهن خاصة لما تعلق الامر بمواكبة حدث كبير ألا وهو انتخابات المجلس التاسيسي على قدرة كبيرة على الإقناع بل على العكس فإن الآداء يحتاج إلى مراجعة كبيرة وخاصة مراجعة النسق, نسق تلاوة الأخبار أو المرور من حدث إلى حدث ولكن بالأساس الحوار والإتصال بالناس.