آسيا العتروس يوم أمس كان استثنائيا في مسيرة تونس بعد ثورة الرابع عشر من جانفي الماضي التي غيرت وجه العالم أوهذا على الاقل ما نأمل ونتطلع جميعا الى أن يتحقق. لا صك على بياض، لا تفويض بلا شروط، لا غناء عن المساءلة والمحاسبة ولا تنازل أو استقالة عن ممارسة حق المواطنة وهي اللاءات التي ترددت على الساحة السياسية والاعلامية على مدى الايام التي سبقت اختيار الرئيس الجديد للبلاد وهي اللاءات التي يمكن بمقتضاها توفير الحصن المطلوب للدفاع عن المسارالديموقراطي في هذه المرحلة الحساسة... صحيح أن عملية اختيارالرئيس الجديد المناضل والحقوقي السيد المنصف المرزوقي لم تحمل في طياتها مفاجأة تذكر باعتبارها نتيجة محسومة في عملية المخاض العسير المستمر في صلب الترويكا أو التحالف الفائزفي انتخابات المجلس التأسيسي ولكنها شكلت منعرجا لواقع سياسي لا مكان فيه للتغول والهيمنة لاي حزب أوفرد ولا موقع فيه لنسبة تسع وتسعين في المائة التي كانت عنوان مرحلة الاستبداد والحكم المطلق الذي أجمع التونسيون على رفضه. على أن الواقع أن ما تابعه الرأي العام التونسي وتابعه الرأي العام العالمي بالامس انطلاقا من منبر المجلس التأسيسي وصولا الى رحاب قصر قرطاج لا يجب ولا يمكن أن يحجب عن الانظار الكثير من الحقائق أو يخفي الثغرات التي لا يمكن معها أن يتحقق رهان الديموقراطية. ولعل في تصويت المعارضة باعتماد الورقة البيضاء ما يحمل في طياته أكثر من رسالة وهي أن كل المظاهرالاحتفالية التي سبقت أو رافقت محطات اختيار الرئيس الجديد لا يمكن أن تلغي الشكوك والهواجس بشأن المستقبل في مرحلة لايزال المشهد السياسي في بلادنا هشا في ظل الازمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والامنية العالقة. وبعيدا عن السقوط في تلك العادة البغيضة واستعراض ما تضمنه خطاب الرئيس الجديد بالتحليل والتفسير فلا شك أن المرزوقي كان محقا الى حد ما عندما خلص الى أن التاريخ وحده سيحكم له أوعليه... والارجح أن سيد قرطاج الجديد وحلفاؤه سيجدون أمامهم شعبا لن ينتظر طويلا لمحاسبتهم اذا ما حادوا عن اهداف الثورة أوتجاهلوها أو تنكروا لها. وفي انتظار الدستورالجديد الذي سيحل محل "الدستور الصغير" فان المستقبل وحده سيكون كفيلا بالحكم على من حملهم الشعب مسؤولية الامانة لتحقيق الحلم التونسي وتحقيق أهداف الثورة ووضع دستور للبلاد يكون دستور كل التونسيين دون استثناء. كلمة أخيرة نهمس بها في أذن الرئيس الجديد ألا ينسى في غمرة النشوة بالوصول الى كرسي الرئاسة أنه وجد له ذات يوم عندما كان خلف القضبان في الزعيم الافريقي نلسون مانديلا نصيرا ومخلصا له من الظلم والاستبداد عندما تدخل لاطلاق سراحه ومنحه الفرصة ليعود بعد سنوات المنفى الطويلة الى تونس رئيسا للبلد الذي هرب منه قسرا...