تخلف الإطار القانوني للمهنة ساهم في تهميشها قال سامي بن سلامة عضو لجنة الإصلاح والتطوير القانوني بالجمعية الوطنية لعدول الإشهاد إن مهنة عدول الاشهاد ما تزال متخلفة لدرجة أن أبسط الدول الإفريقية متطورة أكثر منا في مجال القوانين المنظمة لعدالة الإشهاد. وأضاف في حديث ل"الصباح" إن عدول الاشهاد تعرضوا للتهميش منذ عهد الاستعمار الفرنسي وفي عهد بورقيبة، ثمّ في عهد الرئيس المخلوع الذي حاول وضعهم تحت سيطرة وزير العدل والنيابة العمومية رغم المحاولات المتكررة للارتقاء بالمهنة لمستوى المعايير الدولية.. وعبر بن سلامة عن أمله في أن يتم النظر في مشروع القانون الجديد المنظم للمهنة الذي اقترحته غرفة عدول الاشهاد منذ أشهر عديدة على وزارة العدل دون أن يتم التعمق فيه بجدية.. رغم مزاياه العديدة في تطوير المنظومة القضائية حسب اعتقاده. وفي ما يلي النص الكامل للحوار:
لماذا تطالبون بتغيير الإطار القانوني للمهنة؟
إن المبادرة بالمطالبة بوضع قانون جديد ينظم مهنة عدول الإشهاد لم تكن وليدة الثورة، فالمطلب كان قديما وتجسم خاصة في تقديم لائحة مطالب مفصلة إلى وزارة العدل منذ يوم 28 أفريل 2010. وقد كان السبب الحقيقي لتحرك عدول الإشهاد يتمثل أساسا في شدّة تخلف الإطار القانوني المنظم لمهنتهم والمجسم خاصة في القانون عدد 64 لسنة 1994 المؤرخ في 23 ماي 1994 وفي النظام الداخلي للجمعية الوطنية ولغرف عدول الإشهاد المصادق عليه من قبل وزير العدل في 22 سبتمبر 2008. فالقانون الصادر في سنة 1994 لم يأت بأيّ جديد بالمقارنة مع الأمر المؤرخ في 27 جوان 1957 باستثناء إقصاء عدول التنفيذ من تحرير العقود وفرض مستوى علمي معين على الداخلين للمهنة وإقرار تربص للناجحين في المناظرة بالمعهد الأعلى للقضاء. فذلك القانون لم يلتزم بأية معايير دولية ولم يرتق إلى مستوى أيّ من القوانين المقارنة، سواء كانت تلك السارية في أوروبا أو في العالم العربي أو حتى في إفريقيا، وحافظ على جميع السلبيات في القواعد والآليات التي كبلت المهنة وعطلت تطور منتسبيها منذ زمن طويل..
ماهي مخاطر تهميش المهنة؟
قطاع عدول الاشهاد خطير ويؤثر على حياة الناس، وقد تعرض إلى تفقير ممنهج كانت له مخاطر على حقوق الناس، ويتعرض عدول الاشهاد لعملية تجويع، فقدماء المهنة غير قادرين على خلاص معاليم الكراء ومصاريف المكاتب، خاصة أنه يتم وفي كل فترة نزع اختصاصات عن المهنة، مثل عقود التفويت في الأصول التجارية والتسجيل والتحيين العقاري.. ووصلت الحال بالمهنة التي تمثل العدالة الوقائية إلى أن الجميع شاركوها في اختصاصاتها وليس لعدول الاشهاد اليوم أيّ اختصاص حصري في أيّ مجال من مجالات تحرير العقود.. وهذا الوضع تولد عنه تخلف كبير في المهنة في حدّ ذاتها، وفي مكاتب عدول الاشهاد فغابت التغطية الصحية والاجتماعية، والتكوين المستمر..
وهل سيكلف مشروع الإصلاح الذي اقترحتموه الدولة أعباء إضافية؟
لا يخفى عن أحد أن عدول الاشهاد في العالم يوفرون مداخيل جبائية ضخمة للدولة، لكن في بلادنا لا يوجد للأسف اهتمام بحالتهم المادية والنفسية او أمل في تطوير مهنتهم. لدينا مشروع قانون ثوري سيوفر مداخيل للدولة، كما يمكن أن يوفر إصلاح المهنة بين 5 آلاف و7 آلاف موطن شغل دون أن تقدم الدولة مليما واحدا.. علما اننا قدمنا مشروع القانون للوزير السابق لزهر الشابي وتمّ تجاهله تماما بل إن هذا الأخير مرر قانون المحاماة ولم يهتم بأيّ قطاع قضائي آخر ولم يفكر في تطوير المنظومة القضائية. نأمل أن يلتفت الوزير الجديد إلى المشروع وينظر للمنظومة القضائية بكاملها إذ بدون تطويرها لا يمكن تطوير العدالة الوقائية التي تمثلها عدالة الاشهاد، هذا القطاع الذي له دور أساسي في حماية الاستثمارات الخارجية..
وماذا تطلبون من الحكومة الجديدة؟
مطالبنا واضحة، مشروع قانون المهنة مرمي في الدهاليز ومحتجز منذ أشهر ونطالب إقراره لأنه مستمد من الواقع التونسي ومن التجارب الأجنبية الناجحة في العالم، ويمكن من الارتقاء بالمهنة إلى مستوى المعايير الدولية، ومن توفير مواطن شغل للآلاف من حاملي الشهادات العليا بمكاتب عدول الاشهاد، ومن تحسين خدماتهم ومن تخفيف الضغط على القضاء التونسي عن طريق معالجة القضايا البسيطة والهامشية في مكاتب عدول الاشهاد ومنع وصولها إلى القضاء..
كم عدد الممارسين لمهنة عدول الاشهاد؟
القطاع يعدّ حوالي 1050 عدل إشهاد منتشرين في كامل تراب الجمهورية في الريف والمدينة والصحراء، عدل الاشهاد قريب من المواطن الذي يضطر للتحول لمراكز المدن للحصول على الخدمة القانونية عكس القطاعات الأخرى. كما أن 70 بالمائة منهم من الشباب المتخرجين من المعهد الأعلى للقضاء ويعملون بمهنة حرة. المفارقة أن عدد الممارسين للمهنة في انخفاض مستمر، ففي غياب مداخيل كافية لضمان مستقبلهم فإن عددا من عدول الاشهاد مضطرون لترك المهنة، وما موجة الاستقالات التي نشهدها بين حين وآخر الا نتيجة لانسداد الآفاق وللصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي يعيشها القطاع.
وماهي إيجابيات مشروع تطوير المهنة على المنظومة القضائية؟
مثلا يمكن التخفيف من عدد القضايا المرفوعة في المحاكم بشكل كبير يصل إلى 70 بالمائة. ففي بعض الدول يمكن للمواطن المتضرر نيل حقوقه بسرعة ودون لجوء للمحاكم ويمكن ضمان حق المدان في طلب توقيف التنفيذ إن أوفى بالتزامه.. وهذا ينطبق على جميع الميادين المتعلقة بتنفيذ الالتزامات بما فيها عقود البيع وعقود الاستثمار والديون وعقود القرض والرهن وهي آلية مستعملة في جميع دول العالم إلا في تونس..
ولماذا لم تقترحوا تنقيح قانون 1994 عوضا عن تقديم مشروع قانون جديد؟
لأنه غير قابل للإصلاح ولأن أيّة عملية ترقيعية كانت تعني وستعني القضاء على المهنة نهائيا في ظل منافسة داخلية ثقيلة وفي ظل منافسة خارجية قادمة بسرعة.. ولهذا الغرض اتخذت الجمعية الوطنية لغرف عدول الإشهاد في اجتماعها بسوسة يوم 29 جانفي 2011 قرارا بإنشاء لجنة للإصلاح والتطوير القانوني. وقامت اللجنة بتحرير مشروع قانون يقدم رؤية جديدة للمهنة ويتيح لها الارتقاء والتجديد، وحذفت جميع المعوقات التي كانت تعطل عمل عدل الإشهاد وهياكل المهنة وأحدثت صلاحيات وآليات عمل جديدة وحاولت تغيير وجه المهنة بالاعتماد على تجارب أجنبية أثبتت نجاعتها وحافظت على بعض الخصائص المقبولة لعدل الإشهاد التونسي.
ماهي أبرز المحاور التي ركزت عليها اللجنة في إعداد مشروع القانون الجديد؟
من بين أهم المحاور التي ركزت عليها اللجنة: - تغيير التسمية من عدل إشهاد إلى عدل موثق تماشيا مع المصطلحات المتفق عليها دوليا للحفاظ أساسا على خاصية الحياد التي تتميز بها هذه المهنة وللحفاظ بصفة رئيسية على تسمية "الحجّة العادلة" المقترنة بالعدل والإنصاف. - إنشاء المكاتب العمومية للتوثيق وفق شروط تكفل الارتقاء بالإطار المكاني لمباشرة المهنة إلى مستوى يجعل حالة المكاتب متوافقة مع المهام الخطيرة للعدل الموثق. - منح العدل الموثق صفة الضابط العمومي وإلغاء خطة الجليس التي فرضت فرضا على العدل الأول دون مبرر ديني ولا قانوني ولا عملي. - التسمية من قبل رئيس الجمهورية، بما أن العدل الموثق يعتبر قاضيا للعقود إذ يمثل العدالة الوقائية، إحدى المكونات الأساسية للمنظومة القضائية، فإن تسميته من طرف رئيس الجمهورية تعتبر استرجاعا لحقوقه واعترافا من الدولة بأهمية دوره وتشجيعا لمهنته. - إكساء محرراته القوة الثبوتية والقوة التنفيذية. - اعتبار العدل الموثق قاضيا للعقود، نظرا للخلفية التاريخية التي تجعل منه كذلك، خصوصا وأنه يفصل في النزاعات في مكتبه ويرضى الحرفاء بحكمه نظرا لتميزه بصفات الاستقلالية والأمانة والنزاهة والحياد. - إلغاء الدفاتر التي تعتبر من بين آليات العمل التقليدية والبالية والمعطلة لعمل عدل الإشهاد وهي عبء ثقيل ملقى على كاهله من عديد النواحي. - منح العدل الموثق ختم الدولة لمنح حجته أكثر قوة ومصداقية ولمنع افتعالها وتدليسها ولكي لا تحتاج الحجة التي يصدرها إلى مصادقة أيّة سلطة أخرى مهما كان نوعها عدا حالة انتقال حجته إلى خارج البلاد. - منح العدل الموثق اختصاصات حصرية في تحرير العقود. - إنشاء هياكل جديدة وتمكينها من تسيير شؤون المهنة. - فرض سن قصوى لتقاعد العدل الموثق..