أحداث شغب في عدة معتمديات وحرق مقرات لحركة النهضة تفجر الوضع ليلة امس الجمعة بعدة مدن بولاية سيدي بوزيد عقب التصريح الذي أدلى به الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي للنشرة الرئيسية للأنباء بالقناة الوطنية الأولى حول الأسماء المتوقع ترشيحها لتولي منصب الرئاسة في المرحلة الإنتقالية وكذلك موقفه الرافض لتشريك المساند الرسمي لتيار العريضة الشعبية للحرية والعدالة والتنمية كمبادرة سياسية مستقلة في تشكيلة الحكومة الوطنية الجديدة وبعد أن قامت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بإسقاط 6 قائمات تابعة للعريضة الشعبية بدعوى التمويل الأجنبي الشيء الذي أثار غضب واستياء عدد من أهالي سيدي بوزيد واعتبروا أن ما حصل "حملة تشويه موجهة ضدّ الولاية من طرف النخبة السياسية وبعض وسائل الإعلام وما انفكوا يقزّمون أبناءها رغم أنّها مكنتهم من اعتلاء المناصب وأعادتهم إلى تونس بعد سنوات طويلة من الإضطهاد". وعلى هذا الأساس شهدت ساحة الثورة أمس الجمعة مسيرات سلمية حاشدة رفع أثناءها المتظاهرون شعارات مناهضة لسياسة الإقصاء التي تضمنها خطاب الجبالي بعد أن باحت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي بنتائجها الرسمية وذلك باعتباره مؤشرا سلبيا لآفاق التحوّل الديمقراطي وجرّ البلاد إلى دوامة العنف والصراعات العروشية التي ألقت بظلالها على جهات عدّة في الفترة الأخيرة كما اعتبر المحتجون أثناء اقتحامهم لمقر الهيئة الفرعية الانتخابات مزورة ولم تجسّم الإرادة الحقيقة لاختيارات الشعب، وللإشارة فإنّ مختلف القطاعات شاركت أمس في الإضراب العام دفاعا عن ما قالوا شرف الولاية وكرامتها... ولكن بعض المحتجين قاموا لاحقا بالتوجه إلى منطقة الحرس الوطني ونهب بعض التجهيزات وإضرام النار في المقر وحرق سيارتين ثم أحرقوا مركز الحرس الوطني بسيدي بوزيدالغربية. وكانت مدينة سيدي بوزيد عاشت ليلة أمس الأول أحداث شغب وتخريب ذكّرت الأهالي بأجواء ثورة 17 ديسمبر 2010 والتي انطلقت في حدود الساعة العاشرة مساء بإحراق الإطارات المطاطية وقطع الطريق الرئيسية المؤدية إلى مركز المدينة بواسطة الحجارة وحاويات القمامة بالإضافة إلى رشق مقرّ الولاية ومنطقة الحرس الوطني ومنطقة الأمن الوطني بالحجارة ثم اقتحام مكاتبها وتخريبها وتهشيم النوافذ والأبواب واللافتات والموزعات الآلية للبنوك وإنتزاع العلامات المرورية والإشهارية والكراسي الموجودة بساحة الثورة ورميها في الطريق العام.
خسائر بالجملة
وأسفرت أعمال التخريب التي شارك فيها عشرات الأشخاص بعد انسحاب العدد الاكبر من المحتجين بطريقة سلمية على حرق إدارة الملكية العقارية وسرقة سيارة وتكسير 4 سيارات وإتلاف معدات الإعلامية وإضرام النار في 13 مكتبا تابعا لقصر البلدية وخاصة مكتب الضبط ومكتب المالية ومكتب الصفقات العمومية وإعدام جميع الوثائق الموجودة بها وهو ما يطرح اكثر من نقطة استفهام، كما تعرّض مقر المحكمة الابتدائية للحرق بشكل كامل مما تسبب في إتلاف كافة الوثائق بمكاتب الأرشيف والخزينة والشيكات علما وأنّ عملية الإطفاء ظلت متواصلة إلى غاية ظهر أمس ينضاف إلى كل ذلك إضرام النار في المقر الإعلامي لحركة النهضة واقتحام مستودع الحجز البلدي حيث تمّ تقدير الخسائر الأولية بأكثر من 500 ألف دينار ومحاولة استهداف منطقة الحرس الوطني من قبل مجموعة من المتجمهرين أمامها لإجبار الأعوان على غضّ النظرعن أنشطتهم التخريبية المشبوهة هذا ومن المنتظر القيام بحملة أمنية مكثفة بمشاركة وحدات من الجيش الوطني ومروحية عسكرية لإيقاف المتورطين في هذه الأحداث للحفاظ على الأمن العام وحماية الأشخاص والممتلكات حتى لا تتحول المدينة إلى خراب ودمار يدفع في النهاية ضريبته أبناء الجهة المهمشة والمحرومة.
أعمال شغب في المعتمديات
هذا الغليان إمتد ليلة الجمعة إلى بعض معتمديات ولاية سيدي بوزيد مخلفا المزيد من الخسائر المادية، ففي المكناسي خرج عدد من المواطنين إلى الشارع للاحتجاج قبل أن يعمد عدد منهم إلى اقتحام مقر حركة النهضة وإضرام النار فيه، وفي منزل بوزيان عمد بعض الأشخاص إلى غلق السكة وحرق مقر حركة النهضة وإضرام النار في عربة قطارمعد لنقل البضائع، وفي بئر الحفي قام غاضبون بإشعال الإطارات المطاطية في الشارع وغلق الطريق الوطنية رقم 3 من جهة طريق قفصة بالحجارة والصناديق البلاستيكية، وفي سيدي علي بن عون أقدم عدد من المحتجين على إضرام النار في مقر حركة النهضة.
إعلان حظر التجول
وأمام هذه التطورات الخطيرة وأحداث العنف والشغب والحرق قررت السلط الجهوية حظر التجول بكامل معتمديات ولاية سيدي بوزيد بداية من يوم أمس وإلى أن يأتي ما يخالف ذلك من الساعة السابعة مساء إلى الساعة الخامسة صباحا على أن يستثنى هذا القرار الحالات الصحية والعاجلة وأصحاب العمل الليلي.
هل هي فتنة؟
أمام هذا الانزلاق الخطير بمهد الثورة سيدي بوزيد طرحت أمس عدة تساؤلات حول الأطراف التي تقف خلف حالة الانفلات الأمني وأعمال الفوضى والشغب التي شهدتها الجهة، ولئن اعترف الجميع بحق أبناء سيدي بوزيد في الاحتجاج بطريقة سلمية فإنهم أكدوا على ان بعض الأيادي الخفية تحركت لتضرب مجددا المؤسسات العمومية والمقرات الأمنية وتحث على الفتنة أثناء هذه التحركات السلمية وهو ما جعل البعض حتى من أبناء الجهة يؤكدون على وجود أطراف تجمعية استغلت هذه الاحتجاجات السلمية لبث الفتنة والحث على الاعتداء على المقرات العمومية والأمنية فيما قام آخرون بنشر صور من قالوا أنهم تجمعيون شاركوا في هذه الفتنة... إلى ذلك يتسم الوضع إلى حد كتابة هذه الأسطر بالحذر وعلى الجميع وضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار.