في الوقت الذي اتهمت فيه حكومة الباجي قائد السبسي بأنها "أغرقت" الادارة التونسية في الفترة الأخيرة خاصّة بعد الانتخابات بالتسميات والتعيينات الوظيفية التي ستثقل كاهل الدولة بنفقات "اضافية" قد تعمل على "تأزيم" الوضع المالي المتردّي بطبيعته ورغم أن الوزير الأوّل في الحكومة المستقيلة حاول التملّص من الاتهامات الموجهة اليه كالعادة بذكاء السياسي المحنّك الاّ أن حكاية الدكتور محمّد الحبيب العتيري الحاصل على دكتوراه دولة في الرعاية الصحية من جامعة فلوريدا بالولايات المتحدةالأمريكية ومندوب منظمة الصحة العالمية وممثل صندوق الأممالمتحدة للتنمية تطرح أكثر من سؤال خاصّة وأن كل اشعاع تونسي في الخارج هو مفخرة للبلاد ويخدمها في الكثير من المجالات الأخرى.. كيف تبخّر المنصب؟ كان من المقرّر أن يتقلّد الدكتور محمّد الحبيب العتيري منصبه كمدير اقليمي لمنظمة الصحة العالمية للشرق الأوسط في أكتوبر الماضي لو اهتمت الدولة وخاصّة وزارة الخارجية وأولته ما يستحق من عناية خاصّة وأن تقديم الملف لهذا المنصب يفترض تزكية من تونس خاصّة وأن الكثير من الشخصيات الفاعلة والناشطة في مجالات ذات علاقة بالصحة أبدت تحمسها ودعمها اللامشروط للدكتور العتيري لتقلّد هذا المنصب بالنظر لكفاءته ومنها شخصيات أمريكية آمنت بأحقيته لهذا المنصب في حين غضّت الطرف بلده التي من المفروض أن تدعم كفاءاتها في الخارج والداخل.. ويذكر أنه في شهر مارس الماضي تولّى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية دعوة دول شرق المتوسّط لتقديم ترشحاتها ان كانت ترغب في تقديم ترشحاتها ورغم سعي الدكتور العتيري الى لفت نظر حكومة الباجي قائد السبسي للمسألة والى ضرورة تزكيته كمرشّح لتونس خاصّة وأنه تلقّى تطمينات أنه في صورة ترشيحه فان المنصب سيكون من نصيبه بالضرورة خاصّة وان تونس طلبت استضافتها علما وأنها لن تدفع مصاريف تنظيمها.. لكنه تفاجأ عندما عرض الأمر على حكومة القائد السبسي وخاصّة وزير الخارجية محمد المولدي الكافي أن المسألة لم تثر اهتمامهم بل وأكثر من ذلك أخبره كاتب الدولة للشؤون الخارجية آنذاك أن الجامعة العربية رشحت عراقيا للمنصب وهو الدكتور علوان والذي أصبح وزيرا للصحة في العراق بعد 2003 وبعد بضع سنوات غادر العراق وعاد لمنظمة الصحة العالمية كمساعد للمدير العام في جنيف وبقي السؤال مطروحا حول أسباب عدم بقائه في العراق لمساعدة بلاده خصوصا لمّا انهار نظامها الصحي.. وما يحزّ في النفس أن الدكتور العتيري الذي هيّأ الأرضية لاعادة فتح مكتب منظمة الصحة العالمية بتونس بعد اغلاقه لمدة 23 سنة وأشرف في اطار سياسة التعاون الفني بين الدول على تمكين لبنان من تبادل الخبرات والمعلومات والمساعدة على حسن التصرّف في الدّواء وفي نظام الخارطة الصحية كما أشرف على أنشطة في مجال برامج الصحة المدرسية لم يجد أيّة مساعدة من الحكومة السابقة رغم أن ذلك يدخل في خانة عملها المفترض.. «حامي» صبرا وشاتيلا.. دون حماية من الإنجازات التي تذكر للدكتور العتيري أصيل حمام سوسة هو اشرافه بحكم مسؤوليته في منظمة الصحة العالمية على أنشطة في مجال التصرّف في النفايات الصلبة للعديد من الجماعات السكانية منها خاصّة المخيمات الفلسطينية وعلى رأسها مخيم صبرا وشاتيلا الذي يعاني من تكدّس النفايات الصلبة والماء الراكد والحشرات وبقايا الحيوانات فتم حين قام بوضع برنامج لتنظيف هذه المنطقة واعادة تهيئتها لتصبح منتزها للأطفال كما تم وضع برنامج للتصرّف في النفايات الصلبة في المخيّم حتى يتمتّع سكانه بمحيط نظيف وصحيّ.. ونحن وإن نأسف لضياع هذا المنصب الهام من تونس وليس من الدكتور العتيري في شخصه فاننا نفتخر أن لدينا كفاءات وطنية في قيمة هذا الرجل الذي لم تفكّر حكومة الجبالي حتى من الاستفادة منه كخبير دولي في المجال الصحي وبقيت المناصب الهامة للدولة من قبيل المحاصصة التي لا نعتقد أنها ستنفع كثيرا البلاد.