بقلم: الأستاذ الدكتورمحمود الذوادي يستعد الشعب التونسي لانتخاب المجلس التأسيسي ويحاول كل فريق الحصول على أكبرعدد ممكن من المقاعد، ومنه فوز بعض شخصياته بمنصبي رئيس الجمهورية والوزير الأول في الحكومة المؤقتة التالية. اللافت للنظر بهذا الصدد أن هناك غيابا كاملا أثناء الصخب السياسي الجاري لدى الأحزاب والمستقلين والمتآلفين والجمهور الواسع بالنسبة للحديث عن بعض المواصفات اللازم توفرها في الشخصيات التونسية التي ستحكم البلاد بعد الثورة وفي طليعتها رئيس الجمهورية والوزيرالأول. وهي مواصفات ضرورية تنسجم مع روح الثورة المنادية بالقطيعة مع كثير مما ساد في المجتمع التونسي في عهدي بورقيبة وبن علي.أقتصرهنا على ذكر البعض منها: 1 يجب أن تتمتع هاتان الشخصيتان باللياقة النفسية. فخلو شخصية المترشح من العيوب والإختلالات النفسية الخطيرة أمرمطلوب لتأهل الشخصيات السياسية للترشح لمنصب الرئيس أو الوزيرالأول. فتقاريرمنظمة الصحة العالمية تحذرمن تدني اللياقة النفسية عالميا. بينما لا ذكر للياقة النفسية في حديث التونسيين بالنسبة للشخصيات التي ينوى التصويت لها. قد يحظرعلماء النفس، مثلا، على المترشح صاحب النرجسية المرضية الترشح للرئاسة. فالرئيس الراحل الحبيب بورقيبة معروف بنرجسيته التي جعلته لايرحب بالنظام الديمقراطي في المجتمع التونسي، لأنه هوالمجاهد الأكبر. ومثل هذه النرجسية القبيحة لايقبلها اليوم المجتمع التونسي المنادي بالديمقراطية. أما الرئيس المخلوع فلاحديث عن لياقة بنية شخصيته النفسية. يكفي الإشارة إلى سلوكات تفيد أنه يشكوعموما من خلل في نسق المنظومة النفسية لبنية شخصيته وبصيرته. فالسماح للطرابلسية بالفساد داخل البلاد وخارجها لايمكن أن تزكيه شخصية سليمة تتمتع بلياقة نفسية جيدة للرئيس والأسلوب الغريب لهروبه من البلاد ينم عن وجود خلل كبيرفي لياقته النفسية. إذ لا يتصورأن يقوم رئيس دولة بمثل ذلك الفرارالمثقل بالخزي والعار لو كان في حالة لياقة نفسية عادية. ومن المؤكد أن العيوب النفسية الخطيرة المتعددة تمثل إعاقة أمام قدرة الرئيس أوالوزيرالأول على تسييرحكم البلاد والعباد بكفاءة كاملة. فلايجوز في عصرتقدم علمي النفس والإجتماع أن لايأخذ التونسيون برؤيتهما ووصاياهما للنجاح في إرساء أسس الحكم الرشيد. 2 يجب توفر مواصفات نظافة اليد في شخصيتي الرئيس والوزيرالأول. وهوما يمنحهما الإيمان القوي بممارسة العدالة الكاملة بين كل جهات البلاد وبالتعامل بالمساواة المطلقة بين كل فئات المجتمع. وهذا ما لم تعرفه البلاد التونسية في عهدي بورقيبة وبن علي. يحتاج التعرف على حضورأوغياب تلك المواصفات إلى معرفة السيرة الذاتية التفصيلية لكل من المرشح للرئاسة ولرتبة الوزيرالأول. ولعل سلوك بن علي وما اتصف هو ومجموعاته القريبة به من فساد يدعوبإلحاح بعد الثورة إلى ضرورة معرفة شفافة ووافية بالخلفية الإجتماعية والسلوكية والأخلاقية لمن سوف يقع اختيارهما لتكون لهما السلطة العليا لقيادة البلاد. 3 ليس من المبالغة القول إن أكبرأهداف الثورة يتمثل في إرساء حكم رشيد ديمقراطي بالمعنى الكامل. ومنه فمن الواجب أن يكون الرئيس والوزيرالأول رائدين في الإيمان العميق بمبادئ الديمقراطية والدفاع عنها قبل توليهما لمنصبيهما. ولكي تطمئن نفوس التونسيين على المحافظة على الديمقراطية، يجب أن يكون الحماس للديمقراطية والإقتناع بفضائلها سمة مركزية في طبع بنية شخصية كل من الرئيس ووزيره الأول. 4 يعلن دستورتونس 1959عن ثوابت الهوية الجماعية التونسية :أن لغة الدولة التونسية هي اللغة العربية وأن الإسلام دينها. وهناك إجماع شعبي قبل الثورة وبعدها أن هوية الشعب التونسي هي هوية عربية إسلامية. ويتطلب هذا الإلتزام المطلق نحو الدفاع عن اللغة والدين من طرف الرئيس والوزيرالأول. وعلى سبيل المثال، فالرئيس بورقيبة لم يكن متحمسا لا إلى التعريب ولا إلى الإسلام. ومن ثم، ويجوزالقدح لغويا ودينيا في مشروعية توليه الحكم في الشعب التونسي صاحب الهوية العربية الإسلامية. وأما بالنسبة لتعريب الإدارات الحكومية التونسية فإن ملف بن علي أفضل من نظيره في عهد بورقيبة.إذن، فإن الرئيس الجديد ووزيره الأول بعد انتخابات التأسيسي أو بعد الإنتخابات الرئيسية والتشريعية لاحقا لا يكونان مؤهلين لانتخابهما لرئاسة وحكم البلاد إذا كانا ضعيفي التحمس والممارسة السياسية الفعلية التي تحمي وتعمل على تقنين استعمال اللغة العربية في كل الميادين واحترام الدين الإسلامي كأهم مقومات الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي. ومن أجل كسب رهان الصراحة والشفافية بعد الثورة لا بد من أن نتعلم الصدق في القول والإخلاص في العمل بالنسبة للغة العربية والدين الإسلامي.إذ لم يصدق حكام تونس المزدوجو اللغة والثقافة أوالمفرنسون بعد الإستقلال في القول والعمل نحواللغة العربية والدين الإسلامي. ولنقتصرهنا على التعرف على حال اللغة العربية في المجتمع التونسي بعد أكثرمن نصف قرن من الإستقلال. فوضعها اليوم عند أغلبية التونسيين يشبه وضع لغة ثانية. فروح الثورة لاتقبل الإستمرارفي النفاق والكذب في مسائل أبجدية بالنسبة لهوية الشعب التونسي. نحتاج إلى ثورة على السياسات اللغوية بعد الإستقلال التابعة لهيمنة فرنسا وعقدة الإستعمار اللتين جعلتا اللغة العربية/ الوطنية في مكانة دونية بين معظم التونسيين في عهدي الإستعمار والإستقلال بحيث لايكادون يشعرون نفسيا ولايتصرفون اجتماعيا إزاءها على أنها لغتهم الأولى، يعتزون ويفتخرون بها ويغارون عليها ويدافعون عنها قبل أي لغة أجنبية. يمكن تغييرعقلية رواسب الإستعماراللغوي الثقافي عند النخب السياسية والثقافية ورجال الأعمال وبقية التونسيين بتبني أمرين يسمحان بالتحررمن استعمارالنفوس والعقول الذي يحدثه الإحتلال اللغوي الثقافي: أ أن لا تكون معرفة لغة أجنبية كالفرنسية والإنقليزية صنارة تقود إلى فقدان اللغة العربية لمكانتها الأولى عند التونسيات والتونسيين كما هوالحال لدى معظمهم اليوم . ب يجب التنصيص في الدستورالتونسي الجديد على قوانين مفصلة لحماية اللغة العربية بحيث تصبح في الواقع الميداني فعلا لغة وطنية، أي لغة التعامل الوحيدة بين التونسيين في مجتمعهم إن التحليل الموضوعي يرى صعوبة كبيرة في الحديث عن ثورة حقيقية في البلاد التونسية والحال أنه لم تقع ثورة لصالح الثوابت اللغوية والدينية. فمن الناحية اللغوية الدينية يجوز القول بأن حكام تونس يفقدون مشروعية التأهل الحقيقي للحكم إذا غلب عليهم الإغتراب عن قطبي هوية الشعب التونسي: اللغة العربية والإسلام. وهذا ما جرى في مسيرة الحكم السياسي التونسي قبل الثورة. إذ أدارت حكم البلاد نخب سياسية وثقافية كثيرة طالما كانت مغتربة اللسان والفكروالعقيدة عن الهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي بحيث لم تخجل من القيام بتهميش وإقصاء النخب التونسية الزيتونية. وتلك مفارقة عارية تعمى أبصار معظم التونسيين عن رؤيتها. فأولو الأمر بسبب وقوع نفوسهم وعقولهم سجينة في لغة وثقافة المستعمر بعد الإستقلال قلبوا الأدوار بخصوص التأهل لحكم البلاد التونسية ذات الهوية العربية الإسلامية. فمنعوا الزيتونيين من المناصب السامية لا لشيء سواء تعليمهم الأكثرتأصلا في قطبي الهوية التونسية العربية الإسلامية. أولم يقل ابن خلدون إن الظلم مؤذن بخراب العمران؟