يعلم المهتمّون أنّه منذ 31 أكتوبر المنقضي توقف تدفّق سيل الأموال الأمريكيّة إلى منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم, اليونسكو, وذلك كعقاب لهذه المنظّمة الأمميّة على تجرّؤها على قبول عضويّة دولة فلسطين خلافا لما كانت تنتظره كل من الولايات المتّحدة وحليفتها إسرائيل. تعارض الولاياتالمتحدة وإسرائيل كما هو معروف انخراط فلسطين في الأمم المتّحدة كعضو كامل الحقوق وهي بطبيعة الحال لا تنظر لموقف منظمة اليونسكو إلا على انه محاولة لعرقلة مشاريعها ومشاريع محميّتها إسرائيل كي نقتصر على ذلك لأن الأسباب التي تدفع الولاياتالمتحدة لاتخاذ مثل هذه المواقف المعادية للمطلب الفلسطيني وهو مطلب عربي كذلك متعددة وليس أدناها قيمة الإعتبارات ذات الصلة بالإنتخابات الأمريكية القادمة والرغبة في عدم اغضاب اللوبي اليهودي بالولاياتالمتحدة النشيط والقوي والمدافع بشراسة عن الدولة العبرية وعن مصالحها ولو كره الكارهون. لكن ما رأيكم أن الأمر فيه ما هو إيجابي بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمتضايقين من عربدة الكيان الإسرائيلي والمتشيّعين لحقوق الإنسان عموما. وما رأيكم إن كانت مقولة ربّ ضارة نافعة تصح في هذا السياق وأن الخير كما هو متداول في ثقافتنا العربية الإسلامية قد يأتي من حيث لا ندري وقد يأتي حتى من الأشياء التي تبدو لنا في الظاهر كارثيّة. صحيح إن حجم الأموال الأمريكية ليس بالقليل والعقوبة التّي هي في الآن نفسه مالية وسياسيّة جاءت مضاعفة. فالولاياتالمتحدة أوقفت في الآن نفسه الإعتمادات القارة وهي تقدر ب60 مليون دولار أي ما يعادل 22 بالمائة من الميزانية الرسمية للمنظمة وكذلك مبلغا سنويا يقدر بحوالي 20 مليون دولار موجه لتمويل برامج متخصّصة. وسارت إسرائيل على نفس النهج حيث أوقف هذا الكيان بدوره صرف مساهماته بالمنظّمة والتي تقدّر بحوالي 2 مليون دولار. طبعا لا يمكن في قراءة أولى للحدث إلاّ أن نقرّ بالظلم وأن نعتبر أنّ مثل هذه الخطوات هي تكريس لسياسة الولاياتالمتحدة القائمة- وهذا أمر لا يخفى كذلك على النّاس على المكيالين,سياسة عمادها الوفاء الدائم والمساندة اللاّمشروطة للكيان الإسرائيلي. العقوبة من شأنها كذلك أن تضعف منظّمة اليونسكو التي تقوم بدور كبير في مجالات الثقافة والتربية والعلوم كما أنّها توظّف جزء من اعتماداتها مثلا كي نقتصر على بعض الأمور التي تهمنا بشكل مباشر لإعانة ما يسمّى بالصحافة البديلة في بلدان شمال إفريقيا. وكانت المديرة العامّة للمنظّمة في تصريحاتها بالمناسبة لعلّ أبرزها الحديث الذي خصّت به صحيفة «لوموند» الفرنسية وأشارت لبرامج دعم « للصّحافة الحرّة بكل من العراق وتونس ومصر « (وقد يكون من المهمّ إذا أردنا أن نفتح قوسا أن نتساءل عن أيّ صحافة حرّة في بلادنا تتحدّث المديرة العامّة لليونسكو عن دعمها) عددت الإنعكاسات السلبية التي يتوقع أن تنجر على عمل اليونسكو في غياب الأرصدة الأمريكية بالخصوص.
من أحقّ بفلسطين أرض الحضارة ومنشأ الأديان السماوية بكرسي في اليونسكو؟
صحيح إن القراءة الأولى للحدث تجعل الملاحظ خاصة إذا كان ينظر للأمر من زاوية المصلحة العامة أي مصلحة البلدان الأعضاء باليونسكو وكان قد ازداد عددهم بإنضمام دولة فلسطين من 194 إلى 195 يعتقد أن منظّمة اليونسكو في خطر رغم أن المديرة العامّة لليونسكو حاولت في تصريحاتها حول تمويل المنظّمة التقليل من خطورة المسألة. المسؤولة الأولى عن المنظّمة الأمميّة استندت إلى بقاء الولاياتالمتحدة بالمنظمة واقتصارها على إيقاف صرف الأموال لتعتبر ذلك مؤشرا إيجابيا. صحيح إذن أن عدة اعتبارات تجعل الملاحظين يخشون من انعكاسات انحسار الموارد المالية لليونسكو على برامجها في مجالات عديدة خاصة منها دعم فرص التعليم بالدول الفقيرة والمتخلفة وحماية التراث العالمي وغيرها ولكن اليونسكو قد تعفينا مستقبلا من برامج لا يمكن أن نقدر قيمتها ذلك انها أكبر من المال ومن الدورلارات مهما كان حجم سمكها. المعلومة جاءت على لسان المديرة العامة لليونسكو في حديثها إلى « لوموند «. لم تكن تقصد بطبيعة الحال ما ذهبنا إليه ولكنها دون أن تخطط لذلك على ما يبدو فتحت آفاقا في اتجاه ما نريد . فبناء على قولها وفي غياب الأرصدة الأمريكية قد لا نضطر مستقبلا لصرف أموال هامة على برامج تربوية تهدف مثلا إلى دمج ما يعرف ب»الهولوكست» أو محرقة اليهود في البرامج التربوية والتعليمية بعدد من بلدان العالم. وهي برامج تخدم بطبيعة الحال السياسة الإسرائيلية. وبرامج على هذه الشاكلة لا تهدف لتقديم خدمة تاريخية للعالم وإنما هي حمّالة رسائل سياسية موظفة لفائدة الإسرائيليين الذين يريدون من خلالها تركيع العالم وجعله دائما يعاني من أزمة ضمير وبالتالي مواصلة الصمت على كل مشاريع الكيان الإسرائيلي الإستيطانية والإرهابية. يكفي أن تسقط مثل هذه البرامج من جدول أعمال منظّمة اليونسكو حتّى يصبح للمنظمة مصداقية أكثر أمام شعوب العالم التي تشعر بالضيم من سياسة التّمييز المتواصل لفائدة الكيان الإسرائيلي. وهذه هدية لا تقدر بثمن. رب ضارة نافعة لنا نحن العرب والمسلمين وشعوب العالم المتشيعة للحقّ فنحن لم نربح فحسب كرسيّا جديدا بالمنظمة ومن أحقّ من فلسطين أرض الثقافة والتاريخ المثقل بالحضارات المتعاقبة ومنشأ الأديان السماوية بكرسي في اليونسكو وإنما أيضا ها هي فرصة تتوفر لنا كي يخرج العالم من سجن «الهولوكست» والقراءات الموظّفة له التي تسعى إسرائيل دائما وبلا هوادة إلى زجّ العالم فيه إلى الأبد فهل تفتح خزائن الأموال عند ميسوري العالم وعلى رأسهم من يهمهم أمر فلسطين كي يعوّضوا الأموال المشروطة لأمريكا والأموال التي يبتزّ بها الكيان الإسرائيلي من يجرّون وراءهم عقدة ذنب تطرح آلاف الاسئلة.