البرلمان: مقترح القانون المتعلّق بحماية الأجانب بالبلاد التونسية إلى لجنة التشريع العام    المرصد الوطني لسلامة المرور: تسجيل 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور، منذ بداية السنة    المنجي الرحوي: 'البرلمان والحكومة يعملان ضد رئيس الجمهورية'    تقرير "تقتيل النساء، الظاهرة المسكوت عنها": تسجيل 25 جريمة قتل نساء خلال سنة 2023 (جمعيات)    وزارة التربية في إستعداد لمعالجة ملف نواب التعليم لإعدادي والثانوي    تأتي تونس الأولى في المسابقة الأوروبية لزيت الزيتون وتحصد 32 ميدالية منها 26 ذهبية في الجودة    تونس تستقطب استثمارات خارجية بقيمة 517 مليون دينار خلال الثلاثي الأول من 2024    قابس: متابعة الخطة الجهوية لحماية الثروة الفلاحية والغابية من الحرائق    رئيس وزراء سلوفينيا: سنعترف بالدولة الفلسطينية بحلول منتصف يونيو المقبل    الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين إسرائيليتين في خليج عدن بالصواريخ الباليستية والمسيرات    كاس تونس لكرة القدم - تعيين مقابلات الدور ثمن النهائي    الرابطة 1 (مرحلة التتويج) حسام بولعراس حكما للقاء الكلاسيكو بين الترجي والنجم    شكري حمدة ل"وات": سيتم رفع عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات في أجل أقصاه 15 يوما    قليبية – نابل الكشف عن وفاق إجرامي بصدد التحضير لاجتياز الحدود البحرية خلسة.    طعن محامٍ أمام محكمة بالقصرين: القبض على المعتدي    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سابقة.. محكمة مغربية تقضي بتعويض سيدة في قضية "مضاعفات لقاح كورونا"    الزمالك المصري يعترض على وجود حكام تونسيين في تقنية الفار    زغوان: حجز 94 طنا من الأعلاف غير صالحة للاستهلاك منذ افريل المنقضي    أبطال أوروبا: دورتموند الأكثر تمثيلا في التشكيلة المثالية لنصف النهائي    يمنى الدّلايلي أوّل قائدة طائرة حربية مقاتلة في تونس    عاجل/ حادثة اعتداء امرأة على طفليها: معطيات جديدة وصادمة..    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي.. "تونس لن تكون مصيدة للمهاجرين الأفارقة"    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    العالم الهولندي المثير للجدل ينفجر غضباً..وهذا هو السبب..!!    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    ستنتهي الحرب !!    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    سالفيني عن ماكرون بعد اقتراحه إرسال جنود إلى أوكرانيا: "يحتاج إلى علاج"    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواتيم الثورة اليمنية
نشر في الحوار نت يوم 13 - 07 - 2011

امتاز اليمن من بين دول الجزيرة العربية بارتباطه بالمد الثوري العربي منذ منتصف القرن العشرين. فكانت أولى موجاته الثورية "ثورة الأحرار اليمنيين" على الإمام عام 1948. وقد اندلعت الثورة اليمنية الحالية يوم تنازل الدكتاتور المصري حسني مبارك عن السلطة، تأكيدا لبقاء الأواصر الثورية القديمة بين مصر واليمن. وقد تم وأد الثورات اليمنية المتلاحقة، فاغتال الإمام ثورة 1948، واغتال علي صالح ثورة 1963 وقتل ميراثها، حينما حولها إلى شعار فارغ يشرِّع الظلم والأثرة.
ولم تكن الشروط الفكرية والاجتماعية ناضجة لثورة ناضجة آنذاك، ولذلك أمكن وأد الثورات اليمنية، وظلت أعراض الاستبداد والفساد بادية على الجسد اليمني على مر العقود.. أعراض لخصها الشهيد محمد محمود الزبيري في بيتين، يصدُقان على اليمن اليوم كما صدقا عليه بالأمس، لكن بشرط واحد بسيط، وهو استبدال (الإمام) الذي كان يحكم اليمن منذ أربعين عاما ب(الرئيس) الذي يحكمه اليوم:

ماذا دهى قحطانَ في لحظاتهم *** بؤس، وفي كلماتهم آلام
فقرٌ وأمراضٌ وظلمٌ فادح *** ومخافةٌ ومجاعةٌ و(إمام)!
"
ظهر الرئيس صالح بعد طول غياب لكنه لم يبد أي اعتبار بما حدث، بل بدا الرجل هو نفسه: معاندا أخرق، وسياسيا بليدا، يجهل منطق الثورات
"
لكن الشروط الثقافية والاجتماعية أصبحت ناضجة لثورة غير موءودة في اليمن، فروح الثورة تجتاح الثقافة العربية اليوم، وقد برهن الشعب اليمني خلال الشهور الماضية على تصميم وحكمة سياسية يحسد عليهما.
وقد كانت المحرقة التي اجترحتها قوات الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مدينة تعز يوم 29 مايو/أيار الماضي مفصلا من مفاصل التحولات السياسية اليمنية. ففي ذلك اليوم اقتحمت قوات صالح ساحة الحرية بالمدينة، وأحرقت الخيام على المتظاهرين، فتفحمت الأجسام النحيلة في مكانها، وجرفتها جرافات السلطة، وكأنها تتعاطى مع ركام من القمامة، لا بشرا من لحم ودم. وكان من بين الحرقى معوقون عجزوا عن الحراك، في وجه آلة البطش ولهيب النار.
لم يتأخر الرد، فبعد خمسة أيام فقط من تلك المحرقة المروِّعة التهمت النيران جسد الرئيس اليمني داخل قصره، والتهمت معه أجساد عدد وافر من قادة سلطته، فدخل اليمن بعدها مرحلة من الغموض السياسي لم تتجل أبعادها حتى هذه اللحظة.
وظهر الرئيس صالح بعد طول غياب بوجه شاحب، وجسم داكن، ويدين مضمَّدتين قد فعلت فيهما النيران فعلها. لكنه لم يُبدِ أي اعتبار بما حدث، ولا أي تقدير لثورة اليمن التي امتد لهيبها حتى اقتحم عليه قصره، بل بدا الرجل هو نفسه معاندا أخرق، وسياسيا بليدا، يجهل منطق الثورات وقوة الشعوب.
ويبقى السؤال: ما الذي يحمل الرئيس اليمني، وقد تآكل قسط كبير من سلطته في أتون الثورة، واحترق قسط كبير من جسده في لهيبها، وفقد احترام شعبه واحترام العالم، أن يكابر لهذا الحد وإلى هذه اللحظة؟ وما الذي يمنع ثورة اليمن من حسم أمرها كل هذه المدة المديدة؟ لقد تضافرت عدد من العوائق الداخلية والإقليمية والدولية، فعضَّدت من عناد الرئيس اليمني، وحالت بين الثورة والحسم حتى الآن. وأهم العوائق الداخلية ثلاثة:
أولها: حرص صالح وأقاربه على عدم التنازل لغرمائهم السياسيين، فهم لا يريدون السماح لهؤلاء بالكسب من ثورة الشعب مهما كلف الثمن. وما أكثر الغرماء السياسيين الذين يحملون إحساسا عميقا بالغبن جراء تقديم صالح لأقاربه في الولايات والأموال، فابنه أحمد تحول إلى سياسي ورجل أعمال وضابط عسكري في لمح البصر، ومثله ابن أخيه يحيى الذي تحول في برهة رجل أعمال ثريا، فقائدا أمنيا، دون أدنى مراعاة لمعايير الأحقية والمهنية.
ومن هؤلاء الغرماء أبناء الشيخ عبد الله الأحمر، الذين قرؤوا المزاج الشعبي في اليمن قراءة دقيقة، وسارعوا إلى دعم الثورة. ومن بينهم حميد الأحمر الذي لم يكن يخفي مطامحه السياسية ونقمته على صالح منذ أعوام خلت، فكانت الثورة الشعبية فرصة له لتجسيد ذلك عمليا.
ومن غرماء صالح الذين لا يريد التنازل لهم اللواء علي محسن الأحمر، وهو ليس من أسرة الأحمر المذكورة، لكنه معروف منذ مدة بأنه غريم لنجل الرئيس أحمد وعدو سياسي له. وهي عداوة ترجع إلى أسباب مركبة، لعل منها إحساس اللواء الأحمر بأن صعود أحمد السياسي والعسكري لم يكن عن جدارة، وأن إعداده لوراثة السلطة كان تجاوزا للتراث الجمهوري اليمني الذي يعتز به اليمنيون كثيرا.
ثانيها: ضعف المبادرة لدى الأحزاب السياسية اليمنية، وهو أمر يرجع إلى عقود من التدجين تحت سلطة الرئيس صالح، وبعض الارتباطات المحلية والإقليمية لدى قادة بعض الأحزاب.
لقد كان من المتوقع أن تبادر الأحزاب اليمنية إلى ملء الفراغ الذي تركه غياب صالح للاستشفاء، بتشكيل مجلس وطني وبناء سلطة موازية. لكنها اكتفت بالتوسل لنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يضطلع بدوره الدستوري، رغم أن الرجل ليس له من الأمر شيء.. ولم يكن في يوم من الأيام أكثر من ظل ضئيل لعلي صالح، وهو اليوم مظلة لنجل الرئيس وابن أخيه.
ثالثها: توازن الرعب القائم بين القوات العسكرية الداعمة لصالح، وأهمها الحرس الجمهوري بقيادة ابنه والأمن المركزي بقيادة ابن أخيه، وبين القوات الداعمة للثورة، وأهمها الفرقة التي يقودها اللواء محسن الأحمر، لأن العاصمة صنعاء تدخل ضمن سلطتها، نظريا على الأقل.

وقد استفاد الثوار اليمنيون من هذا التوازن في منطقة صنعاء، حيث لم يعد في وسع أقارب الرئيس ارتكاب مذابح في وضح النهار، على شاكلة مذبحة جمعة الكرامة. لكن هذا التوازن جمد الجبهة، وجعل الدعم العسكري الذي حصل عليه الثوار دعما رادعا للخصم، وليس دعما رافعا لوتيرة الثورة إلى الحسم.
"
العوائق الخارجية المانعة من حسم الثورة اليمنية حتى الآن أدق وأخفى من العوائق الداخلية, وأهمها النفوذ المالي السعودي، والاستثمار الأمني الأميركي
"
أما العوائق الخارجية المانعة من حسم الثورة اليمنية حتى الآن فهي أدق وأخفى من العوائق الداخلية، وأهمها النفوذ المالي السعودي، والاستثمار الأمني الأميركي.
وهما وجهان لعملة واحدة، فليس لدى السلطة السعودية خيارات إستراتيجية مستقلة عن المظلة الإستراتيجية الأميركية التي تستظل بها المملكة منذ سبعة عقود، حتى في أقرب الأمور مساسا بالشعب السعودي، مثل قضية اليمن، رغم أن المكان والإمكان يلحان على السعودية بالانحياز إلى شعب اليمن، وعونه على استكشاف ممر آمن إلى الحرية، لمصلحة البلدين والشعبين.
لا تتعامل السلطة السعودية مع اليمن في العادة باعتباره دولة، وإنما باعتباره مجموعة قبائل تسعى لكسب ولائها بالدهاء والعطاء. وعلي صالح من هذا المنظور مجرد رأس قبيلة من القبائل اليمنية العديدة. ولا يقتصر النفوذ المالي السعودي على الموالين لصالح، بل يشمل معارضيه أيضا. فالمجلس الوطني للقبائل الذي تموله السعودية يقوده الشيخ حسين الأحمر، وهو من معارضي علي صالح.
ويمكن إجمال أهداف السلطة السعودية في اليمن في اثنين: أولهما أن تبقى السلطة في اليمن ضعيفة وتابعة لها ماليا ودبلوماسيا، ويظل اليمن محكوما برجل عسكري يعمل "شاويشا" لدى السلطة السعودية، يحمي لها حدودها الجنوبية، ويتولى عنها بعض الملفات القذرة، مثل ملف الإرهاب.
وثانيهما ألا توجد سلطة ديمقراطية مستقلة عند خاصرتها الجنوبية، يمكن أن تؤوي معارضين سعوديين، أو تلهم الشباب السعودي المفعم بالحيوية، الذي تزداد الهوة بينه وبين القيادة السياسية الشائخة والقيادة الدينية الجامدة في بلده.
أما الولايات المتحدة فمما تحرص عليه اليوم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من استثمارها الأمني في اليمن منذ هجمات 11 سبتمبر إلى اليوم. فاليمن بموقعه الجغرافي بين السعودية والصومال وأفغانستان، وبما يتصف به شعبه من تشبع بالروح العسكرية والإسلامية يمثل لدى الأميركيين لغزا مؤرقا.
ويبدو أن الأميركيين بنوا في اليمن وجودا أمنيا كثيفا في العقد الأخير بالتعاون مع علي صالح، وهم يدركون أن الثورة اليمنية –شأنها شأن أي ثورة حقة- ستنسف ذلك البنيان، ولن ترضى بالاختراق الأمني والسياسي، إذا أرادت أن تبني دولة مستقلة القرار.
وهناك هدف أميركي أكبر، وهو تعويق الثورات العربية عموما، وعدم السماح بالقطف السهل لثمراتها، لأسباب سياسية وإستراتيجية كثيرة، أهمها تلطيخ النموذج، وإرغام الشعوب إلى الاستنجاد بالغرب، حتى يكون الغرب شريكا في صنع الثورة، أو توجيهها، أو حتى اغتيالها.
لقد كانت ثورتا تونس ومصر فلتة خرجت من أيدي الأميركيين والأوروبيين دون أن يجدوا وقتا للتخطيط والتدخل السياسي. أما الثورات التالية فقد أعدوا لها خطط التأجيل والتعويق. ومن دوافع التعويق الدفاع عن الأطراف خوفا على القلب. فتعويق أميركا للثورة اليمنية جزء من دفاعها الإستراتيجي عن نفوذها في الخليج، خصوصا في السعودية التي هي حجر الزاوية في الجزيرة العربية.
ومنطق الجغرافيا السياسية الذي يفهمه الأميركيون جيدا يدلهم على أن السلطة السعودية، بمصر ديمقراطية غربها، ويمن ديمقراطي جنوبها، ستكون في مأزق حقيقي. أما الجمع بين النفط والحرية فذلك أمر حرام على سكان الجزيرة العربية في الشريعة الإستراتيجية الأميركية.
وتبدو خواتيم الثورة اليمنية متجهة إلى أحد مسارات ثلاثة:
أولها: تصعيد جريء في صنعاء يخرج الثورة من روتينها الحالي، ويفرض على الأحزاب الانخراط في فعل الثورة وصناعة البديل. ويكون هذا التصعيد في شكل زحف هادر على القصر الرئاسي وأهم مفاصل الدولة في صنعاء، ولا يتوقف إلا بعد انهيار سلطة علي صالح وأقاربه، وقد يكون هذا المسار أفضل البدائل وأقلها ثمنا، رغم أنه لن يتم من غير دماء وشهداء.
"
على الثوار اليمنيين أن يدركوا لعبة الأمم، ويحسموا الأمر بأيديهم قبل خمود وهج الثورة، كما أن خروج اليمن من مأزقه يستلزم عدم الرضا بثورة موؤودة
"
وثانيهما: البدء الفوري في بناء سلطة موازية في المحافظات التي ضعفت فيها سلطة صالح وأقاربه، وتعبئة القوى السياسية والاجتماعية خلفها. ثم طلب الاعتراف الإقليمي والدولي بها فيما بعد، وهو اعتراف مضمون إذا نجحت تلك السلطة الموازية في كسب الشعب اليمني. ويتعين بعد ذلك البدء في تفكيك سلطة صالح عسكريا عبر مسار قريب من المسار الليبي، إلا أن لدى اليمنيين من السلاح والخبرة القتالية ما ليس لدى الليبيين.
وثالثها: حدوث حدث طارئ وغير متوقع يقلب المعادلة العسكرية والأمنية الحالية، مثل انضمام كتلة كبيرة من الحرس الرئاسي والأمن المركزي إلى الثورة، أو هجوم على الممسكين بزمام هذه القوات من أقارب صالح، شبيه بالهجوم على الرئيس صالح في قصره. ويمكن حدوث هذا المسار بالتوازي مع المسار الأول، حينما يدرك حماة صالح أنهم يخوضون معركة خاسرة ضد شعبهم.
تدرك السلطات السعودية والأميركية أن علي صالح قد أصبح في خبر كان، لكنهما لا تمانعان من اللعب بجسده المحترق وعنترياته الخرقاء لعبة نفسية وإعلامية، هدفها التأجيل والتعويق، عسى أن يقبل الثوار اليمنيون بنصف ثورة، تبقي على جزء مهم من البنية السياسية والأمنية المخترقَة، وتستنزف طاقة الثورة وعنفوانها، وتلطخ النموذج الثوري الديمقراطي في بلدان أخرى، هي أهم في الحساب الأميركي من اليمن.
ويبقى على الثوار اليمنيين أن يدركوا لعبة الأمم، ويحسموا الأمر بأيديهم قبل خمود وهج الثورة، فلكل ثورة نفَس يطول ويقصر، لكنه لا يدوم. وفي كل الأحوال فإن خروج اليمن من مأزقه، والوفاء لدماء الشهداء، يستلزمان عدم الرضا بثورة موؤودة جديدة في اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.