طرحت في المدة الأخيرة وخاصة بعد انعقاد أولى جلسات المجلس الوطني التأسيسي اشكالية جمع نواب المجلس لعضوية الحكومة في نفس الوقت وهو أمر قد يؤثر على الوظيفة الرقابية للمجلس على الحكومة المقبلة التي ينتظر ان تتشكل خلال الأسبوع المقبل بعد المصادقة على قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية، وقانون النظام الداخلي للمجلس التأسيسي. علما ان الحكومة المرتقبة التي ستكون ذات صبغة ائتلافية تشارك فيها الاحزاب الثلاثة التي تحصلت على أكثر مقاعد داخل المجلس وهي حركة النهضة، والتكتل، والمؤتمر، ستضم عددا من اعضاء المجلس التأسيسي من الأحزاب الثلاثة وقد يرتقي عددهم إلى أكثر من 10 أعضاء..وهو ما يطرح تساؤلات بخصوص امكانية حصول شغورات داخل المجلس .. للآجابة عن هذا السؤال من وجهة نظر قانونية أكد خبراء في القانون الدستوري ل"الصباح" أن البت في مسألة الجمع بين الوظيفيتن يعود إلى المجلس التأسيسي وحده حين يناقش مشاريع قانوني النظام الداخلي، والتنظيم المؤقت للسلط العمومية. وحذّر أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري والأنظمة السياسية وعضو لجنة الخبراء بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة سابقا من أن الجمع بين الوظيفة الحكومية، وعضوية المجلس التأسيسي قد يؤدي إلى سيطرة هاجس ممارسة الحكم على عمل المجلس وبذلك تحول مسألة وضع الدستور إلى مهمة ثانوية. وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على مستوى صيغة تحرير الدستور والوقت المخصص له. وقال في حديث ل"الصباح" اجابة عن سؤال تعلق بقانونية الجمع بين عضوية المجلس التأسيسي وعضوية حكومية، أن المرسوم عدد 35 المنظم لانتخابات المجلس التأسيسي لم يمنع من ذلك، بل منع تحمل اعضاء المجلس لمهام وظيفية أخرى في الدولة محددة.. وبين أن المرسوم 35 تضمن شرحا للحالات التي لا يمكن فيها الجمع بين عضوية المجلس التأسيسي بين مجموعة من الوظائف محددة في الفصول 18 و19، و20، و21 و22 و23 مباشرة وظيفة غير انتخابية التي يتقاضى فيها أجور على غرار الوظائف المسندة من قبل دولة أجنبية حكومية يتقاضى اصحابها اجورا، كما لا يمكن الجمع بين عضوية المجلس ومباشرة وظائف عمومية غير انتخابية يتقاضى اصحابها أجورا من الدولة او الجماعات المحلية او المؤسسات العمومية او الشركات ذات المساهمات العمومية المباشرة او غير المباشرة. كما يحجر على كل عضو ان يقبل خلال مدة نيابته خطة بإحدى المؤسسات او المنشآت العمومية. ويعتبر كل عضو معفيا وجوبا من وظائفه المشار اليها على معنى الفصل 23 من المرسوم الانتخابي.
يجوز..لكن..
لكن المرسوم لم يحجر الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية المجلس، معنى ذلك أنه يجوز الجمع بين الوظيفية الحكومية وعضوية المجلس التأسيسي، وبالتالي يجوز لأي وزير في الحكومة المقبلة إن كان عضوا منتخبا للمجلس التأسيسي الاحتفاظ بمقعده. لكن المرسوم ينص أيضا على وجوبية تقديم عضو بالمجلس التأسيسي استقالته من المجلس إذا عرضت عليه وظيفة عليا بإحدى مؤسسات الدولة، وفي هذه الحالة يتم سد الشغور داخل المجلس وتعويض العضو المستقيل بالمترشح الموالي في الترتيب من نفس القائمة التي فاز فيها العضو المستقيل. مثلا لم يكن الجمع بين الوظيفة الحكومية وعضوية المجلس القومي التأسيسي سنة 1956 ممنوعا، فالزعيم حبيب بورقيبة حين كلفه الباي في 14 أفريل 1956 بمنصب الوزير الأول، قال إنه لا يمكنه الجمع بين وظيفة رئيس المجلس، ومنصب الوزير الأول فاستقال من منصب رئيس المجلس التأسيسي لكنه في المقابل طلب الاحتفاظ بمقعده داخل المجلس. وهو ما يفسر احتفاظ جل اعضاء الحكومة بعد الاستقلال على مقاعدهم في المجلس القومي التأسيسي.
المجلس سيد نفسه
لكن محفوظ شدد على أن المجلس التأسيسي يبقى في النهاية سيد نفسه ، إذ يمكنه من خلال الدستور الصغير او ما يعرف بالقانون المنظم للسلط العمومية منع الجمع بين الوظيفة الحكومية وعضوية المجلس التأسيسي، وبالتالي سنكون مجبرين على تنظيم انتخابات جزئية لسد الشغورات المترتبة عن هذا المنع على اعتبار أن عددا من أعضاء المجلس التأسيسي سيعينون اعضاء في الحكومة المقبلة. أما من الزاوية السياسية، فالمعارضة يمكنها أن تطرح مثل هذا الاشكال ومن حقها المطالبة بمنع الجمع بين عضوية المجلس وعضوية الحكومة من خلال مطالبتها بالتنصيص على المنع في مشروع الدستور الصغير، وذلك عبر تقديم حجج موضوعية وواقعية تبتعد عن منطق الحسابات.. لكن منطق الأغلبية، قد يعسر من مهمة المعارضة الأقلية داخل المجلس التأسيسي التي لن تكون في كل الحالات قادرة على قلب الموازين او فرض رأيها سواء داخل لجنة اعداد مشروع قانون تنظيم السلط العمومية، أو خلال الجلسة العامة. ويسانده في هذا المقترح الخبير في القانون الدستوري منير السويسي الذي قال إن الجلسة العامة للمجلس التأسيسي وحدها كفيلة بالبت في موضوع الجمع بين الوظيفتين حين يتم عرض قانوني النظام الداخلي، والتنظيم المؤقت للسلط العمومية للنقاش والمصادقة النهائية. لكنه أكد في النهاية على أن المسألة سياسية وتحتاج إلى توافق سياسي بين الكتل النيابية.
الحل في التوافق السياسي
نفس الحل اقترحه الأستاذ أمين محفوظ الذي قال إن الحل في اعتماد التوافق السياسي بين جميع الكتل السياسية بالمجلس التأسيسي وتنظيم حوار بشأن الموضوع تقدم فيه المعارضة جميع الحجج الموضوعية الممكنة لدعم مقترحها بمنع الجمع بين عضوية التأسيسي وعضوية الحكومة والتركيز على ايجابية الطرح على اعتبار أن منع الجمع سيمكن تفرغ الحكومة لتنفيذ عملها وبرنامجها ، والمجلس من ممارسة مهمهته الأساسية التشريعية ومراقبة عمل الحكومة..وخاصة التأكيد على عنصر الاستقلالية الذي يمكن ان يتمتع به عضو الحكومة حين لا يكون مضطرا للجمع بين المهمتين.
ايجابيات الفصل بين المهمتين ومخاطر الجمع بينهما
ومن ايجابيات الفصل بين المهام الحكومية والنيابية تقوية التضامن الحكومي داخل الحكومة نفسها، لكن الابقاء على الجمع قد يقلص من التضامن ويجد عضو الحكومة نفسه مطمئن البال، على أعتبار أن مقعده في المجلس التأسيسي مضمون ويمكن ان يعود اليه متى شاء. علما أن من المخاطر المحدقة التي قد تنتج عن عملية الجمع بين المهمتين هو حصول جدل قانوني ونقاش سياسي بين الكتلة الحاكمة وكتلة المعارضة بخصوص هذه المسألة، وعوض ان يقوم المجلس التأسيسي بمهامه في عام واحد كما وعدت به الأغلبية قد يضطر للتمديد لنفسه والاستمرار لأكثر من عام..كما ان مهمة رقابة المجلس للحكومة قد ينقص جدواها وفاعليتها إن كان اعضاء الحكومة انفسهم هم الخصم والحكم في نفس الوقت، فهل يراقبون انفسهم. أم ستكتفي المعارضة لوحدها بوظيفة الرقابة.؟ ويقول محفوظ في السياق ذاته أن المسألة مرتبطة بالنظام السياسي ففي الأنظمة المقارنة نجد مثلا الولاياتالمتحدةالأمريكية تمنع الجمع بين عضوية المجالس النيابية وعضوية الحكومة وبالتالي فهي تكرس مبدأ الفصل العضوي بين السلطات الثلاث، أما في فرنسا التي تطبق النظام الرئاسي فلا يمكن ايضا الجمع بين الوظيفة الحكومية وعضوية مجلس النواب، لكن في بريطانيا التي تطبق النظام البرلماني يوجد فصل وظيفي بين المهمتين لكن لا يوجد فصل عضوي، إذ يمكن الجمع بين الوظيفتين على اعتبار أن القانون البريطاني يمنع دخول أي مسؤول او وزير مجلس النواب ان لم يكن له صفة النائب.
طغيان مجال الحكم
لذا فإن من مساوئ الجمع بين الوظفيتين هو طغيان مجال الحكم على وظيفة المجلس التأسيسي على حساب المهمة الأساسية وهي اعداد دستور جديد..وقد يؤدي ذلك الى مشاكل نحن في غنى عنها. يذكر أن أمين محفوظ كان قد حذر في حوار لنا معه نشر بتاريخ 20 أوت الماضي من مخاطر سيطرة هاجس ممارسة الحكم على أعمال المجلس التأسيسي وتحول مسألة وضع الدستور، التي هي المهمة الأصلية، إلى مهمة ثانوية. وهو أمر سيكون له انعكاسات سلبية على مستوى صيغة تحرير الدستور والوقت المخصص له.