تاريخنا النضّالي الطويل منحنا مناعة ضد حملات التشهير القديمة والجديدة آلت جائزة " سيمون دي بوفوار" التي تحمل اسم الفيلسوفة والأديبة والباحثة الفرنسية الشهيرة التي كانت من بين أبرز النساء المناضلات من أجل حقوق المرأة خاصة خلال بداية وأواسط القرن المنقضي في نسختها لهذا العام إلى الجمعية التونسيّة للنّساء الديمقراطيات. الجائزة القيّمة والتي تحمل دلالات رمزية عديدة أنشأت منذ سنة 2008 تاريخ مضي مائة (100) عام على ميلاد الكاتبة كما أنها تكتسي أهميتها من خلال الأطراف الثلاثة التي كانت وراء إحداث الجائزة وهي على التّوالي جامعة باريس7 ودار النشر الشهيرة " غاليمار" والمعهد الفرنسي للتعاون. لجنة التحكيم واختيار المرشحين للجائزة تتكون من شخصيات مهمة ومن المشهود لهم بكفاءتهم وبنضالهم الطويل من أجل حقوق المرأة وهي تتوج الأعمال النضالية من أجل حقوق المرأة والمساواة الكاملة بين الجنسين. جائزة بهذا الحجم من الطبيعي أن تكون مصدرا للفرح والإعتزاز لمن يحالفه الحظ وينالها وهو ما أكدته لنا السيدة أحلام بلحاج رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وشددت على أن التكريم الذي شمل الجمعية جاء في توقيته المناسب. جائزة "سيمون دي بوفوار" حسب محدّثتنا تعتبر اعترافا دوليّا بالتاريخ النّضالي للجمعيّة الذّي انطلق منذ عشرين سنة مشيرة إلى أن نضال الجمعيّة التي تأسست بصفة قانونية سنة 1989 يعتبر امتدادا للحركة النسائية التي سبقت ميلاد الجمعية بفترة طويلة. هذا الإعتراف الدولي جاء في توقيته في ظل الوضع السياسي الجديد الذي تعيشه بلادنا منذ انتصار الثورة الشعبية لأنه وكما فهمنا من السيدة أحلام بلحاج فقد تعرضت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إلى حملات تشهير منظمة ومقصودة أوهي نتيجة خلط وسوء فهم لعمل الجمعيّة وذلك بعد انتصار الثورة الشعبية. وتعتبر أحلام بلحاج أن حملات التشهير وترويج الأكاذيب والملاحقات والتتبعات والتضييقات التي كانت تعاني منها الجمعية خلال حكم بن علي منح المناضلات حصانة ضد ما يروج اليوم حول الجمعية وما يقترف في حق مناضلاتها من مظالم ذلك أنهن تعرضن في عدد من المناسبات وخاصة داخل البلاد إلى تضييقات انتهى بعضها أمام مراكز الأمن وهذه التضييقات عادة ما تمارسها مجموعات سلفية أوجماعات تقول عنها أحلام بلحاج أن مشروع الجمعية وخطابها لا يروق لها. وهي تشير في هذا الصّدد إلى الآتي: "إننا لم نكن لنتوقف عن النضال زمن حكم الرئيس المخلوع حيث كنا ممنوعين من الظهور في الإعلام وكنا ممنوعين من التنقل إلى داخل الجمهورية وحتى عملنا في العاصمة كان يتم في ظروف صعبة وأحيانا شبه مستحيلة ومع ذلك واصلنا نضالنا وخضنا العديد من المعارك خاصة في مجال مقاومة العنف المسلط على المرأة وذلك رغم الهرسلة البوليسية اليومية فما بالك اليوم وقد تحررت بلادنا من الظلم والديكتاتورية". وحول خصوصية عمل الجمعية تفيد أحلام بلحاج قائلة: "لقد حاولنا على امتداد السنوات الفارطة احداث التمفصل اللاّزم بين مطالب خصوصية تهم المرأة من بينها المساواة مع الرجل والمساواة في الحقوق وفي المواطنة وغيرها وبين المطالب العمومية".
قضايا المرأة كانت واجهة لديمقراطية مزيفة
وقد استغلت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المناسبة للفت النظر إلى أن ملف العنف ضد المرأة الذي تم توظيفه من قصر قرطاج زمن حكم المخلوع لم يفعل سوى أن عرقل مساعي الجمعية من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة التي يعاني منها المجتمع. الأمر قاد محدثتنا للتأكيد على أن قضايا المرأة وحقوق المرأة كانت تستعمل دائما من قبل الدولة استعمالا للظهور في مظهر ديمقراطي وحداثي وهكذا فإن قضايا المرأة كانت مجرد واجهة لديمقراطية مزيفة. وتشدّد أحلام بلحاج على أن الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات لم تضيع البوصلة أبدا وحافظت على مبادئها ونضالها من أجل الديمقراطية والحرية بالتوازي مع النضال من أجل حقوق المرأة. هل كان تخطي عتبة العهد السابق بسلام بعد أن قضت الثورة الشعبية على نظام بن علي الديكتاتوري إيذانا بعهد جديد بالنسبة للجمعية وهل زالت كل العقبات من من أمامها كي تواصل عملها النضالي بعد انخراط بلادنا في تجربة الديمقراطية؟ ذلك ما حاولنا أن نطلع عليه في حديثنا مع أحلام بلحاج رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وإن أكدت أن ظروف العمل تحسنت وأن التمويل تحسن وأن الجمعية بات بإمكانها أن تنشط داخل الجهات وأنها بعثت أربعة فروع جديدة داخل البلاد فإنها لاحظت أن ذلك فتح أمام المناضلات تحديات جديدة. وتنبه محدثتنا إلى ضرورة الحذر في حديثنا عن المرحلة الجديدة في تونس. فالقول أننا نعيش ديمقراطية فيه خطر على المجتمع والصحيح أننا في طور بناء الديمقراطية. وهذه المرحلة الحساسة في رأي محدثتنا تفترض من المجتمع المدني أن يكون يقضا ومتيقّظا. شعار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات اليوم: "سرنا معا لنبني معا " وهي إذ تتبنى هذا الشعار فمن أجل أن لا ينسى التونسيون أنهم قادوا الثورة نساء ورجالا وأن المرأة من حقها أن تجني ثمار الثورة مثلها مثل الرجل تماما. أما والحال على ما هو عليه اليوم فإن أحلام بلحاج ترى أن الجمعية أمامها عمل كبير من أجل تحقيق المساواة في الحقوق وفي المواطنة الكاملة وهي تلاحظ أن موقع المرأة التونسية في مستوى مركز القرار مثلا ضعيف ( ثلاث نساء فقط في الحكومة) وأنه لابد من دسترة حقوق المرأة وتقول في هذا السياق: " لقد أعددنا بنود في الغرض سنعرضها على المجلس الوطني التأسيسي وسنواصل نضالاتنا في كافة المناسبات القائمة من أجل المساواة الكاملة في القوانين والحقوق. المرأة اليوم حسب محدثتنا تعاني الحيف على المستوى الإقتصادي والإجتماعي فنحن في تونس وكذلك في العالم نتجه حسب رأيها نحو تأنيث الفقر وهي تنبه إلى عديد الإشكاليات التي تقف دون المرأة ودون حقوقها في مجالات عديدة من بينها التشغيل مثلا، وكذلك تقاسم المسؤوليات في البيت. وتجدر الإشارة إلى أنه ينتظم حفل بدار أمريكا اللاتينية بباريس يوم 9 جانفي تتسلم خلاله أحلام بلحاج رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات جائزة "سيمون دي بوفوار" في موسمها الرابع. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الراحلة سيمون دي بوفوار من الرموز الأدبية والفكرية الفرنسية والعالمية التي تعتد بها الحركات النسائية في العالم وهي التي عرفت بجهودها في مجال التنظير لحقوق المرأة. سيمون دي بوفوار معروفة كذلك بمشاركتها حياة الفيلسوف الوجودي الذي لا يقل عنها قيمة وشهرة "جون بول سارتر".