حرق البرقع عرف في الموروث اليمني واشارة متداولة بين القبائل البدوية للتعبيرعن احساس بالقهر والظلم والاهانة، وحرق البرقع يعد اخر الرسائل التي يمكن أن تلجأ اليها المرأة اليمنية لطلب النجدة من بقية القبائل في حالات الخطرالقصوى لتكون بذلك أشبه بالقطرة التي يمكن أن تفيض بعدها الكأس. ولاشك أن ما أقدمت عليه أحرار اليمن عندما وقفن تلك الوقفة الاحتجاجية التي تناقلتها مختلف فضائيات العالم كان اشارة ذكية لتسليط الاضواء على الثورة القادمة للنساء اليمنيات وتحفيزالرأي العام في الداخل والخارج لاعتماد لغة قبيلة خاصة واستعادة بعض من انسانية ضائعة وكرامة مفقودة. صحيح أنه قد لا يكون بامكان نساء اليمن تحقيق المطلوب وقطف ثمارهذا التحرك في اجال قريبة ولكن الاكيد ان في ذلك اشارة واضحة على أن الامر لن يكون على ما كان عليه في اليمن قبل الثورة الشعبية التي حركت نساء اليمن وربما تحمل الايام القادمة في طياتها بعض من اجوبة مطلوبة لعديد الاسئلة القائمة على أرض مملكة سبأ المرأة الرمز التي جمعت الحكمة ورجاحة العقل وقوة الارادة والجمال... ولا شك أنه عندما تخرج أحرار اليمن لحرق البراقع في الطريق العام فان في ذلك اشارة على أن المشهد في اليمن يتجه الى الانفجاربعد أن امتدت نيران أسلحة قوات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي يصرعلى صم أذنيه على مختلف الاصوات المتعالية المطالبة برحيله لتحصد النساء والاطفال وتؤكد ان لا شيئ حتى الان يمكن أن يعيد صالح الى رشده المفقود... أكثر من سبب من شأنه أن يجعل تلك الحركة الاحتجاجية التي أحرقت معها نساء يمنيات البرقع والحجاب حدث لا يمكن أن يمر دون أن يهز المجتمع اليمني القبلي ولكن ليس دون أن يثير كذلك حفيظة بعض من زعماء القبائل الذين قد يعتبرون في تلك الخطوة إهانة مباشرة لهم ولمكانتهم بعد ان فشلوا في توفيرالحماية للمرأة اليمنية في بلدها وبين أهلها وهي التي لم تتردد في كسر كل القيود والخروج لدعم حشود المتظاهرين من أجل التغيير... ان المفاجاة التي أطلقتها نساء اليمن قبل أيام قد تكون المنطلق لتغييرالكثيرمن الرواسب المترسخة في المجتمع اليمني الذي تطغى عليه الثقافة الذكورية, طبعا سيكون من الغباء الاعتقاد بأن التحول في صلب المجتمع اليمني سيكون انيا ولكن الاكيد أنه لم يعد ببعيد بعد تلك الخطوة الرمزية التي كانت بمثابة صرخة مدوية للفت الانظار الى ما يحدث في اليمن من قمع للنساء. فهذه المرة الأولى منذ نحو تسعة شهور من عمر الثورة اليمنية السلمية التي يسجل فيها مثل هذا الاحتجاج الذي يأتي في أعقاب فوز الناشطة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام الامر الذي شجع المزيد من النساء اليمنيات لكسر قيود الخوف والخروج إلى الشوارع وتصعيد حملتهن إعلاميا في الداخل والخارج لدفع المجتمع الدولي نحو التحرك الفعلي واتخاذ موقف واضح ومسؤول من الانتهاكات القائمة في اليمن. والحقيقة أن أحراراليمن لا يتحركن بمعزل عما يحدث في العالم العربي من تطورات متسارعة أفرزها الربيع العربي الذي كان مهده من تونس... احدى الناشطات اليمنيات قالت في غمرة نقمتها على نظام صالح ان ثورة تونس اندلعت لأن إمرأة لطمت رجلا لم يحتمل الاهانة والاحتقار فكانت الثورة التي ألهبها البوعزيزي... قد تكون تلك بداية الحكاية ولكن الاكيد أن للحكاية بقية لم تكتب بعد وسيكون لفصولها القادمة أبعاد مختلفة قد لا تساعد لغة الارقام والخسائر البشرية اليومية التي تطغى على المشهد في هذه المرحلة على قرائتها بوضوح، ولكن الارجح أنه كما أن المرأة اليمنية أقدمت على حرق برقعها وآمنت بأنه لا أحد سيكون قادرا على تغيير واقعها غيرها فإن المرأة في تونس وليبيا وفي مصر والعراق وفلسطين وفي كل مكان من هذا العالم لن تتردد في حرق البرقع بل وفي احراق كل من تمتد اليها يده لايذائها وستكون حاضرة لتقول كلمتها وتدافع عن حقوقها بيدها، فإن لم تستطع فبلسانها، وإن لم تستطع فبأنيابها وذلك لن يكون أضعف الايمان...