«دعمنا المسار الديموقراطي.. ولم ندعم مرشحين أو أحزابا» «لا وجود لانتخابات مثالية.. والتجربة أثبتت أن المواطن لن يتذكر إلا المشاغل الاقتصادية» رسالة متفائلة وحذرة في الوقت نفسه هي تلك التي وجهها غوردون غراي السفير الأمريكي بتونس أمس الى وسائل الاعلام خلال اللقاء الصحفي الذي عقده غداة اعلان الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات نتائج السباق الانتخابي الذي انتظم الاحد الماضي بعد تسعة أشهر على الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام بن علي... حيث أكد السفيرالامريكي أن بلاده ستسعى الى تعزيز الاستثمارات ودعم مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين الى جانب العمل على دفع مجال السياحة الذي اعتبره دون المطلوب. ولاحظ السفير الامريكي أن العلاقات مع المجتمع المدني ستتسع وستتواصل ولكنه اشار الى ان تبادل الآراء مع الحكومة سيتواصل. ووصف غوردون غراي العملية الانتخابية التي جرت في تونس الاحد الماضي ب»الحدث التاريخي»، وقال ان الرئيس الامريكي باراك اوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بادرا بتهنئة الشعب التونسي على ما تحقق له. وأضاف السفير الامريكي خلال اللقاء أنه زار بعض مكاتب الاقتراع يوم الانتخابات وشهد ما شاهده التونسيون من اقبال الناخبين على عملية التصويت بشكل منظم ومتحضر وهوما جعله يشعر بالانبهار لمشهد الاطفال الذين كانوا يرافقون آبائهم خلال العملية، وعلق غراي بقوله: «من حيث الاقبال لقد سبق التونسيون الشعب الامريكي الذي سجل في الانتخابات الرئاسية لسنة 2008 مشاركة 57 بالمائة من الناخبين مقابل 58 بالمائة بالنسبة للتونسيين». كما قدم السفير الأمريكي في اللقاء الذي طغى فيه الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي، روزنامة مزدحمة بالمواعيد في مختلف مجالات التعاون بين تونس وأمريكا تشمل زيارة وفد من المستثمرين في الفترة بين 31 أكتوبر و2 نوفمبرالى تونس والمغرب والجزائر في اطار الشراكة مع شمال افريقيا، وأشار الى ان الابتكار في قطاع الاعمال وتكنولوجيا المعلومات سيكون موضوع الورشات والدورات التي سيقوم بها الوفد الامريكي برئاسة لورين هاريتون ممثلة وزارة الخارجية الخاصة للشؤون التجارية. وأوضح غراي أن مؤتمرا للغرفة التجارية الامريكيةالتونسية ينتظم في شهر ديسمبر في واشنطن بمشاركة تونسيين في المهجر لدعم السياحة وأنه يجري العمل عليه مع الحكومة التونسية وتشمل مجالات التعاون المستقبلية تكنولوجيا المعلومات والسياحة والتبادل تحت العلامة.
لا وجود لانتخابات مثالية
وبالعودة الى سياق الانتخابات اعتبر أن ما سجل من خروقات خلال الانتخابات محدود مشددا على انه لا وجود لانتخابات مثالية في العالم بما في ذلك الولاياتالمتحدة، وقال ان الهيئة المكلفة بتنظيم الانتخابات قدمت تقريرها للعموم وأنها كانت شفافة في تعاملها مع الحدث. وأشار الى أن الولاياتالمتحدة أرسلت فريقا من الملاحظين الى تونس بينهم أعوان من مركز كارتر وغيرهم ممن يتمتعون بخبرة واسعة في مجال مراقبة سير وتنظيم الانتخابات. ورفض السفير الامريكي التعليق على تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بشأن نتائج الانتخابات في تونس والمخاوف التي عبر عنها من صعود حركة اسلامية للحكم في البلاد ودعوة فرنسا الى ربط المساعدات باحترام حقوق الانسان والحريات مكتفيا بالإشارة إلى أن بلاده دعمت منذ البداية وأيدت المسار الديموقراطي في البلاد ولم تدعم أي مترشح أو حزب خلال الانتخابات التي اعتبرها «شفافة وذات مصداقية» . وكشف أن بلاده ستستمر في المشاورات والمحادثات مع الحكومة القادمة عندما يتعلق الأمر بحقوق الانسان أو بأي انتهاكات اذا كان هناك ما يدعو الى ذلك، كما ستواصل المشاورات في المسائل الخارجية وغيرها، وقال ان علاقة بلاده بالمجتمع المدني في تونس قبل 14 جانفي فرضتها طبيعة نظام بن علي. وذكر السفير الامريكي مجددا بموقف البيت الابيض والخارجية الامريكية التي سارعت بتهنئة الشعب التونسي وقال: «نحن واثقون من قدرة الشعب التونسي الذي قال بوضوح أنه يريد حكومة ديموقراطية وأنه لن يعود الى ما كان عليه الامر قبل 14 جانفي بما في ذلك حقوق الانسان والحريات». وأشار الى أن التحديات الحقيقية اقتصادية وأنه أيا كان رئيس الحكومة الجديد فإن بلاده ستكون حريصة على دعم جهودها لتحقيق مطالب التونسيين وهو ما يقتضي- حسب رأيه - ان تسعى الحكومة التونسية القادمة للتعاون مع الدول الصديقة. وأوضح السفيرالامريكي أن مجالات التعاون بين تونس وأمريكا ستشمل ثلاث مجالات وهي تكنولوجيا المعلومات وتبادل المنشأ والسياحة، وقال ان مستوى السياحة بين البلدين أقل مما يجب أن يكون عليه وأن هذا المجال يستوجب القيام بالكثير من الجهود.
تولي الجبالي رئاسة الحكومة أمر متوقع
وفي سياق ردوده على تساؤلات الصحافيين، قال السفير غراي أن توجه حزب حركة النهضة نحو تعيين حمادي الجبالي رئيسا للحكومة، وهو ما كان الجبالي نفسه أعلنه لوسائل الاعلام، كان أمرا متوقعا، موضحا أن تولي الحزب الفائز رئاسة الحكومة أمر متداول في الانظمة البرلمانية وهو ما يحدث مثلا في بريطانيا حيث يتولى الحزب الذي يفوز في الانتخابات رئاسة الحكومة. وشدد السفيرالامريكي على أن اختيار تركيبة الحكومة القادمة سيكون للمجلس الذي انتخبه الشعب ولا دخل للولايات المتحدة في تحديد قادة تونس في نظام ديموقراطي. وعن المخاوف والشكوك المرتبطة بصعود حركة النهضة في الانتخابات واحتمالات العودة الى دكتاتورية جديدة، رد السفير الامريكي بأنه»لا مكان للعنف في الأنظمة الديموقراطية بعد أن قال الشعب التونسي كلمته بوضوح». وعن احتمالات تأثير قراراسقاط بعض القائمات الفائزة في الانتخابات، رد غراي أن القرار اتخذته الهيئة المعنية بالانتخابات. وأشارالسفير الامريكي كذلك إلى أن كل التجارب الانتخابية بما في ذلك في أمريكا تؤكد أنه لا شيء سيهم المواطن العادي الذي سينسى سريعا الرابحين والخاسرين بعد كل انتخابات ولن يتذكرغيرالارقام والمسائل الاقتصادية وما سيدخل جيبه وأن هذا ما يحصل في كل مكان. وشدد السفير الامريكي على أن الاصعب لم يبدأ بعد وكشف استعداد بلاده لدعم جهود الحكومة القادمة في تونس في مواجهة الاعباء الاقتصادية...
لقاء مع زعماء بعض الاحزاب
وعن تسرب أنباء عن لقائه قادة بعض الاحزاب السياسية بينها الامين العام لحزب النهضة حمادي الجبالي والامين العام لحزب المؤتمرمن أجل الجمهورية المنصف المرزوقي وحزب التكتل مصطفى بن جعفر بالإضافة إلى رئيس الحكومة المؤقتة الباجي قائد السبسي، أكد السفير غراي صحة تلك المعلومات مشددا في نفس الوقت على أنها كانت قبل الانتخابات وليس بعدها، مؤثرا عدم تقديم المزيد من التفاصيل. وأشار الى أن جانبا من المحادثات تعلق ببعض القضايا المستقبلية في تونس الى جانب نقاشات حول زيارة الوزير الأول الى واشنطن. أما عن موقفه من تركيبة الحكومة القادمة، فقد علق السفير الامريكي بقوله أنه يتطلع الى الاعلان عن الحكومة الجديدة التي ينتظر التونسيون اكتشاف وجهها الجديد مشددا على استعداد بلاده للعمل مع أي حكومة تونسية منتخبة بطريقة ديموقراطية. وقال السفير الامريكي ان الولاياتالمتحدة ستواصل توسيع استثماراتها في تونس موضحا أن أمريكا دعمت الثورة التي ألهمت العالم منذ البداية ودعمت بعد ذلك المسار الديموقراطي وإن الاهم أن تقود تركيبة الحكومة الجديدة الى تلبية طموحات وآمال التونسيين. أما عن احتمالات ظاهرة تنامي الاسلام السياسي في منطقة دول الربيع العربي واستعداد واشنطن للتعامل مع هذه الظاهرة مع اقتراب موعد الانتخابات في مصر الشهر القادم ومعها الانتخابات القادمة في ليبيا العام القادم، اشار السفير الامريكي الى أنه لا مجال للتعميم وان لكل بلد خصوصيات مختلفة عن الاخر وأعرب عن أمله في أن يتمكن المصريون والليبيون بدورهم في تنظيم انتخابات شفافة وحرة على الطريقة التونسية تكون فيها الكلمة للشعبين الليبي والمصري. وأشار الى ان بلاده ستتعامل مع ما ستفرزه انذاك صناديق الاقتراع في عملية انتخابية ذات مصداقية وختم بان الشعب التونسي قال كلمته بشان الخيار الديموقراطي وان الشعب الليبي والمصري لديهما ما يكفي من الارادة لاختيار المستقبل الذي يريدان. ورفض السفير الامريكي المقارنة بين موقف بلاده من الانتخابات في تونس وبين موقفها سابقا من الانتخابات الفلسطينية التي فازت بها حركة «حماس»... يذكر أن السيد الباجي قائد السبسي كان أدى زيارة الى واشنطن قبل أسبوعين من الانتخابات وقد اعتبرت الادارة الامريكية انذاك أن تونس كانت مهد الربيع العربي فكانت أول من حظي بزيارة البيت الابيض علما وأن الامين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي كانت له زيارة مماثلة الى الولاياتالمتحدة في ماي الماضي سبقت زيارة الوزير الاول. وشارك الجبالي خلال الزيارة في ندوة بعنوان «أي ديموقراطية في تونسالجديدة اسلامية أو مدنية» نظمها مركز الدراسات حول الديموقراطية والاسلام الى جانب لقاءات أخرى مع مسؤولين أمريكيين...