ملفات أمنية وسياسية وتنموية بالجملة تنتظر وزير الداخلية الجديد السيد علي العريض وكاتب الدولة السيد سعيد البشيشي واعضادهما. لكن على راس هذه الملفات الثلاثة يعتبر التدخل فيها امرا مستعجلا جدا لانها تهم غالبية التونسيين والتونسيات وتعتبر معالجتها مفتاحا لوقف ما يسمى منذ مدة «الفلتان الامني والسياسي»: المخدرات وحوادث المرور والمصالحة (بعد المحاسبة والمصارحة). ولئن ركزت جل التقارير الاعلامية والسياسية خلال العقدين الماضيين على تراكم مشاكل الفساد المالي والرشوة والاستبداد فان تيارا عريضا من المطلعين على خفايا الامورالامنية والسياسية والاقتصادية في البلاد يعتبر ان «جل المشاكل التي تراكمت في الاعوام الماضية سببها الانتشار السريع والغريب لظاهرة الترويج المفزع للمخدرات في كل المدن والقرى والارياف التونسية بما في ذلك امام المدارس الابتدائية والاعدادية والجامعات».
التهمة الاولى في السجون
وحسب دراسات اعدتها مراكز درسات وابحاث رسمية زارت وفودها السجون في الاعوام القليلة الماضية فان نسبة المساجين الموقوفين اوالمحاكمين في قضايا استهلاك او ترويج مواد مخدرة في السجون التونسية كبيرة جدا. بل لقد اصبحت تهمة استهلاك المخدرات وترويجها تحتل المرتبة الاولى بعد السرقة والعنف الشديد في غالبية السجون. كما اكدت نفس الدراسات ان استهلاك المواد المخدرة وترويجها تزايد بنسق سريع جدا خلال ال23 عاما الماضية بسبب تورط «مسؤولين بارزين وشخصيات عمومية من الحكم من بينها اعضاء من العائلات الحاكمة ووجوه رياضية وفنية ومالية وسياسية». وكانت من اسباب انتشار «حبوب الهلوسة» و«الزطلة» و«الكوكايين» وأخواتها استفحال افات اخرى في البلاد من بينها الاصابات بالسيدا (الايدز) ومختلف الامراض الجنسية فضلا عن تضاعف نسبة الاخفاق المدرسي والجامعي والعنف في الشوارع والاضطرابات الاسرية والاجتماعية والامراض العصبية والنفسية... هذا الملف لا يمكن تسويته من قبل وزارة واحدة وخلال فترة انتقالية قد تدوم عاما او عامين ولكن لا بد من التحلي بالجرأة والنفاذ اليه بالتعاون مع وزارات العدل والشؤون الاجتماعية والصحة خاصة بعد ان تبين ان نسبة من الموقوفين من بين عائلات الرئيس المخلوع كانت مورطة في توريد المخدرات وترويجها مع شبكات اخطبوطية وسط الاطفال والمراهقين والشباب.
عدد قياسي من الحوادث
الملف الثاني الخطير الذي لا بد من وقف «المغالطات» حوله والذي ينبغي فتحه بسرعه هو ملف حوادث المرور. فقد استفحلت الحوادت وتفاقمت اضرارها البشرية والمادية مثلما تؤكده تقارير مؤسسات التامين وجمعيات السلامة المرورية والمؤسسات الاستشفائية. وللاسف الشديد فقد برزت في العهد السابق ظاهرة مغالطة كبار بعض مسؤولي وزارة الداخلية للرأي العام من خلال الايهام بان عدد الحوادث وضحاياها تراجع. كما منعت الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات من نشر تقارير اقرب الى الدقة حتى لا يتهم وزراء الداخلية بالتقصير او يعزلوا بتهمة «فشل سياساتهم الوقائية». ومن بين الالاعيب التي كانت تعتمد عدم احصاء كل الجرحى وكل القتلى. كما لم يكن غالبية القتلى الذين يموتون بعد ايام من الحادث او ينقلون من مستشفى الى اخر يسجلون ضمن ضحايا المرور بل ضمن « المرضى « الذين ماتوا في المستشفى لا غير.. والمطلوب من وزارات الداخلية والعدل والنقل في اول حكومة شرعية منتخبة بعد الثورة الحزم في منع التجاوزات لقوانين الطرقات لوقف نزيف يتسب سنويا حسب بعض المصادر في سقوط حوالي 15 الف قتيل وجريح في وضعية خطيرة،كما يتسبب في خسائر مادية بمئات مليارات المليمات.
المحاسبة والمصالحة
ملف خطير ثالث مطروح على مكتب وزير الداخلية وكل زملائه في الحكومة وخاصة على وزيري العدل وحقوق الانسان والعدالة الانتقالية هو ملف المصالحة الوطنية ضمن مسار يتضمن المساءلة والمحاسبة والمصارحة» بعيدا عن التشفي» مثلما سبق ان ورد في تصريحات قيادات حزب النهضة خلال الحملة الانتخابية وبعدها. وفي الوقت الذي ترتفع فيه في عدة جهات مطالب ملحة بمحاسبة ضباط الامن المتهمين بقتل المتظاهرين السلميين وبإعطاء اوامر استعمال الرصاص ضد المسيرات قبل الثورة ، فان تجسيم «المساءلة والمصالحة» سيكون الامتحان الاكبر للوزير الجديد وحكومته وللائتلاف الثلاثي ولعل من اخطر الاسئلة الحاحا في هذا الصدد : كيف يمكن اليوم مطالبة رجال الامن ورؤسائهم بوقف الفلتان الامني والسياسي والاضرابات غير القانونية في البلاد وبعض زملائهم السابقين الذين يحاكمون «يقولون انهم استخدموا القوة اثناء اداء الواجب ومحاولة فرض النظام» لتفريق مجموعات كانت بصدد مداهمة المحلات العمومية والخاصة لحرقها والاعتداء بالعنف على عمالها واصحابها وقتلهم ؟ وهل سيقبل ضباط الامن اليوم استخدام القوة في تفريق الاعتصامات العشوائية وقطاع الطرقات اذا كانوا مهددين بدورهم بالمحاسبة والمحاكمة يوما؟ إنها معادلات صعبة.. لكن مسار الاصلاح الامني يبقى من ابرز بوابات الإصلاح السياسي ..تماما مثل إصلاح القضاء..