"شعوبنا شبعت وعظا وخطبا وتريد من يقف إلى جانبها على الرصيف يعالج مشاكلها" المفكر والكاتب الصحفي والمحلل السياسي فهمي هويدي احد عمالقة الساحة الفكرية والسياسية والاعلامية في مصر وفي العالم العربي الاسلامي رغم ما تعرض له من "حصارمزدوج" منذ عقود من قبل الانظمة القمعية و"المتشددين دينيا" ورموز "التيارالسلفي المتطرف". رفض فهمي هويدي مرارا تصنيفه "مفكرا وكاتبا إسلاميا" رغم عمق دراساته وكتاباته عن الاسلام دينا وتراثا وواقعا ومواكبته الدقيقة للدراسات المختصة عن تطورات التيارات الاسلامية والمستجدات السياسية عربيا واسلاميا ودوليا طوال القرنين الماضيين. زار فهمي هويدي تونس مؤخرا وكان له حوار في ندوة مفتوحة بأحد فنادق العاصمة مع عشرات من المثقفين والشباب دعا له "مكتب الشباب في حزب حركة النهضة" كانت على هامشه هذه المصافحة:
كيف ينظر الأستاذ فهمي هويدي الى تونس بعد انتخاباتها التعددية الاولى التي منحت مرشحين اسلاميين اغلبية مريحة وأهلتهم لدخول الحكومة؟
تجربة تونس التعددية رائعة ومميزة منذ ثورة 14 جانفي لكنها تحمل ساستها عامة وزعامات حركة النهضة خاصة مسؤوليات كبرى. هذه هي المرة الاولى التي يصل فيها اسلاميون الى الحكم عن طريق الانتخابات بعد تركيا. ففي السودان وايران استلم اسلاميون الحكم بعد انقلاب او ثورة دعمها الجيش... وبرزت بعد مدة مشاكل عديدة من بينها ممارسات لا ديمقراطية وتعديات على الحريات الشخصية باسم الدين.. بينما في تونس فان فرص النجاح اكبر لان الشعب قال كلمته في انتخابات نزيهة.. لكن انتصار الاسلاميين في تونس قد يكون"محنة" لانهم ورثوا مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وامنية بالجملة، وكثير من النخب العلمانية معارضة لهم بقوة. كما ان قيادات الاسلاميين التونسيين تعاني منذ عقود من القمع الشرس وغالبيتها الساحقة ليس لها أيّة خبرة في العمل الاداري وتسيير شؤون البلديات والمؤسسات العمومية والحكومية بخلاف الاسلاميين الاتراك الذين شاركوا في تسيير البلديات وترأسوا بلدية اسطنبول قبل الوصول إلى الحكم. كما يشارك اسلاميون اتراك منذ عقود في الحكومات وفي تسييرالمؤسسات العمومية بخلاف الاف النشطاء الاسلاميين التونسيين الذين يترددون منذ 30 عاما على السجون واستنزفت طاقاتهم بين المعتقلات والمنافي اي أنهم حرموا من فرصة الاحتكاك بنخب البلاد وبواقع مؤسسات الدولة والبلديات والمجتمع.
شروط نجاح "حكومة النهضة" وحلفائها
في هذا السياق العام هل من الوارد ان تنجح الحكومة التي ستقودها شخصيات من حزب النهضة في تحقيق الاصلاحات التي وعدت بها قبل الانتخابات؟
نجاح حزب النهضة رهين عوامل عديدة من بينها الانفتاح على منافسيها وعلى خصومها ومعارضيها وعلى كل الشخصيات والتيارات التي لم تصوت لها ولا تزال متخوفة من ان تتطور بعد الانتخابات من حزب سياسي مدني يميز بين الديني والسياسي المدني الى "تيار ديني" يخلط بين دور المؤسسات الدينية والسياسية. الشعب لا ينتظر من الاسلاميين الفائزين وخلفائهم المعارضين السابقين مزيدا من خطب "الوعظ والارشاد" بل يحتاج سياسيين ينزلون الى جانبه على الرصيف لمعالجة مشاكله اليومية بدءا من تنظيف الشوارع وتسوية المشاكل المتراكمة في مستوى البنية الاساسية وصولا الى ايجاد حلول ملموسة للمشاكل التي ثار من اجلها وعلى راسها البطالة والفقر والفساد والرشوة وركود الاقتصاد. مجتمعاتنا شبعت خطبا دينية وسياسية ولا تريد مزيدا من الخطباء "السياسيين" الذين يتحدثون عن الخير والشر او عن النار والجنة بل تحتاج سياسيين متواضعين ومتشبعين بالقيم العربية والاسلامية يكرسون مقولاتهم عن التواضع ونكران الذات والتضحية ويبادرون بتحسين الاوضاع الحياتية للناس ويكرسون قولا وفعلا التوافق بين الاسلام والديمقراطية.. بين الحداثة والهوية.. بين المبادئ والواقع.. في هذا السياق اعتبر ان نجاح حزب النهضة في تونس وحلفائه المؤمنين بالعمل الجماعي سيخدم كثيرا فرص دعم الديمقراطية والاعتدال في كامل العالم الاسلامي.. بعد ان حرم الاسلاميون في الجزائر وفي بلدان عديدة من المشاركة في الحكم بعد انتخاب الشعب لهم.. وفي تونس من مصلحة الاسلاميين عامة والقياديين في "النهضة" خاصة المشاركة في الحكم وليس الانفراد به.. ومن مصلحتهم بل من واجبهم الانفتاح على خصومهم ومنافسيهم ومخالفيهم الرأي..
المشاركة دون الانفراد بالحكم
لماذا؟.. هل بسبب تعرض جل قياداتهم طوال ال30 عاما الماضية الى المحاكمات والسجن والاقامة في المنافي اي انها تفتقر الى فهم دقيق لواقع البلاد والمجتمع وإلى تجارب تسيير المؤسسات العمومية؟
فعلا من مصلحة الاسلاميين وبقية المعارضين الذين ليس لهم أيّة تجربة ميدانية في الحكم وفي تسيير المؤسسات العمومية ان ينفتحوا على الديمقراطيين من كل التيارات وان يتعلموا اولا وان يفهموا عن قرب واقع بلدهم.. وليس من مصلحتهم ان ينفردوا بالحكم او ان يتسرعوا في تولي حقائب تستوجب فهما دقيقا لعدد كبير من الملفات الوطنية والاقليمية والدولية.. فهم يتجاوز الانطباعات..
مخاطر الفشل في مصر وليبيا..
وكيف تنظر الى تنامي "التيار السلفي المتشدد" في كل من ليبيا ومصر؟ وهل سينعكس ذلك على انتخابات مصر؟
من ايجابيات الوضع في تونس ان التيار الاسلامي تقوده اساسا حركة واحدة هي حركة النهضة.. بينما في مصر حركات اسلامية كثيرة من بينها 7 احزاب بعضها خرج من رحم "جماعة الإخوان المسلمين" وبعضها الاخر من "الجماعة الإسلامية" و"السلفيين". واذا كان السلفيون وحزب التحرير في تونس لم يشاركوا في الانتخابات فاستفادت بذلك حركة النهضة -التي تتميزعموما باعتدال خطابها السياسي والفكري- فان السلفيين في مصر قوة سياسية وحزبية تربك الاسلاميين المعتدلين.. خاصة ان وسائل الاعلام تهول اخطاء هؤلاء السلفيين وتصريحات بعضهم المتوترة ضد الاقباط والمسيحيين المصريين وضد العلمانيين.. وبالرغم من وزن تيار"الوسطية" الاسلامي في مصر فان مخاطر عديدة تهدد الاصلاح السياسي وتجسيم شعارات الثورة لاسباب عديدة من بينها المواقف المتشددة لبعض زعامات التيار السلفي وحلفائهم ولحساسية بعض الملفات المصرية وعلى راسها ملف التطبيع مع اسرائيل واتفاقية كامب ديفد للسلام بين مصر واسرائيل.