يبدو ان سنة 2011 التي نودعها بعد ثلاثة ايام ستكون سنة تاريخية فارقة على جميع المستويات.. فهي السنة التي حصلت فيها تغييرات استثنائية مفاجئة، ولكنها ثورية وراديكالية بكل معنى الكلمة.. ليس لأنها قطعت مع الديكتاتوريات العربية الموغلة في التخلف والظلم والفساد، ولكن لانها نفضت عن مجتمعات عربية عهودا بالية، كان العالم فيها يتقدم فيما كانت هذه الدول تتخلف عن قصد وبمنهجية واضحة وتخطيط دقيق.. لقد كنا نعيش حالة من انتاج التخلف والديكتاتورية بأيدي قسم من نخبنا التي علمناها ورفعنا من شأنها الى سدة الحكم، لكنها بدلا من أن ترفع من شأن البلاد والدولة والحكم، عمدت الى التدحرج بها الى أسفل سافلين غير عابئة بالتاريخ أو المستقبل او الاجيال القادمة.. إنها عملية انتحار سياسي وحضاري أقدم عليها هؤلاء من دون قراءة حساب للزمن والتاريخ.. ولان التاريخ لا يرحم، فقد لفظ هذه النخب وجزءا واسعا من الطبقة السياسية التي آثرت الفساد و»الدكترة» على حساب شعوبها، رغم انها ترزح تحت وطأة الفقر والخصاصة والحرمان. عام 2011 حينئذ، كان عام هذه الثورات العظيمة التي بدأت تغير ملامح المنطقة العربية، فبعثت فيها الحياة من جديد بعد ان كانت مقبرة السياسة والفكر والابداع والآلة التي تطحن الشعوب، وتشل الطاقات، وتعيق الكفاءات.. لكن هذه الثورات بدأت تغير «العالم المتقدم» ايضا، وتضطره الى مراجعة أجنداته وسياساته، وإعادة النظر في مضمون علاقاته الدولية. تدحرجت كرة الثلج الثورية في العالم العربي، لتطال عروشا وسياسات ومقاربات وثقافات هنا وهناك، وتدك حصونا فكرية وسياسية ودينية وإيديولوجية مختلفة، وتنذر بتغييرات واسعة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وحقوقية.. صحيح أن نتائج هذه التطورات لن تظهر الا بعد فترة، لكن المؤشرات مثيرة ولافتة، وتنبئ بولادة نماذج اجتماعية وسياسية، في ادارة الحكم، وفي أساليب المعارضات. مما لاشك فيه، ان هذه الثورات العربية، وفي مقدمتها الثورة التونسية العظيمة، هزت العقل السياسي، وبعثت برسالة مفادها، ان الفكر البشري بحاجة اليوم الى مقاربات سياسية جديدة، سواء في علاقات الحكم بالمعارضة والمجتمع، او في مستوى العلاقات الدولية، او على صعيد العلاقة بين ما يسمى «بالعالم النامي» و»العالم الثالث» وهو ما يجعل موضوع الشراكات الاقتصادية والسياسية، محل تساؤل كبير: هل نحتاج الى اعادة النظر في مفاهيم الشراكة وشروطها وآلياتها ومحدداتها، أم نحن بحاجة الى بناء شراكة جديدة، تستثمر وضعنا السياسي الجديد، والأفق الذي تتحرك فيه بلادنا؟ الثورات تحرك التاريخ، وقد تغير البعض من مفاصله ومكوناته، لكنها أمام امتحان ما تنتظره شعوب الثورات وشبابها تحديدا.. عام 2011، تتصدره هذه الثورات واستحقاقاتها، لكن أحداثا أخرى لافتة طبعت العام الجاري.. وهذا ما سوف يكون موضوع حلقة قادمة..