الكل يعلم أن حجم تركة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي خلفها النظام البائد لا تحصى ولا تعد ولم تستثن جهة من جهات البلاد. وتعرت هذه الحقيقة المرة التي حاول المخلوع ونظامه تزييفها وتجميل صورتها لسنوات في الداخل والخارج بتقديم أرقام مجانبة للواقع حول التنمية الجهوية ونسب الفقر والبطالة... وتبين أنها ليست إلا واجهة براقة سرعان ما ظهر وجهها القبيح المفزع. لكن الأكيد أيضا أنه بالرغم من اشتراك أغلب الجهات تقريبا في سمة رئيسية عنوانها التهميش والإقصاء بعد توجه النظام البائد لخدمة مصالح شخصية وفئوية على حساب المصلحة الوطنية، لا أحد ينكر أن المأساة.. مآسي وأنه حتى في أكثر الصور والوقائع قتامة وبشاعة قد يجد المرء تفاوتا ما يصنف على أساسه ما هو عاجل وما هو آجل. هذا التأكيد على وجود جهات لها الأولوية المطلقة اليوم في التنمية بعيدا عن المزايدات الانتخابية ومنطق الجهويات، يأتى على إثر ما جاء في مداخلات بعض أعضاء المجلس التأسيسي من مخاوف لديهم بأن يأخذ تكريس التفاوت الجهوي منحى عكسيا تحظى فيه الجهات المعدومة بالقسط الأوفر من التنمية على حساب جهات أخرى نهلت لعقود متتالية من ميزة تفاضلية بالحيازة على 80 بالمائة من موارد التنمية مقابل 20 بالمائة فقط للجهات الداخلية؟؟؟ وتدخلت في هذا الإطار إحدى النائبات، بعد التعبير عن مخاوفها، لتضيف أنها استمعت لنواب يعددون النقائص في المستشفيات الجهوية في المناطق الداخلية مطالبة أن لا تحجب هذه المداخلات وجود نقائص أيضا في بعض الأقطاب الاستشفائية الجامعية في جهات أخرى على غرار التعطل المستمر للمصاعد الكهربائية؟؟؟ صحيح أنه في بعض الحالات يستحسن وجود مصعد كهربائي يوفر على المريض مشقة صعود الدرج، لكن لا يعرف المرء إن كانت النائبة المحترمة التي تحتج على ما سمته تكريسا للتفاوت الجهوي بالاتجاه العكسي، وتطالب بحلول مستعجلة للمصاعد الكهربائية، على علم بأن بعض المستشفيات الجهوية في القصرين وسيدي بوزيد وسليانة... تفتقر للضمادات ولأبسط الوسائل الطبية لإسعاف حالة استعجالية بسيطة. وهل تعلم هذه النائبة أيضا أنه لا يوجد على سبيل الذكر، سوى طبيب انعاش وحيد في المستشفى الجهوي بالقصرين لو تغيب عن عمله لسبب ما لن تجد عشرات الحالات الوافدة على المستشفى من مركز الولاية ومن المعتمديات، من يسعفها. هل تعلم كذلك أن آلاف المرضى يتوافدون يوميا على العاصمة وعلى المناطق الساحلية لتلقى العلاج مع ما يكلفهم ذلك من عناء التنقل ومصاريف باهظة لأن المستشفيات الجهوية لا توفر الاختصاصات الطبية ولا التجهيزات والآلات الضرورية، ويحدث أن لا يجد المريض الإمكانيات المادية ولا التغطية الاجتماعية ولا سيارة الإسعاف للتنقل لجهة أخرى وقد تتعكر حالته وربما يفارق الحياة. فبين المصعد الكهربائي ..والحق في الحياة... أيهما نختار؟؟