عاشت البلاد أمس يوما تاريخيا بكل المقاييس..فالثورة التي أطاحت بالدكتاتورية لم تكن لتؤتي أكلها دون حصاد حقيقي لثمارها من خلال انتخابات تقطع مع حقبة معتّمة من تاريخ البلاد كانت الديمقراطية تذبح فيها من الوريد إلى الوريد على عتبات مكاتب الاقتراع.. انتخابات نزيهة وديمقراطية وشفافة لا مجال فيه للتسويف ولتزوير إرادة الناخبين فحتى الموتى لم يسلموا من الورقة الحمراء وصوّتوا مجبرين لبن علي وحزبه المنحلّ..ولعلّ النسب التي فاز بها المخلوع في كل المواعيد الانتخابية التي كانت تفصّل على مقاسه والتي طوال حقبة حكمه لا تقلّ عن 99 بالمائة من أصوات الناخبين !!! ففي أوّل انتخابات بعد انقلاب 7 نوفمبر الذي سمّي بالانقلاب الطبي حيث تحجّج بن علي بتدهور صحة بورقيبة واستولى على الحكم فكانت هذه الانتخابات مهزلة ديمقراطية بأتم معنى الكلمة حيث ربح بن علي الانتخابات ب99.20 بالمائة وكلنا يعلم ما ترتّب عن هذه الانتخابات اذ دخلت البلاد في نفق استبدادي مظلم خاصّة بعد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها حركة الاتجاه الاسلامي التي تقدمت بقائمات مستقلة وقدحت في نتائج الانتخابات واعتبرتها مزوّرة ولا تنم حقيقة على ارادة الشعب..وإذا كانت عملية التزوير والتلاعب بالنتائج هي عنوان الانتخابات زمن بن علي فإنّ وراء عمليات التزوير يقف صقور نظام المخلوع الذين أطاحت بهم الثورة ورمت بهم في غياهب السجون. رفيق الحاج قاسم «عميد» المزوّرين... لا شكّ أن يوم أمس لم يعشه رفيق الحاج قاسم بطريقة عادية كيف لا وهي لأوّل مرة منذ سنوات طويلة يكون بعيدا عن موقع الحدث ولا يدلي بدلوه فيه ولا يفصّل جبة الانتخابات على مقاس عرفه بن علي ..فرفيق الحاج قاسم كان المسؤول الأوّل عن تزوير انتخابات 2009 هو وزمرة ولاته الفاسدون..كان عهده عهد الصناديق «الحمراء» بدون منازع وغير مسموح بالمرة لأي لون أن ينافس الورقة الحمراء التي تعطي عنوة للناخب وإذا لم يمتثل توضع عنوة في الصندوق..يوم أمس قد يكون وزير الداخلية السابق قد واجه لأوّل مرة فداحة الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب التونسي لأنه زوّر إرادته حسب ما يشتهي المخلوع .. بن ضياء وبن عبد الله جنود من خلف الكواليس.. مثلهما مثل وزير الداخلية السابق قد يكون عبد الوهاب بن عبد الله المستشار الإعلامي لبن علي وعبد العزيز بن ضياء المستشار السياسي عاشا نفس الشعور لأنهما راهنا طوال مسيرتهما السياسي على جواد خاسر احترف الكذب على شعبه وكانا رقما مهمّا في منظومة الاستبداد التي أرساها بن علي فالأوّل كمّم أفواه الإعلاميين وقمعهم ومن لم يرضخ يعاقب بأشنع الطرق والثاني كان مهندس سياسة بن علي القمعية ولذلك نعتقد أنهما واجها ربمّا أزمة ضمير وهما يتابعان كيف انتصرت ارادة الشعب الأبي على مخططاتهم الإجرامية هذا إن كانا لهما ضمير أصلا.. واذا كان الشعب التونسي انصرف أمس الى اجتياز امتحان المواطنة في أوّل انتخابات ديمقراطية فانه سيتفرّغ بعد ذلك لمحاسبة من ساهم في نكبته السياسية طوال فترة حكم المخلوع..خاصّة وأن هناك قضية أمام التحقيق تدين المورطين من وزراء وولاة ومستشارين في تزوير انتخابات 2004 2009 خاصّة.