تعرضت كل أعمال الفاضل الجزيري المسرحية والفرجوية للنقد اللاذع والانتقاد المجاني أحيانا والتشكيك في قدراته والتجريح في شخصه واتهامه بالانبتات والاغتراب وتشويه الإبداع الذي ينطلق منه في أعماله وهو يتقبل كل الاتهامات بالصمت ومزيد العمل مما جعل المسافة الزمنية على ما يبدو بعيدة جدا بينه وبين معاصريه من النقاد المسرحيين والإعلاميين. هذا الرجل الذي يتقدم ببطء شديد ولكن بخطوات ثابتة قدره وقدر المعنيين بالشأن الثقافي لا المسرحيين فقط ان يلهثوا وراءه ليفهموا تنصله من التقليد ونقل النصوص المكتوبة إلى خطاب مطابق للأصل ولكن بالصوت والحركة وإضافاته لكل ما يشتغل عليه. لم يكن الفاضل الجزيري يتكبد عناء الرد على منتقديه والمشككين في قدراته بل كان يعمل ويقدم المزيد والجديد والنموذج الذي لا يدخل تحت خانة متفق عليها ولا في إطار مدرسة مسرحية بعينها ولكنه اليوم وبعد عرضه المسرحي الفرجوي " صاحب الحمار " في افتتاح أيام قرطاج المسرحية قرر أن يتكلم ويرد على كل من تعرض لمسرحيته بالاستهجان والتشكيك والانتقاد غير المبرر والاستنقاص من كفاءة معاونيه.
راتب الممثل 150 دينارا
وقرار الرد على من شككوا في عمله وكفاءته وفي هذا التوقيت بالذات حسب ما صرح به إجابة عن سؤال ألقته عليه "الصباح " خلال لقاء عقد بعد ظهر الثلاثاء بالنادي الثقافي الطاهر الحداد بالعاصمة يعود أساسا إلى إحساسه بضرورة الدفاع عمن اشتغلوا معه وبذلوا الجهد والعناء وتطوعوا من اجل عمل ضخم هو في الحقيقة راض عنه لولا تعطب التجهيزات الصوتية ذلك ان مسرحيته لا تعتمد بالضرورة على الصوت الخطاب- بقدر ما كانت تعتمد على التعبير الجسدي والحركة والرقص والتقنيات الضوئية والديكور والملابس.قال الجزيري : " أنا مطالب كذلك بالدفاع عن كبار الممثلين الذين اشتغلوا معي طيلة سبعة أشهر في ظروف صعبة والوقوف مع طلبة المعهد العالي للفنون الركحية والمسرحية الذين آمنوا بي وبالعمل وتفانوا في الاستعداد له وحضروا وواظبوا على التمارين وعلى حلقات دراسة الصوت والنطق والإنشاد ودراسة التعبير الجسدي التي كان لا بد منها من اجل عمل ضخم كمسرحية "صاحب الحمار" أنا مطالب أيضا بالدفاع عن التقنيين الذين حاولوا العمل بتقنيات قديمة جدا عمرها عشرات السنين خاف التقنيون الانقليز الاقتراب منها والتي أجرينا بها تجربة قبل العرض بقليل ولكنها خانتنا وتعطب اغلبها وكان ما كان." خلال نفس الجلسة استغرب الجزيري من ادعاء البعض انه تحصل على 250 ألف دينار من وزارة الثقافة وقال ان الدعم المخصص للمسرح بصفة عامة لا يتجاوز مليونا و400 ألف دينار وأكد انه دعّم ب60 ألف دينار فقط وانه شغل معه 47 ممثلا طيلة سبعة أشهر وهذا يعني ان راتب الواحد منهم لا يتجاوز 150 دينارا في الشهر وهي وضعية الفنان والمسرحي في تونس وهو ما جعله يصر على ان يمثل الجميع أدوارهم حفاة وبلا جوارب في البرد القارص سواء في القبة أو في عرض مدنين حيث كانت درجة الحرارة إلا اثنين وعلى ان يكون العرض حيا يتبنى كل حركة وصوت وضوء يأتيه الجمهور وعلى ان يكون العمل بلا كواليس أي " التياترو العريان" والفقير واعتبر ان حال الفن في تونس هو الفقر رغم ما يدعيه البعض. وفي خصوص اعتزام الجزيري تقديم عرض آخر ل"صاحب الحمار " في المسرح البلدي بالعاصمة وسؤال "الصباح" عن مدى إمكانية العمل مع 150 ممثلا على ركح صغير كركح المسرح قال محمد كوكة وهو من أبطال المسرحية: "سنقتبس خاصة وان الفن بلا قواعد ثابتة" واقتصر الجزيري في إجابته على توجيه الدعوة لمشاهدة العمل الذي يرتكز على حشد الممثلين والجمهور متأسفا على عدم احتكام تونس على مسرح مناسب رغم ان الزعيم بورقيبة وعد بإنشائه منذ سنة 1962.
عز الدين المدني غاضب
ولئن واجه الفاضل الجزيري الحضور والذين تابعوا الجلسة بهدوئه المعهود فان الأديب والمسرحي عز الدين المدني لم يتمالك نفسه في اغلب ردهات الجلسة حيث انه كان غاضبا ممن ادعوا انه لم يكن مقتنعا بإخراج الجزيري لنصه- الذي تم إخراجه في مناسبتين الأولى لعلي بن عياد والثانية لشهرمان في المغرب الأقصى (بمدينة مراكش) وهو الذي كتب خمس مسرحيات نالت حظها خاصة في مصر مذكرا بمسرحية " المعبوكة " التي تم منعها - وكذبهم جملة وتفصيلا وأكد انه مقتنع تمام الاقتناع ب"شغل " الفاضل الجزيري لأنه يحب الفنطازيا التي بدت في صياغة الجزيري الدقيقة وتناوله لجزئيات المسرحية وتفاصيلها الصغيرة كما الكبيرة. ووضح المدني انه كان غاضبا من إدارة أيام قرطاج المسرحية لأنها لم توجه له دعوة ولم تعامله بما يستحقه من احترام وتقدير لمسيرته وان خروجه كان فقط للالتحاق بالمنصة حيث كان يجلس وزير الثقافة. وكان غاضبا أيضا ممن يتعمدون تقزيم الفنانين والمبدعين وينكرون على المثقفين في تونس دورهم في الثورة فلا يستضيفونهم في الندوات واللقاءات والحوارات التلفزية خاصة وانه لم يسمع رائدا من رواد السياسة يتكلم عن مشروع ثقافي يعطي المثقف في تونس حقه أو يعترف بنضاله. وتحدث -وهو يتفق هنا مع الجزيري- عن وجود " ناس مهمتهم ضرب كل مشروع ثقافي تقدمي" وأصر على انه لا مناص من المرور عبر الحداثة في كل عمل إبداعي وان الديمقراطية لا تنجح إلا بالثقافة . علما بان الفكرة الأساسية لمسرحية صاحب الحمار المحيّنة هي التحذير من الالتفاف على الثورة والتذكير بمسيرتي بورقيبة وبن علي الذين غيرتهما السلطة وتحولا من منقذين وثق فيهما الشعب إلى دكتاتوريين من أكبر طغاة العالم.