صراخ... أصوات تتعالى من هنا وهناك تطالب بحقها في التدخل، فوضى، احتجاجات من كل الاتجاهات.. هكذا هي الاجواء التي تطبع بعض نقاشات المجلس التأسيسي.. أجواء تجاوزت مؤخرا عتبة الصراخ إلى حد التنابز بالألقاب.. يعلل الساسة والمهتمون بالشأن السياسي ذلك أن الأجواء الساخنة تصنف ضمن مقتضيات الديمقراطية استنادا الى أن أعرق الديمقراطيات يشهد برلمانها جدلا واسعا كما تشهد مناقشاتها اجواء لا تخلو من مشادات كلامية ساخنة.. غير ان البعض يرى في ذلك قلة دراية بخبايا "السياسة".. من منظور علم الاتصال يرى الأستاذ صلاح الدين الدريدي (أستاذ بمعهد الصحافة وخبير في الاتصال) أن الجدل الكبير والمشادات الكلامية التي طبعت أجواء "التأسيسي" تعد من العلامات التي تميز الديمقراطية، فحتى أعرق وكبرى الديمقراطيات يشهد برلمانها نقاشا حادا يصل حدّ الصراخ، وشتما.. كما أنها تتطور في بعض الأحيان الى تبادل العنف. وهو ما يعتبر أمرا عاديا للغاية علما أن نقاشات المجلس التأسيسي لم تبلغ هذا الحدّ من الخطورة. وأورد الخبير أن التجربة التونسية في التعامل الديمقراطي لا تزال في طور "التخمير" كما أن فصولها تحبك بروح تونسية ستلوّن حتما بلون الديمقراطية، غير أن هذه التجربة لا بد أن تتدرب من وجهة نظره على قواعد الجدل والمجادلة ولا سيما أن النقاشات تبث مباشرة على شاشة التلفزة، الأمر الذي يجعل رجل السياسة يقيّم وفقا لما يتلفظ به. وأضاف المتحدث أن المشادات الكلامية الحاصلة نابعة من "فطرة" التجربة خاصة إذا ما مس النقاش أشياء حساسة من ذلك الفصل الذي يتعلق بالشروط التي لا بد أن تتوفر في رئيس الجمهورية، غير أن التنابز بالألقاب أو التلفظ بمصطلحات مخلة بالأخلاق يجسم "صبيانيات إعلامية" ويبقى الرأي العام كفيلا بالقيام بعملية "التصفية".
أميّة سياسية
من جهة أخرى أشار الدريدي الى أن الساسة يعانون أمية اتصالية وإعلامية وسياسية وجب رفعها فضلا عن غياب التكوين وهو ما يبرر أحيانا حدة النقاشات. وأضاف انه من الضروري أن يعرف رجل السياسة أن الإعلام هو "أكثر من سلطة رابعة" وأن يتقن رهانات التلفظ أمام الجميع. وعرج في نفس السياق الى أنه على الساسة أن يتقنوا الجانب المسرحي لمداولات المجلس التأسيسي حتى يتسنى لهم الإقناع استنادا الى أنه مفقود تلفزيونيا وهو ما يبرر الفوضى، وطلب النواب للتدخل في ذات الوقت علاوة على التلفظ بكلمات تعد قاتلة سياسيا وخلص الخبير الى القول "السياسة كلام.. لكن ليس كل الكلام سياسة".