إذا كان الكثيرون اعتبروا أن في تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل بشأن عجز السلطات الليبية الراهنة عن الحدّ من مخاطر الاسلحة المنتشرة بين الثوار والفشل في جمع تلك الاسلحة تحت جهة مسؤولة واحدة بمثابة صرخة فزع لم يعد بامكان المسؤول الليبي التكتم عليها, فان ما جاء في المقابل من تصريحات على لسان أحد مسؤولي القاعدة الذي منح نفسه لقب قائد "إمارة الصحراء" في المغرب الاسلامي ويمكن اعتباره أكثر من مجرد إنذار للسلطات الليبية وربما ايضا لدول الجوار بأن وجود القاعدة في شمال افريقيا ليس دعابة أو فكرة سخيفة لإثارة الفتن وتأجيج المخاوف والأحقاد في النفوس. بل ان في إعلان هذا القائد "أبو العباس" وعلى أعمدة صحيفة عربية أن تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي يبقى أكبرالمستفيدين من الوضع في ليبيا بعد انهيار نظام القذافي ومجاهرته بدعوة الثوار الليبيين الى عدم تسليم أسلحتهم واعتبارها الضمان المطلوب لليبيين لإقامة المنهج الاسلامي الراشد لكل نواحي الحياة ما يستوجب قراءة متأنية للمشهد حاضرا ومستقبلا في ظل التجاذبات الحاصلة وغياب أيّ مؤشر على احتمال تجاوز هذه العقبة الأمنية الخطيرة والخروج من حالة الفوضى السائدة في ليبيا المجاورة بعد أن تحول الامر الى مواجهات واشتباكات أمنية متكررة في ليبيا بين جماعات متشددة ترفض الانضواء تحت راية جيش وطني نظامي في خدمة أمن البلاد والعباد. والأرجح أن تلك الحصيلة الدموية للاشتباكات المسلحة بين الثوار المتناحرين من أجل السلطة قد لاتكون الاخيرة في المسلسل الدموي الذي يمكن أن يهز ليبيا بعد أن أصبح الحصول على السلاح أسهل من الحصول على رغيف العيش وبات اللجوء الى السلاح أمرا عاديا لتصفية الحسابات بين أبناء البلد الواحد والانتقام بإعلاء لغة قانون الغاب حيث البقاء للأقوى.. طبعا ليست هذه المرة الاولى التي يسجل فيها تنظيم القاعدة رسالة مماثلة منذ انطلاق الثورات العربية فقد حاول أيمن الظواهري من قبل وكذلك الملا عمر تصوير ما يحدث من غضب شعبي في العالم العربي وتطلع للكرامة والحرية والعدالة على أنه امتداد للصحوة الدينية الممتدة في أنحاء العالم العربي والإسلامي.. موقف فيه ما يدعو الى أكثر من وقفة تأمل تحسبا لكل السيناريوهات المحتملة فليس سرا بالمرة أن السلاح في ليبيا بات سيد المشهد بعد أن فتحت أبواب المغارات المغلقة والمخازن التي صرف لأجلها القذافي المليارات وحرص بالتالي على امتلاكها ليساهم عن وعي أو دون وعي في تضخيم حسابات تجار السلاح وضمان استمرار دوران عجلة مافيا السلاح في المصانع الغربية ويعمد في ذات الوقت الى توفير كل الأسباب الكفيلة بترويع الشعب الليبي وتركيعه حفاظا على استمرار عرشه الذي ما لبث أن اهتز تحت أقدامه بعد أن كسر الشعب قيود الخوف.. كل ذلك طبعا دون أن ننسى ما شهدته الحدود بين تونس وليبيا من محاولات متكررة لتسريب السلاح وانتهاك حرمة وسيادة التراب التونسي من طرف مسلحين مجهولين.. إن أكثر ما يمكن أن يدعو للحيرة بشأن مسار الثورات العربية المتأججة أن يسقط ذلك الإجماع الوطني المشترك قبل الأوان وأن يزول التكاتف والإصرار الشعبي الذي أذهل العالم والذي ما كان بدونه أن يتحقق أول أهداف الثورة وتنجح في إسقاط الأنظمة الطاغية التي استعبدت الشعوب، وأكثر ما يمكن أن يدعو للتساؤل: كيف سقط ذلك الإجماع من أجل الحرية في فخ الصراع بسبب الحرية؟؟ من تونس الى ليبيا ومنها إلى مصر أو سوريا واليمن قد تختلف المشاهد وتتعدد الأحداث وتتباين النتائج حتى الآن في المسيرة الطويلة للانتقال من مرحلة الحكم المطلق وما رافقه من استبداد مطلق الى مرحلة الحرية المطلقة وما رافقها ويرافقها من مظاهر الفوضى والانقلاب على كل أنواع القيود والأحكام.