من يهدد حرية الإبداع في تونس الثورة؟ ومن يهدد الفنان التشكيلي في ممارسته لفنه وحريته؟ وهل ما زال التونسي يقبل بعد 14جانفي ادلجة الفكر بفرض نظم غير ديمقراطية لا تمت للحرية بأية علاقة وبربط المعتقد والإيديولوجية بالنشاط الفني بصفة عامة؟ وهل يمكن أن يسمح المثقفون مستقبلا بتقييم العمل الفني إيديولوجيا ومن منطق أفكار مسبقة وبتحييد المختصين العارفين بمجالاتهم والذين تفخر بهم تونس في العالم حيث يعترف بإبداعاتهم في اغلب مجالات اختصاصاتهم الفنية مما يجلب لهم الجوائز والتكريم العالمي ولتونس التبجيل والاحترام وسط القرية الكونية التي أصبح يشكلها العالم بعد ان انتفت منها الحدود بين البلدان والحضارات بفضل امتداد وتوسع الشبكة العنكبوتية وتغلغل الانترنت في كل المجتمعات التي انفتحت على بعضها البعض؟ هل يسكت التونسي على من يريد ان يكون وصيا على عقله وفنه؟ هذا تقريبا محتوى الندوة العلمية حول حرية الإبداع وهي إحدى أهم فقرات الأيام المفتوحة في الفنون التشكيلية التي اشتركت في تنظيمها دار الشباب حي ابن خلدون مع اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين تحت شعار "تونسي مبدع حر" وذلك بمساهمة الإدارة العامة للشباب والمندوبية الجهوية للثقافة بولاية تونس واللجنة الثقافية المحلية بالعمران الأعلى. هذه الأيام المفتوحة في الفنون التشكيلية التي انطلقت صباح أمس الأربعاء ستتواصل إلى غاية 25 من هذا الشهر بدار الشباب حي ابن خلدون. وتتضمن أيضا ورشات مفتوحة في الفنون التشسكيلية كالنحت والخزف والحفر والرسم والتصوير الفتوغرافي والغاية من تنظيمها حسب تصريح للسيد خميس عبدة مدير دار الشباب بحي ابن خلدون هو: "ربط الصلة بين الشباب الهاوي لهذا النوع من الفنون والفنانين المحترفين والتشجيع على الرسم على جميع المحامل خاصة وان اغلب التجهيزات المطلوبة متوفرة عندنا وان النشاط موجود وهام ويشرف عليه أساتذة أكفاء من المعهد العالي للفنون الجميلة ولا ينقص إلا التعريف به على نطاق أوسع." إضافة إلى الندوة والورشات يسكون لهذه الأيام محور ثالث وهوعرض ما سينجز من إبداعات في المركز الثقافي والرياضي للشباب بالمنزه السادس أيام 23 - 24 25 و26 جانفي 2012.
التشكيليون الشيوخ يمدون الأيدي للشباب
بالنسبة إلى الندوة التي قدم لها الأستاذ المنجي معتوق رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وأكد خلالها على ضرورة أن يمد المحترفون الكبار الأيادي للشبان الموهوبين استهلها الحبيب بيدة أستاذ التعليم العالي في فنون وتقنيات الفنون بمداخلة تحدث فيها عن تهميش النظام السابق للثقافة وعمله على جعلها مرادفا للتسلية والترفيه السطحي مما جعل الأموال الطائلة التي تصرف لا تتمكن من تغيير ذهنية الشباب التونسي إلى الأفضل ومن المؤسف أن نقول اليوم أننا لم نسمع من الساسة عن مشروعات واضحة تهم الثقافة والفن التشكيلي بالذات، وربما يتفطن شباب المعاهد العليا للوضع ويحاولون إخراج الفن التشكيلي من بوتقة التفريغ والترفيه عن النفس إلى اعتباره إبداعا يساهم في بناء الوطن وحضارته. وأضاف بيدة بأن المبدع ينتج للآخر ويقدم فنا ايضافيا للمجتمع وهو مطالب بأن يكون حرا في هذا المجال وبأن يقتنع ان إبداعه ليس اعتباطيا بل وراءه فكر ووعي. وعرج في مداخلته على ظاهرة تحريم الإبداع والفنون التشكيلية بصفة خاصة وقال انه من الغريب أن يعطي الله الإنسان ملكة الخيال فيتخلى عنها ويمنع ما ينتج عنها من إبداع بسبب طرح إيديولوجي عقائدي ومرجعيات غير مفهومة. أما الأستاذ عفيف البوني رئيس تحرير مجلة قضايا إستراتيجية فقد أورد في مداخلته " الحرية والإبداع" أن الحرية هي المصلحة أوالحق الذي يحميه القانون وان الحريات المحمية تكون بحسب نمط النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي السائد في الدولة والمجتمع وان الحريات الفردية والعامة في مجتمع حقق ثورة اوفي دولة ذات نظام ديمقراطي هي حريات يجب ان تتضمن كل حقوق الإنسان الأساسية المجمع عليها في القانون الدولي الإنساني من خلال مرجعيات واتفاقيات الأممالمتحدة. وأضاف البوني في تعريفه للإبداع: " إن الإبداع هو كل قول اوعمل أنساني غير مسبوق ويحصل من اجل سد الحاجات او حل المشاكل المعقدة اولإيجاد حلول جذرية لقضايا أساسية وعلى هذا الأساس تكون الثورة إبداعا جماعيا لحل قضايا معقدة، والإبداعات الفردية تكون في كل مجالات وأنشطة الإنسان، في المعارف والعلوم والفنون والحرف والأنظمة.." كما لاحظ الأستاذ البوني ان تاريخ الحرب على الحرية هو نفسه تاريخ الحرب على الإبداع لذلك كان الاستبداد فكان طمس القدرات الإبداعية طوال التاريخ ومن ذلك ظهرت الطابوهات وأصناف المحرمات اوالممنوعات (الدين، السياسة والجنس).
ممارسات الناس تضبطها قوانين
وذكر البوني أيضا بالحرب على الفلسفة أي تشغيل العقل داخل الطبيعة وداخل التاريخ لصرفه إلى ما وراء الطبيعة وإلا كانت تهمة التكفير بأسم تهمة الهرطقة اوالبدعة. وبظهورالعقائد الشمولية والكليانية التي تزعم امتلاك واحتكار الحقائق المطلقة من طرف من يتكلمون عما وراء الطبيعة بمنطق العلم ويتهمون من له علم بالجهل والكفر. كذلك ظهور تحريم الفنون الجميلة مما لبّد الأذواق. وأكد البوني في معرض حديثه للقاعة التي غصت بالشباب بان لا احد يمكنه ان يكون وصيا على عقول الناس وعلى ان ممارسات الناس تضبطها قوانين لا تنفذها إلا السلطة الشرعية وغير ذلك أنما هو اعتداء على الحرية وعلى الإبداع مشيرا إلى وجوب احترام كل العقائد والمقدسات الدينية ونبذ السخرية منها واستفزاز المشاعر وأضاف انه لا حق لكل انتصاب فوضوي فردي اوجماعي باسم الله اوالأخلاق اوالهوية اوالقيم لأن الدولة وحدها وفي ظل نظام ديمقراطي مسؤولة عن تطبيق القوانين دون المس من الحريات الفردية والعامة والإبداعية وأصر المحاضر على ضرورة تجريم كل عملية تحريم للفن وتكفير التفكير الحر وخاصة في أوطان الثورات. وقال في نهاية المحاضرة: "أدعو القضاة التونسيين إلى أن يرتفعوا إلى مستوى قيم وأهداف الثورة وذلك بان يرفضوا النظر في الشكاوى ذات الصلة بحقوق وحريات المؤلفين والمفكرين والمبدعين مهما زعم الشاكون من ادعاءات.. فالقيم والأخلاق والمعايير أمور نسبية ومتبدلة باستمرار".